أردوغان: دبلوماسية الرهائن

"طريقتي ولا غيرها". يبدو هذا نوع السياسة التي ينتهجها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. أو هذا ما يعتقده الكثير من حلفاء تركيا الغربيين. الواقع أن أردوغان يرى العلاقات الدولية منطقة تتيح له اختبار إرادته، وقد لجأ إلى إجراءات شديدة عندما فشل نهجه الجازم.
ويؤكد ذلك تقرير لمنظمة الدفاع عن الديمقراطيات وهو مركز أبحاث في واشنطن. كتب التقرير الذي يحمل عنوان “دبلوماسية الرهائن لأردوغان: مواطنون غربيون في السجون التركية” المحلل آيكان إردمير، والسفير الأميركي السابق بتركيا إريك إدلمان. التقرير المؤلف من 36 صفحة مروّع، ويتحدث عن التهديد الذي تواجهه الدبلوماسية الدولية الميالة للحلول خاصة عندما يقع حلفاء مقربون في خلافات.
وترتبط الاضطرابات التي سببتها تركيا في السنوات الأخيرة بنهج أردوغان “طريقتي ولا غيرها” بشكل كامل تقريبا. لقد أحدثت اضطرابا في أسلوب عمل حلف شمال الأطلسي، وأثرت على المعركة ضد الجهاديين. وبإظهاره عداءً متزايدا ضد الغرب، وجد أردوغان حلفاء جددا من نظام تركيا السابق.
إنهم مجموعة المسؤولين السابقين المؤيدين للنهج الأوروآسيوي، والرافضون للأكراد وسياسيون مدنيون من أقصى اليمين لهم نزعات عسكرية. وكان هؤلاء متشككين دوما من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالنسبة لهؤلاء فإن ابتعاد أردوغان عن الأعراف الغربية أمر طيب.
يلقي التقرير الضوء على الجانب المظلم من هذه السياسات: الزج بمواطنين غربيين في السجون التركية بتهم وجد خبراء القانون أنها سخيفة وأنهم محتجزون لعمليات تبادل محتملة. ويأمل أردوغان عبر استخدام هؤلاء المحتجزين في ترويض الحكومات التي يراها تعبث معه. وركز التقرير على السقوط غير المتوقع لسياسة أردوغان “طريقتي ولا غيرها”. فهي أصبحت فخا لبعض العواصم الغربية التي تختار سياسة تهدئة بسبب الموقف الاستراتيجي لتركيا. وتحتجز السلطات التركية حاليا مواطنين أميركيين اثنين بتهم كبيرة.
أندرو برانسون قس إنجيلي من ولاية نورث كارولاينا كان يقوم بأنشطة دينية في تركيا منذ 20 عاما. ألقت السلطات القبض عليه في خريف 2016 بعد شهور من محاولة الانقلاب الفاشل. واحتجزت السلطات في نفس العام أيضا سيركان جولغ وهو فيزيائي أميركي من أصل تركي عمل في برنامج مارس بإدارة الطيران والفضاء الأميركية.
ويواجه القس تهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني المحظور الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية. وتنص التهم أيضا على أن برانسون أراد تأسيس “دولة مسيحية في ظل حزب العمال الكردستاني”.
وبالنسبة لجولغ، فإن من يعرفون هذا العالم يقولون إن محكمة قضت عليه بالسجن ثمانية أعوام بتهمة التآمر للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية. ولا يقتصر الأمر على مواطنين أميركيين. فقد ذكر التقرير “أن أكثر من 30 مواطنا غربيا دخلوا السجن في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل وأن تسعة على الأقل لا يزالون في السجن حتى الأول من يونيو 2018”.
وقال التقرير “في ظل حالة الطوارئ، فمن الممكن احتجازهم بشكل قانوني لمدة سبعة أعوام في إطار المحاكمات، مع حصولهم على دعم محدود مع المحامين وسفارات بلدانهم وحرمانهم من التواصل بالمحامين على نحو منفرد.. وقد تكشّف مظهر آخر من هذه الاعتقالات الجماعية، فمنذ الصيف الماضي، ندد مسؤولون أميركيون وغربيون في مناسبات عديدة بما أطلقوا عليها ‘دبلوماسية الرهائن’ التركيةـ وهي جهود من جانب الحكومة التركية لاستخدام السجناء الغربيين المحتجزين في تركيا منذ محاولة الانقلاب كأوراق تفاوض”. وسعى التقرير إلى الإجابة على سؤال “ماذا سيحدث الآن؟”. وكما يقول فإن دبلوماسية الرهائن لا تضر بالوضع العالمي لتركيا فحسب، بل تدفع أيضا شركاءها في حلف شمال الأطلسي إلى النظر في فرض عقوبات على أنقرة.
وقال كاتبا التقرير إردمير وإدلمان “اختار الرئيس التركي أن يساوم كل بلد وفقا لأجندته ويستخدم ما لديه من رهائن كوسيلة للحصول على تنازلات. وينبغي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رسم استراتيجية أطلسية متماسكة لمواجهة سياسة الرهائن التي ينتهجها أردوغان ليس فقط من أجل ضمان الإفراج عن المواطنين الغربيين، ولكن أيضا لمنع تكرار حوادث أخرى في المستقبل”.
ويبقى سؤال ماذا سيحدث لو فاز أردوغان وحزب العدالة والتنمية بانتخابات 24 يونيو؟ ولا توجد إجابات سهلة له.