أردوغان.. أسئلة الاقتصاد

في أحدث الإجراءات المثيرة للجدل احتجاز أصول المستثمرين الأجانب كرهائن عن طريق احتجازها في تركيا، لا يظهر أردوغان أي ندم في تحدي النظام العالمي بينما يدمر الاقتصاد المحلي.
الأربعاء 2019/04/03
الاقتصاد التركي شخصية المعارضة الحقيقية لأردوغان

بصرف النظر عن نتائج الانتخابات المحلية، من المتوقع أن تخرج تركيا منها بجروح بالغة ومنقسمة بشدة.

صحيح أن اختيار رؤساء البلديات ومجالس المدن لما يقرب من 1000 بلدية كان مثقلا بالرمز السياسي. ومع ذلك من الآمن افتراض أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيواصل السيطرة على إدارة تركيا، بغض النظر عن عدد البلديات التي لها أهمية كبرى، مثل أنقرة وإسطنبول، التي خسرها تحالف حزبه.

السبب بسيط، لقد تغير النظام الإداري في تركيا تغييرا جذريا منذ استفتاء 16 أبريل 2017. وقد أعطى التصويت “بنعم” بنسبة 51 بالمئة صلاحيات تنفيذية واسعة النطاق لأردوغان، للحكم حسب الرغبة من خلال إصدار المراسيم.

ونتيجة لذلك، تقلصت سلطات المجلس التشريعي إلى الحد الأدنى وبات الفصل بين السلطات غير موجود تقريبا. تحول حكم القانون، كما تقول المزحة الساخرة في تركيا، إلى “قانون الحكم”.

من المهم التأكيد على أن النظام قد عزز النظام الإداري المركزي سيء السمعة في تركيا إلى نظام “شديد المركزية”. وبصورة تقريبية، يجعل النظام الجديد من المستحيل تقريبا على البلديات أن تمتلك “مرجا حرا” وأن تنمّي مواردها المالية المحلية دون موافقة الحكومة المركزية، الأمر الذي يعني في حالة تركيا قصر أردوغان.

وفي ظل تراكم السلطة في شخصه إلى أقصى حد، فلا يمكن لأردوغان عرقلة التدفقات المالية فحسب على البلديات المحتاجة- ومعظمها مفلسة- كما يحلو له، بل يمكنه إزالة رؤساء البلديات حسب الرغبة واستبدالهم بإداريين.

مارس أردوغان هذه السلطة عندما عزل حوالي 100 رئيس بلدية من حزب الشعوب الديمقراطي في الأقاليم الكردية في جنوب شرق تركيا. ولا يخفي عزمه القيام بذلك مرة أخرى، إذا أصر الناخبون على اختيار مرشحي الحزب نفسه. إذا حدث ذلك، فسوف يبقي على حالة التوتر الشديد في البلاد.

وفي الوقت الذي يبدو فيه السياسيون والناخبون الأكراد متحدين أمام الإجراءات القمعية، إلا أن المرشحين لرئاسة البلديات في التحالف الوطني العلماني القومي الذي يمثل المعارضة الرئيسة، والذي يشمل حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح، يتعاملون مع الأمر بحذر.

ولإدراكهم الاعتماد على أردوغان في الحصول على الموارد المالية، فإذا فازوا بالمدن الرئيسة- مثل إسطنبول أو أنقرة أو بورصة- أعلن قادة المعارضة بالفعل “أنهم سوف يتعايشون بشكل جيد مع أنقرة”، مما يعني أنهم سيعاملون الرئيس باحترام كبير وربما يلتزمون بالشروط التي يضعها من أجل بقائهم السياسي. وذلك لأن أردوغان لم يهدد الأكراد فحسب، بل هدد كتلة المعارضة الرئيسة “بالإفلاس” بعبارات واضحة.

وقد يجادل المرء أنه بالنظر إلى المركزية المفرطة للسلطات التنفيذية، فإن نتيجة الانتخابات قد تنتهي في نهاية المطاف كالوميض. من الواقعي القول إنه كلما زاد عدد البلديات التي يفوز فيها تحالف المعارضة، زادت قدرته على استعادة احترام الذات الذي فقده خلال العقد الماضي أو أكثر.

هذه الانتخابات لن تغير تركيا، لكنها ستبقي الباب مفتوحا قليلا أمام العودة إلى الديمقراطية البرلمانية التي انحرفت عنها البلاد حتى الآن.

ثم، هناك مشكلة أخرى ستبقى دون تغيير. منذ ما يقرب من ثلاث سنوات أصبح الاقتصاد التركي شخصية المعارضة الحقيقية لأردوغان وفريقه. سيكون التراجع الذي لا يمكن وقفه، والذي وصل إلى مستوى البطالة المرتفعة والركود العميق، الخصم الحقيقي الذي يجب أن يتعامل معه رئيس تركيا الضعيف ولكن الذي لا يزال من الصعب التغلب عليه.

ربما يعرف أردوغان أن الجرح العميق ما هو إلا نتاج أسلوبه شديد المركزية في الحكم، والذي يقرر كل شيء في البلاد. في أحدث الإجراءات المثيرة للجدل احتجاز أصول المستثمرين الأجانب كرهائن عن طريق احتجازها في تركيا، لا يظهر أردوغان أي ندم في تحدي النظام العالمي بينما يدمر الاقتصاد المحلي. هذه ليست سوى علامة على مدى تشبث أردوغان وفريقه بالسلطة وكيف لا يرغب في تركها مهما بلغ الأمر.

وبهذا المعنى، مثلت الانتخابات المحلية تدريبا آخر لأردوغان لتدعيم النظام الجديد، والذي يأمل في أن يبقى الشخصية الحاسمة على قمته. قد تظل المعارضة ضعيفة لكن الاقتصاد هو الذي سيجعل أردوغان يناضل من أجل البقاء ويحدد مستقبل تركيا.

8