أديس أبابا تستغل انشغال الخرطوم لفرض واقع جديد على الحدود

تواتر هجمات عصابات الشفتة الإثيوبية على مناطق سودانية حدودية، بات محل إحراج كبير للسلطة الانتقالية السودانية، التي لم يعد بمقدورها غض الطرف عن تلك التجاوزات في ظل شارع مستنفر يرصد كل خطواتها.
الخرطوم – تثير التعديات الإثيوبية المتكررة على الحدود الشرقية للسودان، مخاوف الخرطوم من سعي أديس أبابا لاستغلال انشغالها بتفكيك العقد الداخلية لفرض واقع جديد في المنطقة الحدودية المتنازع عليها منذ عقود.
واستدعت وزارة الخارجية السودانية مؤخرا القائم بالأعمال الإثيوبي ميوكنن قوساي ردا على هجوم جديد عبر الحدود يشتبه في أن ميليشيات الشفتة الإثيوبية نفذته بضوء أخضر من السلطات وتسبب في مقتل وإصابة عدد من أفراد الجيش السوداني ومدنيين.
في المقابل أدان تحالف “قوى الحرية والتغيير”، ما وصفه بـ”الاعتداءات” الإثيوبية المتكررة على حدود البلاد الشرقية، داعيا أديس أبابا إلى الابتعاد عن تعكير صفو العلاقات بين البلدين.
وقال بيان للتحالف المدني المشارك في السلطة الانتقالية “يأتي هذا العدوان الغادر كامتداد لسلسلة من التعديات التي تزايدت وتيرتها مؤخرا امتدادا لسياسات العقدين الماضيين التي شهدت توغلا إثيوبيا على أراضي الفشقة الكبرى والصغرى، مستغلة تفريط النظام البائد (نظام عمر البشير) في السيادة الوطنية”.
إثيوبيا، تدعو السلطة الانتقالية في السودان، إلى إجراء تحقيق مشترك لاحتواء التوتر الحدودي بين البلدين
وشدّد البيان “ندعم مساعي السلطة الانتقالية في تفعيل قنوات الحل الدبلوماسي السياسي الذي يوقف التعديات ويحفظ سيادتنا الوطنية، ويجري ترسيما ملزما للحدود بوقف كافة أشكال التغول والعدوان ويؤسس لسلم مستدام بين البلدين”.
وكانت وكالة الأنباء السودانية الرسمية أوردت الخميس خبر تعرض معسكر في القضارف شرق البلاد إلى هجوم أدى إلى مقتل أحد الضباط السودانيين وإصابة 7 جنود، ونقلت الوكالة عن متحدث عسكري سوداني بأن الهجوم تقف خلفه ميليشيات “مدعومة من إثيوبيا”.
ويقول محللون إن أديس أبابا تسعى على ما يبدو لاستثمار الوضع الهش للسودان الذي يمر بفترة انتقالية صعبة نتيجة تعثر جهود السلام، وعجز السلطة الحالية عن اجتراح حلول جذرية لمعالجة الأزمة الاقتصادية للتحرك والسيطرة على مناطق حدودية متنازع عليها.
ويشير المحللون إلى أن أديس أبابا تريد تكرار ذات السيناريو حينما استغلت حالة اللااستقرار في مصر التي خلفتها أحداث يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، لتسارع لتنفيذ مشروع سد النهضة الذي تعتبره القاهرة تهديدا لأمنها المائي، والذي بات اليوم في مراحله الأخيرة حيث ينتظر أن تبدأ أديس أبابا في ملء خزانه في يونيو الجاري.
وكانت ميليشيات الشفتة الإثيوبية هاجمت في مارس الماضي منطقة ود كولي التابعة لولاية القضارف ما أدى إلى مقتل عنصرين من الجيش السوداني وإصابة اثنين آخرين، أثناء تصديهم لذلك الهجوم.
وسبق الهجمات المتكررة تزايد نشاطات تلك الميليشيات بالقرب من حدود البلدين حيث رصد حشدها للمئات من العناصر، وترنو تلك الميليشيات المدعومة من السلطة الإثيوبية للسيطرة أساسا على منطقة الفشقة.
وتقع الفشقة على طول الحدود السودانية الإثيوبية بمسافة تقدر 168 كيلومترا وهي مقسمة إلى ثلاث مناطق، “الفشقة الكبرى” و”الفشقة الصغرى” و”المنطقة الجنوبية”، وتمتاز بخصوبة أراضيها ما يجعلها هدفا للعصابات الإثيوبية.
ويقول نشطاء سودانيون إن أديس أبابا تراهن على ضعف السلطة الانتقالية، وتعتقد بأن الأخيرة ستعمد إلى غض الطرف عن تلك التجاوزات على غرار ما قام به نظام عمر البشير طيلة فترة حكمه، بيد أن هذا الرهان مجانب للصواب لاسيما وأن السلطة الحالية تدرك أن الشارع المستنفر سيكون بالمرصاد لأي تنازل، أو تجاهل لما يجري هناك.
وفي رسالة لا تخلو من دلالات أعاد الجيش السوداني في 30 مارس الماضي انتشاره في منطقة الفشقة الصغرى وذلك بعد غياب دام لـ25 عاما، وترافق هذا الانتشار مع زيارة لرئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان أعقبها بسلسلة تصريحات نارية اتهم فيها أديس أبابا بالسعي لاحتلال أراض سودانية.
ويعتقد محللون أن المواقف السودانية الحادة حيال التعديات الجارية على الحدود من شأنها أن تكبح اندفاعة إثيوبيا بيد أن هناك شكوكا كبيرة في إمكانية أن تتخلى الأخيرة عن طموحاتها في اقتطاع جزء من أراضي المنطقة الحدودية.
ودعت إثيوبيا، الأحد، السودان، إلى إجراء تحقيق مشترك لاحتواء التوتر الحدودي بين البلدين. وحثت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان الخرطوم على العمل معا من خلال الآليات العسكرية القائمة لمعالجة الظروف المحيطة بالحادث والتحقيق فيها بشكل مشترك لاحتواء الوضع على الأرض. وأضافت الوزارة “نعتقد اعتقادا قويا أنه لا يوجد سبب ليدخل البلدان في العداء، وندعو إلى استمرار التعاون الوثيق بين الإدارات المحلية والإقليمية المجاورة لضمان السلام والأمن في المنطقة الحدودية”.