أدب "الجن" والقارئ المجنون

أثار الكاتب السعودي أسامة مسلم حالة طوارئ حقيقية في أروقة صالون الجزائر الدولي للكتاب، لمّا تدفق المئات من الشبان والمراهقين على الجناح الذي يبيع كتبه، وعمت حالة من الصراخ والتدافع والهستيريا في أوساط الجنسين، على أمل الحصول على توقيع منه أو التقاط “سلفي” معه.
الرجل ليس قامة أدبية ولا نجما روائيا، ورواية “الخوف” ليست عملا خارقا يتهافت عليه القراء من كل حدب وصوب، بل مجرد تجربة في أدب “الجن” إن صح التعبير ووافق عليه النقاد، لكن الهالة التي أحاطت بحضور الكاتب وسط حراسة أمنية مشددة من طرف القراء المعجبين، توحي بوضع غير طبيعي تماما في هكذا تظاهرة مخصصة لعرض الإنتاج الفكري والإبداعي على جمهور يفترض فيه حد أدنى من القدرة على التمييز بين الغث والسمين.
جرس الإنذار أطلق منذ سنوات حول ظاهرة التهافت على كتب “فنون الطبخ” و”عذاب القبر”.. وغيرهما، والآن الشغف ينتقل إلى عالم الجن والشعوذة، مما يوحي بالعودة إلى مربع الصفر، لأن حماسة القارئ إلى مثل هذه الإنتاج يترجم مدى العطل الذي أصاب الأجيال المندفعة نحو أسامة مسلم.
إلى حد بعيد لم تعد المسافة طويلة بين مؤثر تافه في جمهور أتفه على شبكات التواصل الاجتماعي، وبين كاتب لا يتحمل مسؤوليته ويدفع إلى تعليب ما تبقى من عقل يفكر في هذه الأمة، بالعودة إلى عالم الجن والشعوذة والعين، عبر جمهور لا فرق بينه وبين جماهير ملاعب الكرة والأسواق الشعبية.
قبل أربعة قرون أنجز أحمد البوني (عنابة) حاليا، كتاب “شمس المعارف الكبرى”، الذي صنف ضمن أخطر ما دوّن في المكتبة العربية والإسلامية، وذهبت حكومات في المنطقة إلى منع طبعه وتوزيعه، بينما تولى المشايخ تحريمه وتكفير مؤلفه وقارئه، بسبب محتواه الموغل في السحر والشعوذة وإعداد الطلاسم واستحضار الجن.
هالة كبيرة وأساطير نسجت حول كتاب “شمس المعارف الكبرى”، إلى درجة التحذير من لمسه أو وضعه في رف الكتب أما قراءته فحدث ولا حرج، والآن يبدو أن الشباب والمراهقين المتحمسين لعالم القوة الأخرى، والذين غاب عنهم الكتاب المذكور، وجدوا ضالتهم عند أسامة مسلم، في غرضه الأدبي الجديد القديم، ويلتقي الرجلان في قاعدة واحدة هي شل ما بقي من العقل المتحرك.
أحمد البوني وأسامة مسلم يشتركان في عالم الخلوة والانطواء، الأول قضى سنوات لوضع شمس المعارف الكبرى، الذي اشتقت منه كل كتب السحر والشعوذة، والثاني يقول بعظمة لسانه أنه دوّن رواية “الخوف” في غرفة مظلمة، وهو القائل “علاقتي بالروحانيات بدأت منذ أن كان عمري خمس سنوات عندما أخذتني والدتي إلى شيخ في القرية معروف بعلاقته بالجن، ولاحقا ساعدني على الانتشار مغاربيا شاب مغربي يدعى (بيرمون) يهتم بمواضيع الجن والشعوذة”.
ويضيف “رواية (خوف) كتبتها في غرفة مظلمة، يعمها السواد، وسط طقوس خاصة “.
بعض سليطي اللسان قالوا “تدفق الجمهور اللافت على أسامة مسلم، هو نوع من أنواع السحر الذي برع فيه أدبيا، كما حدث في المغرب لما تدافع نحو عشرة آلاف شاب لاقتناء روايته، وفي مصر نحو عشرين ألفا لنفس الغرض”.
وعلى هذا النحو باتت أخبار صالون الجزائر الدولي للكتاب تتواتر على السحر والسحرة وكتب السحر والجمهور المسحور، والروائي الساحر، في انتظار إعلان صلاة الجنازة على الإنتاج الفكري والإبداعي الذي ينمي العقول ويبني الأمم والشعوب.