أدب الأقوياء يتطلب ذواتا حرة ومتطلعة إلى المستقبل لا الماضي

يحظى أدب الخيال العلمي بانتشار واسع في الغرب، ولا أدل على ذلك من انتشار الأفلام والأعمال الدرامية الناجحة المقتبسة من نصوص من هذا الأدب، لكن عربيا ما تزال التجارب في هذا النوع الأدبي محتشمة، ورغم ذلك تتراجع باستمرار، وذلك مرده أسباب عديدة، وهو ما نتبيّنه من استطلاعنا لآراء عدد من النقاد والكتاب العرب.
يواجه أدب الخيال العلمي عربيا مجموعة من التحديات التي انعكست سلبا على حضوره داخل المشهد الإبداعي العربي، وهي تحديات تكشف حجم ما تعانيه الكثير من المجتمعات العربية من قمع للحريات العامة وخلل في منظومات التعليم التي تقوم على التلقين وتحد من قدرة النشء على التفكير الخلاق، وترد للأوضاع الاقتصادية، وتخلي مؤسسات وهيئات الثقافة وحتى دور النشر الخاصة عن دعم ورعاية كتاب هذا النوع من الأدب.
في هذا الإطار استطلعت “العرب” آراء المبدعين والنقاد العرب والمصريين مثيرة العديد من التساؤلات حول راهن أدب الخيال العلمي، منها كيف يرون ويقيمون تراجع آداب وفنون الخيال العلمي عربيا على الرغم من وفرة كتاب الرواية والقصة القصيرة ومخرجي السينما وزحام التطورات الهائلة التي وصلت إلينا ـ نحن العرب ـ في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات التكنولوجية ووسائل الاتصال ونظم المعلومات والتي انعكست تأثيراتها على كافة مجالات الحياة؟
علامة الحرية
أدب الخيال العلمي نمط من التجريب يسمح للخطاب الروائي بأن يحيد عن طرق التعبير المعتادة لتمثيل الواقع
بداية يرى الروائي والناقد السوري نبيل سليمان أن سؤال التحقيق يفترض أنه مرّ بالنظر إلى حين من الدهر كان فيه أدب الخيال العلمي عربياً ناشطاً. ويقول “على الرغم من متابعتي المحدودة لهذا الأدب، أحسب أنه ظل في أحسن حالاته ‘متدني‘ القراءة والكتابة. وسواء صح ذلك أم عكسه، فمن المؤسف أن تراجعه صحيح، مثلما هو التراجع الفادح كيفما أدرت ناظريك في دنيانا العربية. أن تسمع في أمس قريب بمهرجان ‘مسكون‘ في لبنان لأفلام الرعب والخيال العلمي، فهذا حسنٌ، على الرغم من الخلط بين الرعب والخيال العلمي، وهو الخلط الرائج في الرواية العربية. وبالتالي أن تقرأ نجاحات كتّاب الخيال العلمي عربياً، من طالب عمران السوري إلى أحمد خالد توفيق المصري، فهذا حسنٌ وأحسن أيضاً، ومثله الحديث عن موسوعة مصرية فلسطينية لأدب الخيال العلمي العربي، ولكن لماذا بالإنجليزية؟”.
ويتابع “غير أن الخلط يمضي إلى كتابات الفانتازيا، والأساطير، والخرافات، فيعدها من أدب الخيال العلمي. ولأن غيري أَوْلى مني بالتعمق في مثل هذا الحديث، أكتفي بالتساؤل مع من يتساءلون عما إذا كان أدب الخيال العلمي مثله مثل سائر الكتابات التي تحيل إلى المستقبل القريب والبعيد، متأثرا بالهيمنة الدولتية، والدكتاتورية خاصة، على الرغم مما له من الأساس العلمي والتخييلي، ومن الأهمية التربوية، وبالتالي: هل أدب الخيال العلمي علامة لحرية الإنسان والخيال أم ماذا؟ وبالمناسبة أودّ أن أعبر عن تقديري الكبير وإعجابي بما في أكثر من رواية من روايات اليمني حبيب عبدالرب سروري من الخيال العلمي”.
ويشير الروائي والناقد الجزائري حمزة قريرة، الأستاذ بجامعة قاصدي مرباح ورقلة، إلى أن أدب وفن الخيال العلمي يعد أدبا استشرافيا بامتياز حيث يعتمد على التنبؤ بالآتي انطلاقا من قواعد علمية وتراتبية خاصة، تجد منطقها في نسق العمل المقدّم سواء كان رواية أو قصة أو فيلما، وعبر تاريخ أدب وفن الخيال العلمي ظل مرتبطا بمدى التطوّر التكنولوجي والحضاري في مختلف البلاد التي ظهر فيها، ليكون التناسب طرديا بينهما فكلما زاد التطور التكنولوجي زادت معه شراهة المبدعين في التعبير عن رؤاهم المستقبلية لمختلف القضايا بشكل أكثر تشويقا ومليئ بالتنبؤات التي تدخل ضمن الخيال العلمي.
ويضيف “بالرجوع إلى الوطن العربي نجد أن هذا الأدب ولد قاصرا مقارنة بغيره من الفنون كالقصة والرواية والشعر، فرغم ظهور العديد من مؤلفي الخيال العلمي كتوفيق الحكيم ونهاد شريف وأحمد خالد توفيق وهم من فترات مختلفة في تاريخ تطوّر هذا النمط من الكتابة إلا أن الإنتاج لم يكن بالكمّ الكافي ليصبح ظاهرة كبقية الفنون والآداب، وفي رأيي يعود ذلك إلى عدة مسببات حسب المتغيرات المختلفة المرتبطة بهذا الأدب والفن الاستشرافي يمكن تلخيصها في الآتي: ضعف علاقة العربي المنتِجة بالتكنولوجيا، فالعربي مستهلكٌ بالدرجة الأولى، مما يجعل تفكيره في التكنولوجيا من منطلق ما تلبيه من رغبات لا ما تنتجه أو ما قد تقدّمه في المستقبل.
ويلفت قريرة إلى قلة الترجمة في هذا المجال، ويقول إن “فلسفة العربي القرائية قائمة على ذائقة أدبية خاصة، حيث تطغى عليها الأشكال الكلاسيكية في الكتابة كالشعر والرواية وهو أدب يراه الكثير من القراء العرب أدب النخبة، مما يقلّل حظوظ أدب الخيال العلمي الذي يقدَّم في العادة بشكل أكثر سطحية ومباشرة وهو أقرب للتمثيل منه للقراءة. كما أن طبيعة أدب الخيال العلمي التصويرية تجعل قراءته صعبة خصوصا لمن تعوّد على أنماط الأدب الأخرى.
ويؤكد الناقد عدم وجود احتفاء رسمي بأدب وفن الخيال العلمي مقارنة بالآداب الأخرى، مما يجعل الكتاب يزهدون في ارتياد هذا المجال. أو من جانب آخر فإن أدب الخيال العلمي يقدّم في الأساس – خصوصا اليوم – ليمثّل وهو أمر غائب عربيا إلا في تجارب يتيمة. لكن رغم كل الصعوبات تظل المحاولات تقدّم معالم لطريق أدب الخيال العلمي العربي برؤيا عربية مختلفة خصوصا مع جيل الشباب وبدايات الألفية الثالثة.
وفي الجزائر تحديدا يتم الاحتفاء بهذا الأدب والفن بشكل مقبول سواء من دور النشر أو الدوائر الرسمية، وفي تجربتنا في دار فكرة كوم للنشر والتوزيع فتحنا الباب لكل الشباب للنشر في هذا المجال بالخصوص ولدينا تجربة مع قلم مهم وهو د. فيصل الأحمر الذي ستصدر له قريبا رواية “في البعْد المنسي” وهي رواية خيال علمي للناشئة، والجميل في الرواية أن شخصوها وأحداثها توحيان بعروبتها في عالم المستقبل. وستكون جاهزة قريبا في موقع الدار.
ويقول الأكاديمي فيصل الأحمر “شخصيا، وبحكم اشتغالي على الخيال العلمي منذ أكثر من ربع قرن تأليفا ودراسة وتحليلا، أواجه هذه الإشكالية باستمرار، وقد تشكلت لدي قناعة حول سبب التراجع الملحوظ لهذا النوع في فضائنا الحيوي. وفي كتابي الفلسفي الأخير ‘سياسات الخطاب الأدبي، في المقاربة الفلسفية للخطاب الأدبي‘ طورت فكرة معينة حول العزوف الكلاسيكي للقارئ العربي عن الخيال العلمي، وقد رفضت فكرة أن العربي يعيش حياة خرافية بعيدة عن الفكر العلمي، أعتقد أن هذه الفكرة العامة التعميمية تخفي خلفها ظرفا تاريخيا آخر أهم بكثير”.
ويضيف “الغالب عندي أن هنالك ممانعة كبيرة لهذا النوع الأدبي في الدوائر الرسمية، رغم ميل القارئ الحديث صوبه، ورغم وفرة الكتاب والفنانين والمشتغلين على هذا الحقل كما أسلفتم. والحاصل هو أن أدب الخيال العملي أدب نظري ذو تبعات فلسفية، أي أنه أدب ذو أبعاد سياسية بالضرورة. إنه يحاول رسم معالم للحياة في المستقبل. هو أدب الأقوياء أو الذين يستعدون لمنازلة الأقوياء الذين يكتبون التاريخ. أما الأنظمة السياسية العربية فهي أنظمة تحاول دوما دفع عجلة الحياة صوب المحافظة على معلّمات الحياة الموروثة عن الماضي، أو الحياة الحالية كما هي. إنها أنظمة تنظر إلى الإنسان العربي كفرد مسلوب الإرادة، ولا تحبذ فكرة التفكير النظري في إمكانيات أخرى للحياة، وهي فكرة تحاربها الأنظمة القائمة دينيا بخلفية الكفر والتجديف والزندقة العقلية. لهذا يتطور عندنا الأدب الرومانسي (أدب التأسي والحنين والكتابة التاريخية ذات الطابع الوجداني) كثيرا، فهو أدب الإنسان المغلوب على أمره، مسلوب الإرادة”.
ويوضح الأحمر هذه الفكرة “سوف نفهمها أكثر إذا ما لاحظنا ولع الأوروبيين والأميركيين بالخيال العلمي السياسي وبالكتابات الحميمية، ولهذين التوجهين تفسير سياسي وجيه مرتبط بالتعود على استعمال الخيال كطريقة للتفكير في المستقبل، وكذلك بالفكرة الليبيرالية الديمقراطية لإعطاء قيمة عالية للفرد كمحرك للتاريخ بدلا من التخييل المحلي الذي تسيطر عليه الفانتازيات التاريخية بإحالاتها الفارغة على بريق خاص لا يوجد إلا في الماضي؛ بكل ما في هذا الأمر من إمكانيات لتفريغ الواقع والحياة وخاصة المستقبل من إمكانيات لتصورات خارجة عن الوضع الراهن (ولا يخفى على أي قارئ ما في هذا الكلام من إحالات على التكلس الكبير في دواليب الحياة والذي هو صورة أدبية باهتة ولكنها فصيحة عن التكلس الذي يصيب الحياة السياسية في بلداننا العربية)”.
ويتابع “لا يبتعد عن هذا النوع من التخييل العنصر الآخر الحاضر في رواياتنا وأقاصيصنا، والذي تهيمن عليه الواقعية التي هي دائما مرتبطة بالحتمية التاريخية وبتصور ‘ستاتيكي‘ للعالم في مقابل التصور ‘الحركي‘ للتخييل المنتشر في البوليتيك فيكشن أو قصص الأبطال الخارقين أو التخييل الذاتي؛ ذلك النوع المنتشر بشكل كبير جدا في الغرب، وهو النمط التخييلي الخطير سياسيا الذي يجعل في حياة كل كاتب مهما كان حجمه إمكانيات للأسطرة وللبطولة الروائية، وهو شيء من الصعب تصوره في العالم العربي الذي هو عالم يعاني فيه الفرد من قمع تخييلي شديد (حتى إن كان هذا الفرد هو كاتب أو أكاديمي أو أي فرد من النخب له صيت وموقع خاص في المجتمع)”.
واقع مهزوم ومأزوم
يتساءل الروائي السوداني مهند الدابي “هل لأننا – ربما – نعيش في أجواء كالخيال؟” ويوضح مغزى تساؤله “في دولة كالسودان تتكدس آلاف الجثامين على أرضية ما يمكننا أن نسميه – مجازا – مشرحة والتي هي عبارة عن بهو كبير، حيث لا تُفَرق الأجساد الميتة، لا بيانات لا شهادات ولا حتى تشريح. أظن أن هذا عالم كنت أراه في سينما هوليوود من قرن مضى، عندما قرأت للمرة الأولى رواية ‘فرانكنشتاين في بغداد‘ لأحمد سعداوي، ظننت أنها مجرد رواية للخيال العلمي وعندما تابعت الأوضاع في العراق وجدت أن الرواية سيرة خيالية لقتلى مجهولين، شيء يفوق الخيال بقليل”.
ويتابع الدابي “نحن نعيش في منطقة تتجاوز الأحداث فيها المألوف، يقرأ أدب الخيال العلمي من هم يشربون الحليب كل ليلة ولا يعرفون انقطاع الكهرباء أو غاز الطبخ، يجدون في هذا الخيال العلمي مستقبلا لهم ومتعة، ولكننا نعيش غير ذلك ونحلم أقل من ذلك بكثير، كتب صديق لي رواية خيال علمي فاتهمه الجميع باقتباسها، لم يتقبلوا رواية خيال علمي من رجل أسود درس في مدرسة حكومية لا توجد بها مروحة للهواء، لكنهم تقبلوا روايته الأخرى بشغف كبير وأحبوه وهو يحكي عن الموت والمجاعة وتفشي الأمراض”.
يرى الروائي نشأت المصري أن أدب الخيال العلمي العربي تراجع، لكنه أيضا لم يكن مزدهرا من قبل. لأنه يرتبط في جانب منه بالحريات المتاحة. إن بيئة الخيال العلمي تنبثق عادة عن بيئة التقدم العلمي والحريات العامة. فكيف يتحرر الخيال ويبدع والواقع مقيد ومهزوم ومأزوم؟ ولا يتعارض ذلك مع واقع التقدم العلمي في روسيا لأنها أيضا أقل تقدما من أميركا وأعمال الخيال العلمي في روسيا أقل بكثير من نظيرتها الأميركية. أما هنا فأضف إلى المناخ السياسي والتعليمي تقاعس المؤسسات الحكومية المعنية لأنها روتينية الأداء في ظل الفقر الإداري والتوزيع الفاشل لبنود الميزانيات. وكذلك القطاع الخاص الذي يبحث عن الربح السريع ولا يثق في إقبال الجمهور على هذا اللون الفني والأدبي.
ويضيف “وكمحصلة لهذا التراجع توارت الأسماء الكبيرة أو لم توجد أصلا رغم المحاولات الحثيثة للناقد صلاح معاطي والأديب محمد نجيب مطر والأكاديمي حمادة هزاع وقلة أخرى في مجال النقد. وأظن أن بداية الحل تكون بالمزيد من الجوائز وفرص النشر لكتابات الخيال العلمي ورصد وزارة الثقافة لميزانية محترمة لإنتاج أفلام خيال علمي عربية متميزة. ويتزامن مع ذلك أو يسبقه الاهتمام بأدب الخيال العلمي للأطفال لإعداد جمهور واع في المستقبل”.
ويتابع المصري “لقد قدم عبدالتواب يوسف عميد أدب الأطفال مسرحية ‘كوكب يصغرون‘ وغيرها، كما قدمت قصصا منها ‘أغرب فيل في العالم‘، ‘الكوكب الخفي‘. أما تأمل وفرة الأدباء اليوم وتهافتهم على موضوعات يتخيلونها وسيلة لاصطياد جائزة ما؟ فيجب توجيه الدفة عن طريق مؤسسات الدولة إلى طريق أدب الخيال العلمي باختيار قيادات ثقافية وفنية أكثر وعيا وحماسا للتجديد، وكم كان الخيال العلمي سابقا موحيا لجهود مهمة مثل الصعود إلى القمر. ننتظر أن يقدم لنا أدباؤنا أفكارا وخيالا مبتكرا عربيا بدلا من التبعية المطلقة في كل شيء، وليبدأ الأدباء بإبداعات فردية للتخلص من هذا الركود ومهاوي التخلف. من حق أجيالنا الحاضرة والمقبلة أن تحلم حلما علميا عربيا، وقد يكون عمليا عمل إنتاج عربي مشترك في هذا المجال بتمويل مشترك. لنوقف مهزلة الخيال المستورد والحلم الأجنبي. على الأقل ليكن حلمنا وخيالنا عربيا”.
امتلاك خيال خصب
توضح الناقدة نهلة راحيل أن الخيال العلمي يعد أسلوبًا سرديًا يعتمده الكاتب بنية لنصه الروائي الذي يعرض فيه موضوعًا اجتماعيا سياسيا في الأساس، ولكنه يستعين بالمنجزات التكنولوجية وبالتطورات العلمية كوسيلة لمعالجة الموضوع. فهو، وفق طرح الناقد والروائي البريطاني ديفيد لودج، نمط من أنماط التجريب يسمح للخطاب الروائي بأن يحيد عن طرق التعبير المعتادة لتمثيل الواقع سواء كان في البناء السردي أو في الأسلوب أو في كليهما معا. ويكمن اختلافه عن الأنواع الأدبية الأخرى في كونه مصالحة بين العلم والخيال تُلزم كاتبه بضرورة الوعي بالنظريات الحديثة والحقائق العلمية، وفي الوقت نفسه بضرورة امتلاك خيال خصب يمكّنه من تجسيد رؤيته التنبؤية في خطاب أدبي متماسك.
وتؤكد راحيل أن الرواية العربية، في نزوعها إلى التجريب، لجأت إلى توظيف أسلوب الخيال العلمي الذي يخترق أفق المستقبل، بعد أن مارسه بعض الروائيين العرب واتخذوه قالبًا تنهض عليه نصوصهم الروائية بهدف كشف الواقع المرير عبر مجابهته بنمط غير واقعي قد يصدم المتلقي ويُدخله في حوار مع واقع جديد ومجتمع مختلف. من هنا، بدت الكتابة عن المستقبل في الرواية العربية شكلا من أشكال التجديد في البنى السردية الكلاسيكية، رغم أنها لم تحظ بالكثير من الشيوع في الأوساط الأدبية العربية مقارنة بالكتابات الغربية التي تُنتج في بيئة علمية محفزة على نمو هذا النوع الأدبي وتطوره.
وتشير راحيل إلى أهمية دور أدب الخيال العلمي في تعليم النشء وتنمية قدرات التخيل والإبداع لديه، ومن ثم، فروايات الخيال العلمي العربية تبقى في حاجة إلى المزيد من الاهتمام من جانب الكتّاب المبدعين المنتجين لهذا النوع من الأدب بألوانه المتنوعة من ناحية، ومن جانب رجال التربية المطالبين بإدراج المختار من هذه الروايات في المناهج التعليمية بمراحلها المختلفة من ناحية أخرى.
وتضيف “لذلك، فإن الابتعاد عن التقليد الغربي وتأصيل القيم العربية من أهم التحديات التي تواجه الأدباء الفاعلين في هذا الحقل الأدبي الذي لا يمكن تغييبه عن المشهد العربي رغم قلته، وبالأخص بعد تغير المزاج العام، سواء لدى الكاتب أو المتلقي أو الناشر، وفق معطيات جديدة تتحكم فيها متطلبات السوق والثورة الرقمية وتعدد المساحات الافتراضية المفتوحة للتعبير كالمدونات الشخصية والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي”.
ويشير الروائي محسن الغمري إلى عدة أساب متفرقة وراء تراجع أدب الخيال العلمي، أولها: مرتبط بعدم وجود برامج تربية وتعليم تؤهل الطفل علميا وتبرز موهبة الخلق والإبداع عنده، ومن جانب آخر قد تكون ثقافة الأبوين قاصرة، فلا تمنح الطفل فرصة ممارسة ما ينمي خياله، ولا تخلق عنده موهبة الخلق والابتكار، أما السبب الثاني فيعود إلى سياسات تعليم الطفل في منطقتنا التي تقوم على فكرة التلقين، وهو أمر يؤدي إلى تثبيط قدرة الإبداع عند الطفل. والسبب الثالث يعود إلى ظروف مجتمعاتنا الاقتصادية وثقافتها التي قد تئد خيال المواطن العربي، المرتبط بشكل كبير بماضيه وتراثه السلفي، الذي يرى فيه الصلاح لكل ما هو قادم.
ويضيف “كما أننا نجده ومنذ طفولته يعيش سوداوية واقع معظم البيئات العربية، خصوصا في الفترة الآنية، وما يدور بها داخليا وحولها خارجيا من صراعات تجعل البيئة المحيطة غير آمنة أو مستقرة، وهذا يؤدي مما لاشك فيه إلى تأثير مباشر محبط على فكر وخيال النشء العربي الذي منه يكون أديب أو فنان الغد، وأخيرا أظن أن تكلفة إنتاج أي عمل فني مرتبطة بفكرة الخيال العلمي عالية جدا، غالبا ما تعجز عنها شركات الإنتاج المتخصصة”.