"أخت روحي" قصص مصرية عن الحالمين والمقهورين

يتصدى فن القصة القصيرة للكثير من القضايا الإنسانية، ويواصل هذه الوظيفة منذ القاص الروسي غوغل إلى كتاب القصة اليوم، حيث يضع القصاصون الإنسان ونقد المجتمع والانتصار للهامشي وللتفاصيل المهملة رهانا لهم، تتجدد تقنياته وأشكال طرحه، فيما يبقى محافظا على جوهره، لذا يبقى هذا الضرب من الأدب مهمّا وضروريا مهما تراجع نشره وكتابته والإقبال عليه بحكم ظروف خارجة عنه.
القاهرة - في مجموعته القصصية الجديدة “أخت روحي” يمزج الكاتب والباحث المصري عمار علي حسن بين الواقع البائس والخيال الجامح، فينسج عالما يتحرك فيه مقهورون وخائفون وأيضا حالمون ومغامرون في بحر الحياة.
والمجموعة الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية في 143 صفحة هي السابعة في رصيد حسن، وتضم 14 قصة بينها ما نشر في الصحف سابقا والبعض الآخر جديد ينشره الكاتب للمرة الأولى. وللمؤلف أيضا عشر روايات وعدة أعمال بحثية في حقول الأدب.
تدور أحداث قصص المجموعة الجديدة بين الريف والمدينة متراوحة بين قصص مكثفة تتهادى في مشهد أو موقف وأخرى مطولة تضغط في سطورها ما يمكن إن طال أن يشكل رواية كاملة.
وتأتي قصة “أخت روحي” بمثابة أيقونة العمل الجديد لتستحق عن جدارة أن تكون عنوان المجموعة القصصية، إذ تحمل شحنة عاطفية غير مألوفة في السرد العربي عن علاقة الأخ والأخت. تبدأ القصة في شقة وداد التي عثر الجيران على جثتها متعفنة بعد أيام من وفاتها وحيدة، وحين يصل الأخ تتداعى الذكريات بدءا من أيام طفولتهما في بيت الأب ووفاة أمهما، ثم قدوم زوجة الأب.
يتذكر الأخ كل ما عانته وداد من عذاب على يد زوجة الأب، والذي اكتمل بتزويج الفتاة الصغيرة من رجل أذاقها الشقاء والألم فما كان منها إلا أن انتفضت وتمردت بعد أن نضجت بين ليلة وضحاها فحصلت على الطلاق وآثرت العيش وحيدة حتى آخر العمر.
ورغم تسليط الضوء على ما تعانيه المرأة من بؤس وقهر في المجتمع، يكشف المؤلف عن جانب آخر من القهر الاجتماعي تمارسه الجماعة على الفرد، إذ يعلم الأب كل ما يجري لابنته لكنه يعجز عن التدخل أو تطليق الزوجة خوفا من مجتمع لا يعرف سوى الفحولة مقياسا للرجولة.
قصة أخرى جديرة بالالتفات في المجموعة القصصية جاءت بعنوان “موظف عام” تتحدث عن القهر والصبر وتجسد المعنى الحرفي لمقولة “الموت كمدا”.
تدور القصة حول موظف شريف يحلم بواقع أفضل ويحاول التصدي للفساد والإهمال في الوظيفة التي يعمل بها، لكنه لا يلقى سوى التنكيل والعقاب من مديريه فيصاب تدريجيا بالسكري ثم الضغط ثم الفشل الكلوي، ورغم انهياره الجسدي ومعاناته المريرة مع الأمراض الطارئة عليه جراء بيئة العمل الموبوءة يأبى أن يعتذر أو يتزلف لأحد من أجل أن يستعيد مكانته في العمل.
وفي لحظة يأس يعبر الموظف عما يجول بخاطره قائلا “كنت أقاوم حيرة شديدة تضعني على حافة الخبل حين أمعن التفكير في حالي، فأنا الذي أقاوم الفساد وسوء الإدارة أعيش في كمد، وتسكن الأمراض جسدي، بينما اللصوص المتعاقبون الذين حاصرونني يهزون الأرض من فرط العافية، وتجلجل ضحكاتهم في أركان المكاتب الفارهة”.
لكن المؤلف ينتصر لصاحب الضمير الحي في نهاية المطاف في مواجهة أعباء الحياة الشخصية وضغوط العمل، فهو وإن لم يستطع دحر الفساد واجتثاثه قد نجح في الحفاظ على مبادئه ولم يتزحزح عنها حتى إحالته للتقاعد.
هكذا تحاول قصص المجموعة الانتصار للمظلومين، ولمقاومة مظاهر اجتماعية سلبية كثيرة ليس أولها الفساد ولا التسلط وليست آخرها الذكورية أو المعاناة التي تطال كل من يحاول أن يقاوم، وكل من يملك حسا إنسانيا مرهفا.