أخبار وكالات الأنباء العربية رسمية أو مملة.. من سيتابعها

يفرض العصر الرقمي على القائمين على وكالات الأنباء العربية أن يعيدوا التفكير في ما تقدمه من محتوى، فالترويج لأنشطة الحكومة وفعالياتها وتحركات رؤساء الدول، لا يغري الجمهور بمتابعتها ويجعلها خارج نطاق التأثير على الرأي العام في الأزمات.
عمان - قال وزير الإعلام الأردني صخر دودين إن وكالة الأنباء الأردنية “بترا” التي يمتد عمرها لأكثر من نصف قرن تعد مصدرا موثوقا للمعلومة الصادقة، لافتا إلى خصوصية الوكالة في نقل الرسائل والأخبار المتعلقة بالدولة إلى العالم، في نظرة متفائلة لا تعكس الصورة الحقيقية لوكالات الأنباء العربية بما فيها “بترا”.
وأشار دودين، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خلال زيارته إلى الوكالة إلى أن الحكومة تحرص على بث أخبارها ونشاطاتها من خلال الوكالة الرسمية، لكن هذه النقطة بالذات هي محل جدل وانتقاد في الأوساط الإعلامية، إذ يؤخذ على وكالات الأنباء العربية اقتصارها على أخبار نشاط الأنظمة والحكومات والبيانات الرسمية بطريقة شديدة الرسمية، تغلب فيها الإشادة بالإنجازات الحكومية على الأخبار الموضوعية التي تهم الرأي العام.
ويقول متابعون إن دور هذه الوكالات محصور برؤية ضيقة، تعتمد على الترويج ونقل صورة إيجابية عن الجوانب الرسمية، بينما تبدو شبه غائبة في الأحداث المهمة التي تحتاج الخروج عن الدور الرسمي والبيانات الحكومية إلى الانتقاد والمحاسبة على التقصير.
وتعتمد وسائل الإعلام المحلية على وكالات الأنباء الحكومية في نقل وجهة النظر الرسمية، خصوصا في الأوقات الحرجة والأزمات.
وفي حين يفترض أن تكون الوكالات الرسمية مرجعا لوسائل الإعلام الدولية والوكالات الأجنبية التي تبحث عن إجابات أو توضيحات للأحداث المهمة، فإنها لا تقدم أكثر من تصريحات المسؤولين وبيانات مقتضبة لا تتضمن حقائق وردودا لما يبحث عنه الرأي العام.
التمويل الحكومي لوكالات الأنباء يدفع القائمين عليها إلى التهاون في تطوير العمل في اتجاه المزيد من المصداقية والموضوعية
وأكد دودين خلال اللقاء الذي حضره عدد من صحافيي وإداريي الوكالة، أن الحكومة تعكف على إعداد صندوق المحتوى الإعلامي خلال الفترة المقبلة، الذي سيُنشأ بالشراكة ما بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، والذي يهدف إلى إيجاد موارد مالية مستدامة تدعم الارتقاء بنوعية المحتوى الإعلامي لوسائل الإعلام، ولاسيما الصحف الورقية عبر التدريب والتطوير.
وجرى الحديث عن دعم وكالة الأنباء ببعض الأجهزة والمعدات الحديثة، والسماح بتعيين موظفين جدد للوكالة على جدول التشكيلات للعام الماضي، وذلك لسد العجز الحاصل نتيجة تقاعد بعض الموظفين خلال الفترة الماضية.
ورغم هذه الوعود، إلا أن تطوير عمل الوكالة يتطلب جهودا أكبر بكثير، لتحسين أدائها في سوق المنافسة الإعلامية العالمية الذي أصبح قويا جدا، وجعلها تتساوى مع المعايير الدولية في عمل وكالات الأنباء.
ويؤكد خبراء إعلام أن آلية العمل في غالبية وكالات الأنباء العربية متشابهة، وتحتاج إلى إحداث النقلات على مستوى المضمون والشكل والتقنية، وتغيير أساليب العمل وتحديث أدوات ووسائل العمل حتى تنسجم مع سوق الإعلام، الذي أصبح واسعا جدا وضاغطا ومؤثرا بشكل كبير على الرأي العام العربي.
وما زالت وكالات الأنباء العربية تحتكم إلى مجموعة من القوانين الحاكمة والضاغطة للحريات في المنطقة العربية، ومن الصعب القول إنها حرة، أو مهنية وموضوعية، لأن محتواها ضئيل أساسا وممل ولا يقدم الكثير من المعلومات حتى يمكن تقييمه، وحتى إن بعضها تفتقد إلى دعم مواضيعها بصور مناسبة، فتكتفي بسرد الخبر أو التصريح دون إرفاقه بصورة جيدة تقنيا.
وتزداد الهوة اتساعا بين الوكالات العربية والأجنبية عند الحديث عن تنويع المنتج الإخباري والمعلوماتي، مع تحول الوكالات الكبرى إلى الملتيميديا والإنتاج الإذاعي والتلفزيوني والاعتماد على مسألة الصور والتسويق، وتقديم الخدمات المتنوعة الاقتصادية والرياضية والسياحية وغيرها من الخدمات الإخبارية.
ويرى البعض أن التبعية الحكومية لوكالات الأنباء، تدفع القائمين عليها إلى التهاون في مسألة تطوير الخطاب الإعلامي في اتجاه المزيد من المصداقية والموضوعية، باعتبار أن التمويل ضامن لاستمراريتها دون بذل جهود لتنويع الخدمات الإخبارية، والأخذ بعين الاعتبار عامل المنافسة مع وسائل الإعلام المستحدثة وظهور تقاليد جديدة في مجال الإخبار السريع وتلقي المعلومة.
وتتحدث بعض وكالات الأنباء العربية عن خطط عمل لمواكبة التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، من خلال إدخال الهواتف الذكية الحديثة مجال العمل، واستخدامها لنشر الأخبار، وكسر حاجز الأخبار الرسمية، وتطوير أدائها وبرامجها وتقنياتها، حتى تصل المعلومة إلى المواطن بالسرعة المطلوبة، لكن المشكلة الأساسية التي لم تنجح في تجاوزها أو وضع الخطط لحلها، هي توسيع مجال اهتماماتها وأخبارها لتشمل تقديم محتوى يهم المواطن، ويقنعه بالطرح الموضوعي والتغطية المكثفة للقضايا العاجلة من مكان الحدث وليس من المكاتب الرسمية فقط.
واليوم يفرض العصر الرقمي على القائمين على وكالات الأنباء العربية أن يعيدوا ترتيب خارطتها الإعلامية، بالنظر إلى حقيقة أنها تتراجع أمام جمهورها ولا تقدم شيئا لجمهور الدول الأخرى، فوكالات الأنباء العربية لا تريد تغيير النهج القائم على نشر أخبار رؤساء البلدان وتحركاتهم، وتتغافل عن نشر تقارير وتحليلات تمس الواقع اليومي للناس.
ويرفض مديرو هذه الوكالات الاعتراف بأن المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي قد سلبت منها المبادرة، والجمهور يلجأ إلى هذه المواقع ولا يثق بأخبار وكالة أنباء بلاده، لذلك فالسؤال الأهم الذي يجب أن يطرحوه هو كيف تستقطب هذه الوكالات الجمهور وتكون موضع ثقته؟ بدلا من ترديد الشعارات والتغني بمقولة “أهمية وكالات الأنباء الرصينة التي أثبتت طوال عقود أنها مصدر مهم لنشر الحقائق دون تزوير أو زيادة أو نقصان، بما يجعل مستقبلها مضمونا كونها المصدر الموثوق للمعلومات”.