أحمد عبدالنعيم لـ"العرب": الكاريكاتير يساعدنا على تقبل مصاعب الحياة

الكاريكاتير ليس في أزمة ورساموه ما عادوا يكتفون بمساحة الجريدة الورقية.
الخميس 2024/02/22
الميديا ساعدت في التعريف بفناني الكاريكاتير

يبقى فن الكاريكاتير من أكثر الفنون قدرة على التأثير، وقد تداخل تاريخه مع تاريخ الصحافة المكتوبة والقصص المصورة أساسا، لذا فعلاقته بالأدب ليست عابرة أو ثانوية بل هما متكاملان، كما نرى في تجربة رسام الكاريكاتير والكاتب المصري أحمد عبدالنعيم، الذي كان لـ"العرب" معه هذا الحوار الذي من خلاله نضيء مختلف جوانب تجربته ومسارها وتطورات رؤاها وأفكارها.

تشكل تجربة فنان الكاريكاتير أحمد عبدالنعيم واحدة من التجارب المتميزة في الصحافة المصرية، حيث تشتبك أعماله مع واقع الحياة المصرية على اختلاف تجلياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، هذه فضلا عما يحيط بهذه الحياة من قضايا وأحداث عربية وإقليمية ودولية. وقدم عدة كتب تتناول تاريخ الكاريكاتير المصري ودوره في تشكيل الوعي المجتمعي، ومنها كتب “حكايات في الفكاهة والكاريكاتير”، و”حكايات من دفترة أحوال مصر”، و”كاريكاتير الغلابة”، كما أن له العديد من قصص الأطفال ورسم قصصا أخرى لكبار كتاب الطفل، ما يجعله ملما بهذا الفن.

يقول عبدالنعيم “البداية كانت من حي شبرا العريق حيث الحياة المصرية الخالصة التي تحتضن الفئات الشعبية والأرستقراطية والطبقة الوسطى، لتخلق حالة إنسانية شديدة الخصوصية فيها الونس والقفشات والضحكات الصافية. في هذه الأجواء ولدت عاشقا للشخبطات على كل شيء دون تحديد واضح للخطوط، كانت لدي رغبة في تسجيل الأحداث على حيطان الزمن. مرة في الصف الأول الابتدائي أخذنا إجازة طويلة بسبب حرب أكتوبر، وعند العودة إلى الفصل وضعت مدرسة الرسم لوحة لجندي مصري على الجبهة ممسكا بالعلم، هذه اللوحة ارتبطت بها جدا حتى أنها كانت كفيلة بأن تصنع لدي رغبة قوية في إعادة رسمها في البيت، واخترت دولاب الخشب لأعيدها بخطوطي البسيطة، ولكنها أثارت إعجاب أفراد الأسرة، ومن ثم تشجيعها لي على المضي في الرسم”.

♦ الكثير من الناشرين يعتبرون نشر كتاب كاريكاتير مغامرة لذا تجد المكتبة العربية تعاني من ندرة كتب هذا الفن
♦ الكثير من الناشرين يعتبرون نشر كتاب كاريكاتير مغامرة لذا تجد المكتبة العربية تعاني من ندرة كتب هذا الفن

ويضيف “بوصلتي دوما كانت تتجه ناحية الفن عموما دون تحديد الكاريكاتير كوسيلة للتعبير ولكن في هذه الفترة تعلقت برسوم الفنان الراحل مصطفى حسين، كنت أقرأ جريدة الأخبار من الصفحة الأخيرة، وأتعجب من قدرته على تجسيد الملامح والتعبيرات التي تكاد تنطق، شخصيات من لحم ودم وليست مجرد خطوط على ورق. لقد كنت أشعر بأنني أمام إعجاز بشري كلما حاولت التقليد.. مع الوقت بدأت تظهر عندي خطوط خاصة لا أدعي أنني أصبحت صاحب أسلوب ولكنها خطوط تخرج من رحم إبداع الفنان مصطفى حسين، جمعت رسومي واتجهت إلى باب مؤسسة أخبار اليوم لمقابلته، كنت أتصور أن المسألة سهلة ولكن يبدو أن صغر سني وتهوري المصحوب بحالة الغرور الشبابي كانا سببا في أن يطلب مني موظف الأمن أن أضع أعمالي داخل ظرف وأكتب عليه خاص بالأستاذ مصطفى حسين”.

فن الكاريكاتير

يتذكر عبدالنعيم أن أول عمل كاريكاتيري نشر له كان في ديسمبر 1983 في صفحة "حاول تبتسم" التي كان يشرف عليها مصطفى حسين وكانت تشكل مساحة للهواة الموهبين في فن الكاريكاتير، وكان واحدا منهم، بعدها أصبح واحدا من صناع هذه الصفحة.

ويقول “واصلت النشر في الصحف بأبواب الهواة حتى كان معرضي الأول في كلية التجارة جامعة عين شمس حيث كنت أدرس، وبعدها التقيت بالفنان الكبير زهدي العدوي وهو واحد من الرعيل الأول لفن الكاريكاتير وكانت رسومه تزين مداخل مؤسسة روز اليوسف، وهو صاحب الغلاف الأول لمجلة صباح الخير، وقد شكل ارتباطي به وجداني وشغفي بفن الكاريكاتير وتاريخه ودوره، ومن ثم دخلت إلى مدرسة الكاريكاتير مع الناظر المعلم الذي تعلمت منه الكثير وشجعني على الاستمرار رغم دراستي في كلية التجارة وهي بعيدة عن الفن، ولكنه دائما ما كان يدفعني إلى العمل والتعلم وعرض أعمالي على كبار أهل الكاريكاتير، وهي فترة تعلقي الفعلي بالفن الذي اخترته لأستكمل معه عمري”.

ويؤكد أن العقود الأخيرة من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين كانت خصبة جدا لفن الكاريكاتير حيث أتيحت له مساحات كبيرة في الصحف والمجلات، واحتضن كل ألوان الطيف السياسي، وكان قادرا على استعاب مختلف الميول الفكرية، لقد خصصت صحف المعارضة والصحف الخاصة والأخرى الحزبية صفحات له، كما صدرت مجلة أسبوعية متخصصة للكاريكاتير.

ويضيف “لقد شهدت هذه العقود وجود أرض خصبة وأنتجت رسوما فنية متميزة في رؤاها وأفكارها، هذا الحضور الكبير لهذا الفن العظيم مكنني من أن أرسم في مساحات استوعبت أفكاري وأحيانا شطحات الشباب. عندما تتصور أنك قادر على تغيير الواقع يأخذك الحماس لنشر رسوم تتجاوز أحيانا الخطوط الحمراء، كنت فرحا بقدرة الكبار على استعياب حماسي وتوجهي بشكل أبوي رائع.. تعلمت من زهدي أنه ‘إذا أردت أن تعارض اقتنع أولا ولا تنفذ فقط’، ومن الفنان مصطفى حسين قوله ‘ارسم وأنت قريب من الناس’ ومن جمعة أن ‘ثقافة الفنان ركن مهم جدا في إبداعه’ ومن تاج ‘الهدوء في تنفيذ الفكرة ولا تبخل بأي عنصر في اللوحة'”.

ويلفت عبدالنعيم إلى أن التعيين في أي مؤسسة صحفية لم يكن بالأمر السهل، الأمر الذي دفعه إلى العمل محاسبا بمؤهله الدراسي لبعض الوقت، حتى كان قرار التعيين في مؤسسة دار التعاون وبعدها مؤسسة أخبار اليوم. وقد حصل على أول جائزة من نقابة الصحافيين المصرية عام 2005 عن رسومه الكاريكاتيرية بجريدة السياسي، وكان فخورا بها جدا لأن لجنة التحكيم تشكلت من كبار فناني الكاريكاتير، وساعتها أدرك أنه على الطريق الصحيح، كما تقابل مع فنانين من جيل الأساتذة يشجعونه أكثر حتى صاحب الكثير منهم، وتغيرت النظرة من أستاذ إلى صديق وهي أكثر حميمية. يذكر أن الجائزة كانت حافزا على أن يشارك عدة مرات، وقد حصل في أعوام 2010 و2017 و2021 على “جائزة التفوق الصحفي”، بعدها حصل على جائزة مصطفى وعلي أمين وعدد من الجوائز وشهادات التقدير.

♦ تجربة أحمد عبدالنعيم واحدة تشكل واحدة من التجارب المتميزة حيث تشتبك أعماله مع واقع الحياة المصرية على اختلاف تجلياتها الاجتماعية

ويشدد عبدالنعيم على أن “المساحات التي كانت متاحة للكاريكاتير كانت كبيرة، وكان هناك أساتذة لم نتعلم منهم فقط، ولكن كنا نراقب مساحة الحرية عندهم ونسير على نفس الدرب، عندما كان ينتقد الفنان مصطفى حسين رئيس الحكومة مثلا في الصفحة الأولى كان ذلك يمثل تشجيعا منه لأجيال من الرسامين ومن بينها جيلي، على أن نرسم بنفس مساحة الحرية. ولا أخفيك سرا أنني كنت أنتظر رسومه أولا وبعدها أعرض رسومي وإذا اعترض رئيس التحرير كنت أستشهد برسوم مصطفى حسين، وعندها يبتسم ويأمر بالنشر. إن أساتذة الفن الكبار كانوا سندا لنا نتعلم منهم ونسند عليهم”.

ويرى أن “مساحات الكاريكاتير لم تختف، ولكن توقف بعض الصحف والاتجاه نحو المواقع الإلكترونية أديا إلى تقليل الرسوم الكاريكاتيرية، ولكن الميديا ساعدت على وجود أنماط أخرى للسخرية، تلاحظ الآن الكوميكس والتعليقات الساخرة على صفحات فيسبوك والمواقف الكوميدية على التطبيقات الإلكترونية، وكلها نوع من فنون الكاريكاتير وقد اختار البعض صفحته الشخصية لعرض رسومه الكاريكاتيرية إذا تعذر النشر، ربما يكون عدد المتابعين له يفوق توزيع الجريدة”.

ويلفت إلى أن استخدام تعبير أزمة في مساحة الكاريكاتير غير دقيق، متابعا “لقد ساعدت الميديا في التعريف بعدد كبير من فناني العالم والتواصل معهم والاشتراك في المسابقات العالمية بكل سهولة ونشر الأعمال في أكبر مواقع الكاريكاتير، وكلها في صالح الفن ولكن أمام تكاسل البعض ربما تشعر أن المشهد ينذر بأزمة”.

ويضيف “أعتقد أن فن الكاريكاتير متابع لقضايا المجتمع. نحن أمام فضاء إلكتروني حر وكبير، حتى إن البعض يتجاوز مساحة المسموح في مطبوعته على صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي خاصة فيسبوك، حيث لم يعد رسام الكاريكاتير يكتفي بمساحة الجريدة الورقية التي أحيانا تحكمها خطوط خاصة، ومن ثم بدأ ينطلق في فضائه الخاص على الشبكة. والأجمل أنه يتلقى ردود الأفعال فورا، في السابق عندما يصلنا خطاب من قارئ كنا نهلل من الفرحة ونعتبر ذلك انتصارا وجائزة خاصة، أما الآن فنتلقى ردودا سريعة ومباشرة وأحيانا تحمل التعليقات ما يفوق حجم السخرية في رسومنا، وذلك ما يجعل فنان الكاريكاتير أمام تحد كبير”.

الكتابة والرسوم للأطفال

عبدالنعيم على أن “المساحات التي كانت متاحة للكاريكاتير كانت كبيرة، وكان هناك أساتذة لم نتعلم منهم فقط، ولكن كنا نراقب مساحة الحرية عندهم ونسير على نفس الدرب
◙ أحمد عبدالنعيم: هناك أساتذة لم نتعلم منهم فقط، ولكن كنا نراقب مساحة الحرية عندهم ونسير على نفس الدرب

يوضح عبدالنعيم أنه يعتبر الكتابة في الفن جزءا هاما جدا للأجيال القادمة التي لم تعش الزمن الجميل، ويقول “كان كتابي ‘حكايات في الفكاهة والكاريكاتير’ عن تجارب وحكايات وشخصيات في عالم الكاريكاتير، وجزء منه عن مجلات الفكاهة والسخرية التي صدرت في مصر خلال القرن السابق، واستكملت المسيرة بكتاب عن مجلة الكشكول وهي المجلة التي صدرت عام 1921، واستمرت وكانت ضد حكومة الوفد وتناولت أبواب وتاريخ المجلة وصاحبها سليمان فوزي حتى ما كانت تنشره من الإعلانات”.

ويتابع “لقد حاولت أن أعيد قراءة فترة هامة من خلال المجلة التي كان لها تأثير واضح في الشارع المصري. أيضا كانت هناك محاولة وحيدة لجمع أعمالي الكاريكاتيرية في كتاب باسم ‘كاريكاتير الغلابة’ كتب مقدمته الفنان جمعة، ولكن الكثير من أصحاب دور النشر اعتبر نشر كتاب كاريكاتير مغامرة، لذا تجد أن المكتبة العربية تعاني من ندرة كتب هذا الفن المشاغب، الأمر الذي دفع البعض إلى الاتجاه لصيغة ‘بي.دي.أف’ والتوزيع مجانا وهي حيلة جميلة لتجميع الأعمال”.

ويقول “لم اختر رسوم الأطفال، ولكن الظروف اختارتني لهذه التجربة المهمة في حياتي، ذهبت لتقديم أعمال الكاريكاتير للنشر في مجلة للأطفال، ولكن مدير التحرير طلب مني رسم قصة مسلسلة، اعتذرت لعدم قدرتي على رسم هذا النوع من الرسوم ولكنه أصر، فقبلت التحدي وبدأت أطالع القصص المصورة وأثناء البحث وجدت أن معظم رسامي الكاريكاتير كانت لهم تجارب مهمة جدا في رسوم الأطفال والقصص المصورة، ونشرت أول أعمالي في مجلة علاءالدين التي تصدر عن مؤسسة الأهرام وكان يرسم لها كبار الرسامين”.

ويواصل عبدالنعيم “عشقت التجربة جدا حتى كانت تجربة رسم كتب الأطفال في عدد من دور النشر. لكل مرحلة في هذه التجربة أستاذ بالتأكيد، البداية كانت مع يعقوب الشاروني المعلم والصاحب والناصح لمجالي الجديد في صناعة كتاب للطفل، في مكتبته اطلعت على أهم صناع كتب الأطفال في العالم، من هنا كانت تجربتي الأولى في رسم قصصه وهنا همس في أذني فنان كبير ‘خلي بالك قصص الشاروني بتتشاف كويس’، يعني لا بد أن أكون دقيقا في الرسم واللون، كنت أمام اختبار جديد رغم ما حققته في عالم الكاريكاتير. لقد بدأت في السنة الأولى لي مع رسوم الأطفال، حاولت التأكيد على أسلوبي الجديد في كتب الأطفال بالرسوم البسيطة المبهجة، وتعلمت أن الرسوم ليست تعبيرا فقط عن النص، ولكنها نص آخر مواز للنص المكتوب”.

♦ الكتابة للطفل مرحلة جاءت متأخرة بعض الوقت، حاول خلالها استيعاب الأشكال المختلفة لكتاب الطفل مع الوضع في الاعتبار الطفرة الإلكترونية

ويرى عبدالنعيم أن الكتابة للطفل مرحلة جاءت متأخرة بعض الوقت، حاول خلالها استيعاب الأشكال المختلفة لكتاب الطفل مع الوضع في الاعتبار الطفرة الإلكترونية والتي أثرت على القراءة، “فالآن الأطفال يلجأون إلى المحمول والكمبيوتر، ومن ثم علينا أن نصنع لهم نصوصا مختلفة حتى لا نعاني من تراجع الكتاب الورقي، حاولت أن أصنع كتبا تفاعلية فيها النص والرسم والمشاركة واللعب والتلوين حتى حصلت على أفضل كتاب للطفل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب”.

ويكشف أنه لم يختر الكتابة عوضا عن الرسم، ويقول “أحيانا وأنا أرسم نصا أشعر أنه يحتاج إلى بعض التعديل وأحيانا يشكل عندي نصا موازيا، وقد يكون هو نفسه فكرة لكتاب جديد. من هنا بدأت الكتابة دون نشر أو حتى عرض الأعمال على أحد، وكلهم أصدقاء، ولكن كنت أخشى من المواجهة، واكتفيت بالاحتفاظ بما أكتب في درج خاص حتى احتاج ناشر إلى خمسة نصوص بشكل سريع جدا لاستكمال أعمال لتقديمها لإحدى المسابقات، فقدمت له النصوص وتركت له مساحة للتقييم دون أن أخبره أنها نصوصي، بعد يومين طلب مني الناشر تليفون صاحب النصوص للتعاقد معه، وأن أبدأ في الرسم إلى حين انتهاء التعاقد.. بدأت في رسم الكتب وعندما طلب الغلاف للمجموعة وجد أنها تحمل اسمي: قصة ورسم. اندهش جدا وعندما شارك في المسابقة بأكثر من أربعين عملا اختارت اللجنة خمسة كتب منها ثلاثة من أعمالي. لذا ربما كانت التجربة إشارة إلى أن أبدأ مرحلة الاحتراف ولكن مازلت أرسم باحترافية واكتب كهاو“.

ويختم عبدالنعيم "لا أعتبر أن هناك اختلافا كبيرا بين رسوم الأطفال وفن الكاريكاتير، فعندما نرسم للأطفال تكون الخطوط مرحة، شقية، بسيطة، والألوان صريحة ومبهجة، والكاريكاتير مهما كانت اللوحة كوميديا سوداء الخطوط يظل بسيطا مبهجا. إن الكاريكاتير فن مبهج اعتراضي نعم ولكنه يحمل السخرية التي تعيننا على تقبل مصاعب الحياة، ونحن كمصريين مجتمع ساخر بطبعه قادر على التحايل على الحياة بالضحكة والسخرية".

 

13