أحمد السجلماسي: هناك تكامل بين مشاهدة الأفلام والإطلاع على أدبيات السينما

لم يكتف الكاتب أحمد السجلماسي بالإطلاع على حركة السينما في المغرب ومتابعتها عن كثب، وإنما وظف معارفه ليؤرخ ويوثق سير أعلام الفن السابع في المملكة، بعد أن لاحظ غياب الاهتمام الرسمي بهذا الجانب، وكنتيجة لذلك أصدر سلسلة وجوه من المغرب التي استعرض الجزء الخامس منها في المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا.
سلا (المغرب) - استضاف المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا ضمن دورته السابعة عشرة المستمرة بالمغرب إلى غاية الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري، فعاليات تقديم ومناقشة ثلاثة مؤلفات لكل من أحمد السجلماسي ومحمد أمنصور، ومحمد أشويكة، ضمن ندوة مشتركة قدمها الكاتب والناقد الفني حسن نرايس.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” لقاء مع الكاتب أحمد السجلماسي حول الجزء الخامس من سلسلة “وجوه من المغرب السينمائي: أوائل حلف الكاميرا”، التي قدمها في المهرجان.
حول دوافعه للبدء في كتابة مواد هذه السلسلة المعنونة بـ”وجوه من المغرب السينمائي”، يقول الناقد والكاتب المغربي لـ”العرب”، “انطلقت هذه السلسلة سنة 2018 بإصدار الجزء الأول الذي تم فيه التعريف بستة وجوه، هي المخرج محمد ركاب والناقد مصطفى المسناوي والممثلون حميدو ومحمد مجد ومحمد الحبشي ومحمد بصطاوي، تلاه جزء ثان سنة 2019 عرفت من خلاله بعشرة أسماء هي المخرج محمد عبازي والناقد محمد الدهان والمخرج قويدر بناني وهو أحد مدراء المركز السينمائي المغربي السابقين، والممثلات خديجة جمال ونعيمة المشرقي وأمينة رشيد وفاطمة الركراكي والممثلون حسن الصقلي وعبدالجبار الوزير ومحمد الخلفي. وفي سنة 2020 أصدرت الجزء الثالث الذي تمحور حول عشرة أسماء أخرى”.
ويكشف الكاتب أن غايته “كانت منذ البداية هي المساهمة في سد جزء من الفراغ الهائل على مستوى تراجم وسير أعلام السينما بالمغرب بمختلف تخصصاتهم، لاسيما أن الجهة المشرفة على قطاع السينما ببلادنا لا تولي اهتماما كبيرا لمسألة توثيق تجارب السينمائيين المغاربة كتابة أو بالصورة والصوت. ومما يزيد الطين بلة عدم إقدام السينمائيين أنفسهم على كتابة سيرهم الفنية والذاتية ونشرها وبحكم اهتمامي بتاريخ السينما بالمغرب منذ عقود، ومراكمتي لمعطيات كثيرة حول الأفلام وصانعيها، رأيت أن أتقاسم هذه المعطيات بعد تدقيقها وتنقيحها مع المهتمين ومختلف الفاعلين في حقول السينما المختلفة”.
ويوضح “لقد كان لي ميل منذ مرحلة الطفولة إلى مسألة التوثيق السينمائي حيث كنت أجمع صور الممثلين والممثلات وملصقات الأفلام، وكنت أحفظ عن ظهر قلب أسماء ممثلي وممثلات الأفلام الأميركية والأوروبية والمصرية والهندية التي كنت أشاهدها بكثرة في مختلف القاعات السينمائية الشعبية بفاس والدار البيضاء، وبعد ارتباطي بحركة الأندية السينمائية منذ أواخر الستينات أصبحت أهتم أيضا بالمخرجين وأساليبهم المتنوعة في الكتابة السينمائية، وانفتحت على كتب تاريخ السينما وغيرها”.
خصص الكاتب ضمن سلسلته ملفا لكل وجه من وجوه السينما، يقول إنه ضمنه بعضا من صوره وحواراته وما كتب عنه في المنابر الصحافية الورقية، وعندما حصل لديه تراكم من المعطيات شرع في تحرير مواد كتيبات صدر أولها سنة 1999 بعنوان “المغرب السينمائي: معطيات وتساؤلات”، ثم انتظر قرابة عشرين سنة ليصدر أول جزء من سلسلة “وجوه من المغرب السينمائي”، ثم أصدر الجزأين الرابع والخامس من السلسلة في صيف 2023.
ويقول “هناك أجزاء أخرى تنتظر دورها في الطبع، كما نشرت نصوصا أخرى ضمن مؤلفات جماعية حول تجارب بعض المخرجين السينمائيين المغاربة كداوود أولاد السيد ومحمد عبدالرحمن التازي وأحمد المعنوني ومومن السميحي والجيلالي فرحاتي ومصطفى الدرقاوي ولطيف لحلو وسعد الشرايبي وغيرهم”.
السلسلة مساهمة في سد جزء من الفراغ الهائل على مستوى تراجم وسير أعلام السينما بالمغرب بمختلف تخصصاتهم
وفي حديثه عن خلفيته في مجال السينما يوضح أحمد السجلماسي قائلا “مدرستي الأولى هي مشاهدة الأفلام المختلفة بكثرة منذ مرحلة المدرسة الابتدائية، وقراءة المجلات السينمائية بنهم وتتبع البرامج الفنية والثقافية عموما بالإذاعة والتلفزيون وحضور مختلف المهرجانات السينمائية، خصوصا المهرجان الوطني للفيلم منذ دورته الثالثة سنة 1991 بمكناس، والارتباط بحركة الأندية السينمائية منذ موسم 1969 – 1970 والمساهمة في تأسيس نادي الركاب للسينما والثقافة بفاس ومجموعة من المهرجانات السينمائية هنا وهناك”.
ويعتقد الناقد المغربي أن “عشق السينما وتتبع أخبارها والاستهلاك اليومي الواعي للأفلام وما يكتب عنها والاحتكاك عن قرب ببعض السينمائيين وغيرهم هو الذي جعلني ألم بما يجري في حقلنا السينمائي، وأتعرف إلى جل العاملين فيه”.
واجه الكاتب الكثير من التحديات خلال تأليفه أجزاء السلسلة، يقول إن “أولها كان شح المعطيات في ما يتعلق ببعض الأسماء التي لفها النسيان، وثاني تحد هو عدم تعاون بعض الرواد السينمائيين عند الاتصال بهم من أجل تدقيق بعض المعطيات التي تخصهم أو تخص بعض أعمالهم، وثالث تحد هو غياب جهات مدعمة للطبع باستثناء بعض المهرجانات أو الشخصيات السينمائية المثقفة والمتعاونة”.
ويوضج السجلماسي أنه “لم تكن هناك معايير محددة سلفا لاختيار الوجوه التي تناولها كل جزء من أجزاء السلسلة، بل كان لكل جزء سياقه الخاص، فبالنسبة إلى الجزء الأول اخترنا الوجوه التي عرضنا أفلامها أو كرمناها أو أطلقنا اسمها على دورة من دورات مهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية الجهة الناشرة للسلسلة، وبالنسبة إلى الجزء الخامس الصادر مؤخرا ركزت على السينمائيين المغاربة الأوائل الذين وقفوا خلف آلة التصوير، وأخرجوا أفلاما لأول مرة قبل العام 1960 وهم تباعا: السلطان مولاي عبدالعزيز (1878 – 1943)، محمد عصفور (1927 – 2005)، عبدالكبير الفاسي (1920 – 1997)، أحمد المسناوي (1926 – 1996)، فاطمة نوري (1929)، إبراهيم السايح (1925 – 2011)، العربي بن شقرون (1930 – 1984)، العربي بناني (1930 – 2022)، محمد عفيفي (1933 – 2014)، أحمد بلهاشمي (1927-؟)، عبدالعزيز الرمضاني (1969)، الطيب الصديقي (1938 – 2016)”.
وبوجه عام، يقول الكاتب إنه “تحكم في اختيار وجوه كل جزء من السلسلة والأوراق المحيلة والجاهزة للنشر، التي سبق لي نشر بعضها بمناسبة تكريم أو وفاة أو غير ذلك، كما عززنا ما هو مكتوب بالعديد من الصور والملصقات، فأنا شخصيا لا أستسيغ إصدار كتاب سينمائي بدون صور كما يفعل الكثيرون. فلكل شخصية مزاجها الخاص وطريقتها في التواصل. استرحت كثيرا في تواصلي مع مخرج الفيلم/التحفة ‘وشمة’ (1970) الرائد حميد بناني، لأنه كان يجيبني عن تساؤلاتي بسرعة فائقة، ويمدني بصور من مختلف مراحل عمره وبملصقات أفلامه وبعض الصور منها، في حين أزعجني عدم تجاوب أحد صناع السينما القدماء الذي لفه النسيان، ولم أفلح رغم اتصالي به مرارا في الحصول منه ولو على صورة واحدة حديثة أو قديمة له، مع كامل الأسف هناك سينمائيون لا يعيرون أي اهتمام لمسألة التوثيق لتجاربهم الفنية”.
وبالإضافة إلى استمراره في إعداد ونشر أجزاء أخرى من سلسلة “وجوه من المغرب السينمائي”، بمعدل جزء على الأقل كل سنة، يؤكد أحمد السجلماسي لـ”العرب” أنه يشتغل حاليا على “توثيق تجربة حركة الأندية السينمائية في المغرب (جواسم نموذجا) بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، كما أشتغل على كتاب خاص بالمهرجانات والإصدارات السينمائية بالمغرب، بالإضافة إلى كتاب حول الفيلموغرافيا السينمائية المغربية أنا على وشك الانتهاء من تحريره”.
اقرأ أيضا:
• المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا يبحث رهانات التربية على الصورة