"أحكيلي".. مركز تونسي للخدمات النفسية عن بعد زمن كورونا

تونس – لم تكن لمياء شوك تدرك كيف سينتهي بها الحال حين تنتابها نوبات صرع وهي وحيدة. لكن حتى تتفادى الأسوأ في صراعها مع المرض، بدأت في التفكير في إطلاق مشروع يمكنه أن يمدّ يد المساعدة لمن هم في وضع مماثل لحالتها.
وحتى يتسنى لها التفرغ للبدء في خططها، اضطرت لمياء إلى التخلي عن مهنتها في قطاع البنوك وبدأت بوضع الأسس الأولى لشركة ناشئة تتمثل في مركز نداء يمكنه أن يقدم استشارات طبية نفسية عن بعد.
والهدف من هذه الفكرة كما تقول لمياء لوكالة الأنباء الألمانية هو توفير الإحاطة النفسية والمتابعة عن بعد لمن يحتاجونها دون الحاجة إلى حجز موعد مسبق مع طبيب أو تكبد عناء التنقل.
وفي تفسير الفريق المساعد لشوك، فإن المشروع سيساعد على سد الفجوة في الخدمات في هذا المجال المتخصص بسبب النقص الكبير في أطباء العلاج النفسي والسريري. والذين يقدر تعدادهم بنحو طبيب لكل 350 ألف ساكن.
وتحدثت لمياء عن أولى مراحل بدء المشروع قائلة “بدأت الفكرة من تجربة خاصة عايشتها. كنت أعاني من مرض خطير ومزمن سبب لي نوبات خوف متواترة”. وتضيف “كان السؤال الذي يتبادر إلى ذهني بشكل دائم هو لماذا لا يكون هناك شخص يمكن التعويل عليه في تلك اللحظات الصعبة”.
ونجحت لمياء في تأسيس مركز “أحكيلي”، وهو أول مشروع من نوعه في تونس وشمال أفريقيا يقدم استشارات طبية نفسية عن بعد. لكن من سوء حظها تزامنت انطلاقة المشروع في فبراير 2020 مع بداية تفشي وباء كورونا في البلاد وتدابير الإغلاق العام.
ووجه الحجر الصحي المباغت ضربة أولى للشركة الناشئة. لكن سرعان ما تحول إلى نقطة قوة. وعلى عكس مما كان متوقعا، منح تواضع البنية التحتية للقطاع الصحي وحالة الهلع الاجتماعي في بداية تفشي الوباء دفعة لنشاط المركز الوليد، كما يقول العاملون داخله.
مع نجاح الشركة في تحقيق طفرة في معاملاتها واستقطاب رجال الأعمال والمستثمرين في توفير الدعم للخدمة الجديدة، يفكر الفريق داخل المركز في الخطوة التالية بعد كوفيد – 19
كما ساعدت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وتدابير الإغلاق في تشجيع الإقبال على الخدمات الطبية الجديدة عن بعد. وثمة عنصر مهمّ أحدث فارقا مع الخدمة الطبية عن بعد وهو الحفاظ على الخصوصية وسرية المعطيات الشخصية لأصحاب المكالمات. ويسمح المركز لكل شخص بأن يحتفظ بهويته وألا يكشف عنها.
وتقول سيرين بالحاج، الطيب المتخصصة في علم النفس السريري في مركز “أحكيلي”، “تخوفنا في البداية من ردة فعل الناس لأن الاستشارة الطبية عبر الهاتف أمر جديد بالنسبة إليهم. لكننا تفاجأنا منذ اليوم الأول حيث تلقينا وابلا من المكالمات في خلال الست ساعات الأولى من العمل”.
وتتابع سيرين “بدأت جائحة كوفيد – 19 وعرفنا طفرة في المكالمات فبدأنا باستخدام خط مجاني لتلقي المكالمات. كنا نريد المساعدة وفعل شيء لمن يحتاجوننا. عملنا ليلا ونهارا كمتطوعين واضطررنا إلى المبيت في المركز بسبب حظر التجول”.
ويعمل المركز طوال أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة ويقوم العاملون داخله بالمناوبة في الرد على استفسارات المواطنين وطالبي الخدمات. وبحسب المشرفين على المركز فقد استقطب 2500 مكالمة في خلال أول أسبوعين من نشاطه.
وتوضح سيرين أن المركز اضطر إلى التعاطي مع موجة من الحالات الاجتماعية والنفسية الجديدة بسبب تفشي الوباء. وتضيف “تصلنا مكالمات تعبر عن قلق نفسي روتيني مثل خصومات بين أزواج أو مع الأطفال. لكن أكثر المكالمات تتعلق بالاكتئاب والسبب هو البقاء في المنازل أو خسارة الوظائف وزيادة العنف المنزلي”.
وتخصم تكلفة الاستشارات مباشرة من تعريفة المكالمات، وتقدر كلفتها، كما تقول مديرة المركز، بأقل مرتين ونصف من الاستشارات في العيادات المباشرة.
ولكن مع تزايد الأضرار النفسية بسبب جائحة كورونا فتح المركز خطا مجانيا لاستقبال المكالمات تطبيقا لمبدأ التضامن واستفاد من دعم الشركات التي بدأت بدعم المبادرات الرمزية.
المشروع سيساعد على سد الفجوة في الخدمات في هذا المجال المتخصص بسبب النقص الكبير في أطباء العلاج النفسي والسريري
وتقول مديرة المركز “ليس من السهل على الشخص أن يتماسك بمفرده في نوبات الخوف والرعب. من المهم التحدث مع شخص موضوعي ومحترف يمكنه مساعدتك فعليا من دون أن تضطر إلى التنقل من مكانك”.
ومع نجاح الشركة في تحقيق طفرة في معاملاتها واستقطاب رجال الأعمال والمستثمرين في توفير الدعم للخدمة الجديدة، يفكر الفريق داخل المركز في الخطوة التالية بعد كوفيد – 19.
وثمة ما يدعو بالفعل إلى التفكير في مستقبل الشركة. فبحسب دراسة أعدتها منظمة الصحة العالمية تبلغ نسبة الاكتئاب في تونس 40 في المئة، بينما يعاني أكثر من نصف مليون من اضطرابات نفسية.
وتحتل تونس المرتبة الثالثة أفريقيا من حيث عدد المصابين بالاكتئاب، وتبلغ نسبة الإقبال على الحبوب المهدئة في تونس 15 في المئة.
ويقول المتخصص في علم النفس خليل ملاوحية “اليوم العلاج النفسي عن بعد لم يعد مرتبطا بالضرورة بكوفيد – 19. هناك من يخشى التنقل بسبب الأمراض وهناك من يجد أريحية أكبر في الحديث من منزله وهناك من يفضّل عدم التعريف بهويته”.
ويتابع ملاوحية “هناك أيضا من لا يقدرون على التنقل من منازلهم. بالتالي فإن العلاج النفسي عن بعد يمثل حلا لتجاوز كل هذه المعضلات”.
ونجح مشروع لمياء في الحصول على الجائزة الدولية الأولى لمسابقة شركة الاتصالات “أورونج” للمشاريع الاجتماعية وريادة الأعمال في أفريقيا والشرق الأوسط لعام 2020 من بين 1300 شركة ناشئة.
ويستعد المركز لإطلاق تطبيقة إلكترونية على الهاتف المحمول موجهة إلى شرائح اجتماعية متعددة داخل تونس وخارجها. وتقول لمياء بفخر “بدأت الشركات تتعرف على مشروعنا وأصبحوا يهتمون بالصحة النفسية لموظفيهم. بدأنا نتلقى طلبات لتخصيص خط لهذه الشركات”.