أحداث الساحل تعجل باتفاق دمشق والأكراد

ترجيحات باندماج قسد ككتلة في الجيش السوري.
الأربعاء 2025/03/12
الشيطان يكمن في التفاصيل

فاجأ الاتفاق الذي وقّع عليه الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الأوساط السياسية والشعبية في سوريا، وسط اعتقاد بأن الأحداث الدامية التي شهدها الساحل عجلت في الاتفاق، لكن المضي فيه يبقى رهين التوصل إلى تسويات بشأن الملفات العالقة.

سادت حالة من الارتياح قطاعات واسعة من السوريين إثر الإعلان عن توقيع اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، قد ينهي عقودا من إقصاء الأكراد عن الحياة السياسية، ويخفف من وطأة شبح تقسيم البلاد الذي لاح في الأفق.

يشير توقيت الإعلان عن الاتفاق الذي بدا مفاجئا برغم امتداد المفاوضات لفترة طويلة، إلى دور أحداث الساحل في التعجيل بإتمامه، ليس فقط بهدف احتواء ردود الفعل الخارجية والداخلية الغاضبة مما جرى، إنما بحثا عن دور حقيقي لـ”قسد” ميدانيا على الأرض لإخماد الفتنة، باعتبارها قوات منظمة منضبطة عسكريا، وقادرة على القيام بدورها دون تجاوزات.

وأكدت مصادر كردية لـ”العرب” أن الاتفاق تم توقيعه بعلم ومتابعة قوى إقليمية ودولية، وأن هناك بنودا لا تزال محل نقاش، لذا تقرر التوقيع في اللحظة الراهنة على المتفق عليه وتأجيل المختلف عليه لمرحلة مقبلة، ولم تستبعد المصادر أن تشهد الحكومة السورية مشاركة كردية فيها.

صالح مسلم: لا علاقة بين الاتفاق والقرار الأخير للزعيم عبدالله أوجلان

ومثّل الدفع بالفصائل الموالية لهيئة تحرير الشام إلى منطقة الساحل السوري خطوة كارثية عادت بأسوأ النتائج على سلطة الشرع وصورته التي سعى إلى تصديرها لمدة ثلاثة أشهر، بعد أن ارتكب أفراد تلك الفصائل مذابح طائفية ضد العلويين، قبل أن تعمل قوات الأمن العام على ضبط الأمور.

وقال القيادي الكردي صالح مسلم، عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي، في تصريح لـ”العرب” إن الاتفاق “خطوة تهدف إلى وقف الأحداث المؤلمة في الساحل ووقف كل العمليات العسكرية في سوريا، ويمهد لمصالحة وطنية شاملة تضمن مشاركة الأكراد ومختلف المكونات السورية في العملية السياسية”.

ونفى مسلم وجود علاقة بين هذا الاتفاق وقرار الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الأخير بحل حزب العمال الكردستاني ودعوته إلى إلقاء السلاح.

وحول أسلوب اندماج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش اكتفى بقوله “إنه ستكون هناك لجان متخصصة لوضع التفاصيل.”

ولم توضح بنود الاتفاق التي تم الإعلان عنها كيف تمت معالجة العقدة الرئيسية في المفاوضات بين سلطة دمشق والأكراد طوال الفترة الماضية، المتمثلة في ما إذا كانت “قسد” ستنضم إلى الجيش السوري الجديد ككتلة واحدة وفقا لمطالبة الأكراد أم كأفراد فقط ضمن الكتائب المختلفة بحسب إصرار مسؤولي الحكومة السورية.

وقالت ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية (الجناح السياسي لقوات قسد) في القاهرة لـ”العرب” إن كل البنود التي شملها الاتفاق هي “ثوابت متفق عليها من جانب الجميع من حيث المبدأ، بما فيها مسألة اندماج المؤسسات العسكرية والمدنية، إلا أن آليات وكيفية الدمج تحتاج إلى تشكيل لجان لبحثها من خلال الحوار، فما جرى هو الخطوة الأولى لاستمرار التباحث مستقبلا، وبالتالي لا يمكن أن أقول في الوقت الحالي كيف سيتم الدمج فهو متروك للجان والحوار”.

لكن مصادر كردية رجحت لـ”العرب” أن يكون قد تم الاتفاق بالفعل على صيغة الدمج الذي سيتم على مراحل، من دون الإعلان عن هذه الصيغة، حرصا على عدم إزعاج بعض القوى الخارجية وتخفيف التصعيد.

ليلى موسى: آليات وكيفية الدمج تحتاج إلى لجان لبحثها من خلال الحوار

وأوضحت المصادر أن “الدمج سيتم بما يحافظ على المؤسسات المحلية لتكون تعبيرا مباشرا عن المجتمعات المحلية، وترتبط في الوقت نفسه بمؤسسات المركز وتحقق وحدة الدولة السورية.”

ويعني ذلك ترجيح احتمال انضمام “قسد” إلى الجيش السوري كفصيل واحد، بشكل تدريجي، ودون إعلان واضح عن ذلك، حرصا على عدم إثارة حفيظة تركيا بالتحديد.

وتشير بعض المعطيات إلى رغبة جادة وحقيقية عند مختلف الأطراف السورية في العمل على إنجاح الاتفاق، وعدم السماح للشيطان بالتسلل إلى التفاصيل التي لا تزال باقية تتطلب استكمال مناقشتها.

وقالت المصادر الكردية لـ”العرب” إن النقطة الأهم في الاتفاق أنه يمثل المرة الأولى منذ تأسيس سوريا التي يتم فيها الاعتراف الرسمي بالمكون الكردي كجزء أصيل ضمن الدولة السورية، ما ينهي عقودا من الإقصاء والتهميش والتعريب للمجتمع الكردي، “رغم أن الشكل النهائي للحقوق الكردية ما زال سيتم النقاش حوله من قِبل وفد كردي مشترك”.

وأوضحت مصادر كردية أخرى لـ”العرب” أن وقف إطلاق النار وفق ما هو مشار إليه في الاتفاق سيكون بداية عودة واستقرار المهجرين في شمال سوريا بعد اتخاذ حكومة دمشق إجراءات حمايتهم خلال فترة ليست طويلة.

ولفت بيان صدر عن مجلس سوريا الديمقراطية بعد منتصف ليل الاثنين الأنظار بتأكيده بعد مباركة الاتفاق كخطوة نحو الحل السياسي “أن نجاحه مرهون بمدى التزام جميع الأطراف بروح التغيير الحقيقي، والعمل على بناء دولة ديمقراطية حديثة تحترم إرادة شعبها، وتحقق طموحاته، وتكون جزءا من العالم الحر الذي يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان”.

ووصف المجلس في ختام بيانه سوريا بأنها “لكل السوريين، دولة ديمقراطية تعددية لا مركزية، تليق بتضحيات شعبها، وتأخذ مكانتها الحضارية والإنسانية بين الأمم”.

وذكر بدران جيا كرد، المسؤول في الإدارة الذاتية والذي حضر مناقشات الاتفاق، أنه تم تناول التطورات في الساحل السوري وضرورة وقف الجرائم المرتكبة هناك، وإنهاء جميع الهجمات والعمليات العسكرية داخل الأراضي السورية.

وتمت مناقشة القضية الكردية كقضية وطنية سورية، حيث تقرر أن يجري وفد كردي مشترك حوارا مع القيادة السورية الانتقالية لبحثها بعمق.

مصادر كردية: الاتفاق تم توقيعه بعلم ومتابعة قوى إقليمية ودولية، وأن هناك بنودا لا تزال محل نقاش

وشملت المباحثات القضايا الأساسية المتعلقة بالإدارة الذاتية ومؤسساتها، إلى جانب القوات العسكرية والأمنية، وكيفية دمجها كجزء من المؤسسات الوطنية السورية.

وتم الاتفاق على استمرار المفاوضات التفصيلية من خلال لجان مختصة، مع بحث آليات عمل المؤسسات السيادية بالتنسيق مع دمشق.

وأضاف بدران أنه تمت مناقشة أوضاع اللاجئين والنازحين السوريين، مع التركيز على عودة أهالي عفرين ورأس العين. وتم التأكيد على أن الإدارة الانتقالية في دمشق ستتخذ إجراءات محددة لضمان عودة آمنة، على أن يتم إبلاغ الجهات المعنية بالنتائج لاحقا.

2