أجندة مرتبكة وحضور منخفض المستوى يهدّدان مؤتمر بغداد الإقليمي بالفشل

حالة من الاستعجال وغموض الأجندة ميّزا التحضيرات لمؤتمر بغداد الإقليمي وأشّرا إلى كون عقد المؤتمر هدفا بحدّ ذاته لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ولرئيس الجمهورية برهم صالح المعنيين بوضوح بتسويق صورة مختلفة عن العراق المأزوم داخليا بغض النظر عن نتائج هذه المناسبة ومخرجاتها.
بغداد – تعكس الفترة القصيرة بين إعلان الحكومة العراقية عن استضافة العاصمة بغداد لمؤتمر إقليمي بمشاركة دولية وتحديد موعد للمؤتمر آخر الشهر الجاري وكذلك السرعة التي سارت بها التحضيرات له، حالة من الاستعجال لا تناسب مثل هذا النوع من المناسبات الكبيرة، الأمر الذي أوحى للمراقبين بأنّ استضافة العراق لمناسبة بهذا الحجم في هذه الفترة بالذات التي يقدم فيها البلد على انتخابات برلمانية مفصلية ويعاني خلالها أزمات سياسية وأمنية واقتصادية مركّبة، هدف بحد ذاته بغض النظر عما يمكن أن ينتج عنها.
وإلى جانب توقّعات بانخفاض مستوى تمثيل الدول المدعوّة للمؤتمر، ما تزال أجندته غامضة وتحوم التسريبات الإعلامية بشأنها حول كمّ كبير من الموضوعات الخلافية والشائكة والتي لا تكفي عدّة قمم ومؤتمرات لحلّها من قبيل تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران والحرب الدائرة في اليمن وانهيار لبنان وأزمة المياه على مستوى المنطقة.
وبدأت أول مؤشّرات عدم بلوغ قمّة بغداد المستوى الذي تأمله القيادة السياسية العراقية، وتحديدا رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، في تأخر غالبية قادة الدول المدعوة في إعلان قرارها بشأن الحضور، وذلك على الرغم من أن الدعوات الرسمية وجّهت إليها على مستوى دبلوماسي عال من قبل نائب رئيس الوزراء العراقي ووزير الخارجية.
ولم تشر السعودية عند استقبال وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان لنظيره العراقي فؤاد حسين إلى دعوة الكاظمي لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمشاركة في المؤتمر واكتفت بالإشارة إلى أنّه جرى خلال لقاء الوزيرين “استعراض أوجه العلاقات السعودية – العراقية وسبل دعمها وتعزيزها”، إلاّ أن مصادر دبلوماسية ذكرت الأربعاء أنّ الأمير فيصل سيرأس وفد بلاده الى قمة بغداد الإقليمية.
ويبدو من خلال ذلك أنّ جمع السعودية وإيران بمستوى عال من التمثيل تحت سقف قاعة المؤتمر المرتقب بحدّ ذاته هدف بعيد المنال وفي غير متناول العراق، فضلا عن تحقيق تقدّم في جهود المصالحة بينهما.
وكانت التوترات بين السعودية وإيران قد تزايدت بعد اعتداء وقع عام 2019 على منشآت نفطية سعودية أدى إلى توقف نصف الإنتاج النفطي السعودي لفترة وجيزة. وحمّلت الرياض إيران مسؤولية الهجوم غير أن طهران نفت صحة هذا الاتهام.
ويؤيد كل من البلدين طرفا مختلفا في الحرب الدائرة في اليمن وقد قطعا العلاقات في 2016 لكنهما دشّنا في أبريل الماضي محادثات استكشافية لإمكانية الحوار بينهما جرت في العراق وبرعاية من حكومته.
وتشعر السعودية بالقلق من إحياء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المحادثات النووية التي قد تفضي إلى تخفيف العقوبات المفروضة على طهران. وترى في التواصل وسيلة لاحتواء التوترات دون التخلي عن هواجسها الأمنية من الهجمات التي ينفّذها على أراضيها حلفاء لإيران.
ويأمل المسؤولون العراقيون أن يحضر الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي الذي ينتمي لغلاة المحافظين الاجتماع المقرر عقده يوم السبت ويتوقعون حضور وزراء من دول خليجية من بينها السعودية والإمارات.
وقال مسؤول مقرب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي “حتى إذا جمعنا وزراء الخارجية على طاولة واحدة فمن الممكن أن يعتبر ذلك انفراجا لإنهاء التوترات بين الإيرانيين والخليجيين”.
وقال سياسي مقرب من رئيس الوزراء إن العراق الذي استضاف اجتماعات خاصة بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين في وقت سابق من العام الحالي تلقى “إشارات إيجابية” من طهران ودول الخليج تفيد باستعدادها للمزيد من المحادثات المباشرة. لكنّ ذلك لا يمثّل استثناء بالرجوع إلى الخطاب الرسمي الإيراني الذي لم ينقطع عن الترويج للحوار والمصالحة مع السعودية بشكل فضفاض دون التطرّق إلى تحفظاتها ومطالبها السياسية والأمنية.
جمع السعودية وإيران بمستوى عال من التمثيل تحت سقف قاعة مؤتمر بغداد الإقليمي هدف عراقي بعيد المنال
وقالت ثلاثة مصادر إقليمية أخرى إنها تتوقع جولة أخرى من المباحثات المباشرة بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين على هامش القمة، لكن المصادر لم تتوقع تحقيق انفراجة. وقال أحد المصادر وهو مسؤول إيراني رفيع المستوى “لقد رحبنا دوما بتحسين العلاقات مع دول المنطقة مثل السعودية وهذه أولوية في السياسة الخارجية لرئيسي. ولدي شكوك كبيرة في ما إذا كان ذلك سيحدث في العراق الأسبوع المقبل”.
وبدأت الرياض وطهران المباحثات المباشرة في أبريل الماضي لاحتواء التوترات، بينما أجرت القوى العالمية مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران. وتعارض السعودية وحلفاؤها هذه المفاوضات لأنها لا تتناول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والجماعات الإقليمية التي تعمل لحسابها.
وقد قالت السعودية إنها تريد أفعالا يمكن التحقق منها من إيران. وفي وقت سابق من الشهر الجاري قال الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي إن إيران ازدادت جرأة وإنها تتصرف بطريقة سلبية في الشرق الأوسط بما في ذلك اليمن ولبنان وفي بحار المنطقة.
ومن الممكن تكثيف هذه الجهود إذ تنظر دول الخليج العربية المتحالفة مع واشنطن منذ أمد بعيد بعين القلق لتجدد المحادثات النووية مع طهران والنهاية الفوضوية للحرب في أفغانستان.
وحتى الآن كانت الكويت هي الدولة العربية الوحيدة التي أكدت مشاركتها وأنها سترسل رئيس وزرائها. وتم توجيه الدعوة أيضا لمصر والأردن لحضور اجتماع بغداد، إلى جانب تركيا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير نشر الثلاثاء إنّ سعي السعودية للتهدئة أمر تكتيكي مرتبط باحتمالات نشوب صراع إقليمي في ظل تراجع إمكانية التعويل على واشنطن.