أبي ما زال فوق الشجرة

مراهقة الألماني لا تعني بالضرورة مراهقة السوري أو الصومالي أو التونسي. إن التمرد خيط ناظم يجمع كل هؤلاء، ويتمثل في التخلص من كل ما هو سائد ومعيش.
الثلاثاء 2019/03/26
المراهقون في ألمانيا يطالبون بتشريكهم في الحكم

يقول استطلاع للرأي إن المراهقين في ألمانيا يطالبون بتشريكهم في الحكم، وبصفة فاعلة وملموسة.. تخيلوا لو تسنى لهم ذلك في مختلف بلدان العالم، ونفذوا إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحتى الإعلامية.

حتما سوف تُعمّم مزاجيات هؤلاء الفتيان والفتيات في شتى ضروب الحياة كأن يسود الوشم الناشز والكلام الصاعق، والدجينزات المخزوقة والشعور الملونة، ورقصات وأغاني الراب.. والتمرد على كل شيء، وفي كل لحظة.

لن نذكر حبوب الهلوسة وكل ما يُذهب العقل والأخلاق كي لا نسقط في التعميم والتنميط، واتهام هذه المرحلة العمرية بالوبال، وتحميلها مسؤولية هذا الخواء فوق كل هذا الخواء.

ولكن، مهلا.. هل فكّر كل واحد منا في مراهقته، حنّ إليها وحاول استعادتها بكل براءة ودون تزييف.. إنها الحلم الذي قد يمسي كابوسا مفزعا في زمن لاحق، وجيل لاحق، وفق معايير تدعي التعقل والتريث، والحفاظ على التوازن.

غالبية المراهقين العرب من أبناء جيلنا سوف يسترجعون أفلاما من نوع “أبي فوق الشجرة”، أغاني مثل “يا واد يا ثقيل”، وكذلك أحداثا ثورية أقل رومانسية مما نتخيله، مثل خطف الطائرات واحتجاز الرهائن، والاحتفاء بشخصيات عنيفة على شاكلة كارلوس، وأخرى مجنونة ومضطربة، وكذلك محببة مثل مايكل جاكسون، وحتى بوب مارلي، من قبله.

لكل جيل مراهقة تخصه، ويتمنى تعميمها على العالم كخيار وحيد يمثل الخلاص، ولكن أي خلاص؟

مراهقة الألماني لا تعني بالضرورة مراهقة السوري أو الصومالي أو التونسي. إن التمرد خيط ناظم يجمع كل هؤلاء، ويتمثل في التخلص من كل ما هو سائد ومعيش.

يحلم المراهق الأفغاني ببلاد تسود فيها حرية المعتقد، وقد يظن المراهق التونسي أن بلاده سوف تكون أفضل لو تخلصت من الإرث العلماني البورقيبي، كما يعتقد النمساوي، مثلا، أن هتلر واحد من أسلافه الأبطال، وينبغي استعادة وتمثّل سلوكه النازي إزاء العرق السامي.

المراهقة حنين إلى ما لم نعشه، ونظنه عالما يخلصنا من براثن الواقع، لذلك تمسّك مراهقو ألمانيا بالمطالبة بالتشريك في الحكم، إيمانا منهم بأن حكومة أنجيلا ميركل، ومهما كان من سوف يأتي بعدها، تذهب عكس رغباتهم المجهولة والمتناقضة غالبا.

المراهقة تمضي بعيدا نحو رفض وصاية الكبار، ولكن، أي وصاية؟ مراهقة الجزائري غير مراهقة الفرنسي، كما أن مراهقة الفلسطيني غير مراهقة الإسرائيلي.. وهلم جرا من مراهقات تتجاور وتتناقض وتتآكل.. فكم من يوم كنا نبكي منه، أصبحنا اليوم نبكي عليه.

ليس للمراهقة لون واحد، لكنها تقلبات جيل على من جاء قبله، بدليل وجود أبناء “يمينيين” نزلوا من صلب آباء “يساريين”، وكذلك العكس. ثمة خلل يجب تداركه كي لا يمسي “الأبناء فوق الشجرة”، لكن الشجرة واحدة، و”تقدمي” اليوم هو “رجعي” الغد.

24