"أبي تحت الشجرة" معالجة مسرحية مسلية لقضية التفكك الأسري

المسرحية تطرح التأثير السلبي لغياب الأب في قالب كوميدي وتنجح في جذب الجمهور.
الأحد 2020/12/13
كوميديا مسلية للجمهور

هناك أنماط عدة من الكوميديا مثل الهجاء أو الدراما الهجائية، التي تهاجم الأفكار والمؤسسات والعادات والتقاليد البالية، وهناك أيضا الهزل، الذي يتم فيه الاستهزاء بالحياة من خلال ابتكار مواقف عبثية وشخصيات مبالغ فيها، ونجد أيضا المحاكاة الساخرة والمحاكاة التهكمية، وهناك أيضا الكوميديا السوداء أو القاتمة وغيرها. لكن على اختلاف أنواعها وأنماطها، غالبا ما تتهم الكوميديا في الأعمال المسرحية بالسطحية، وهو الفخ الذي قد تقع فيه الكثير من العروض الكوميدية التي تنساق إلى الإضحاك والتسلية دون وعي أو عمق جمالي، فتنحرف بالمسرح إلى فعل سطحي طارئ.

تهدف بعض العروض المسرحية إلى التواصل مع الجمهور وإمتاعه عبر الارتكاز على الكوميديا وتقديم معالجة فنية بسيطة لا تُشكِّل صدمة أو مفاجأة للمشاهد على أي مستوى، ومن ثم يحقق العرض هدفه في كونه مناسبا لمشاهدة أسريّة تكون مُسليّة ومناسبة لكل أفراد الأسرة في العطلة الأسبوعية.

 ومن هذا المنظور جاءت مسرحية “أبي تحت الشجرة” التي عُرضت أخيرا على خشبة مسرح السلام في القاهرة.

غربة جديدة

المسرحية تعرض لفكرة الغربة الداخلية والخارجية عبر شخصيتين، الأولى مهاجر مثقف ومتعلم والثانية حارس عقار بسيط
المسرحية تعرض لفكرة الغربة الداخلية والخارجية عبر شخصيتين، الأولى مهاجر مثقف ومتعلم والثانية حارس عقار بسيط

بدأ عرض فرقة المسرح الحديث، الذي يستمر تقديمه حتى 15 ديسمبر الجاري، بعودة الأب من الخارج، بعد غياب لسنوات ثلاث متصلة، مُحمّلا بتصورات طبيعية عن لقاء حميمي تغلفه الأشواق مع زوجته وابنه وابنته، بعدما أضناه الافتراق عنهم بحثا عن أمان مادي يبتغي تحقيقه للأسرة.

وعلى عكس ما انتظره الأب من طموحات وآمال عاطفية، ووجه بالفتور والجفاء، إذ ينشغل الأبناء عن استقبال والدهم بمعاينة حقائب السفر التي عاد بها بحثا عن الهدايا، كما يواجه بمقابلة باردة من الزوجة التي تأقلمت على الحياة من دونه.

في ظل التعايش مع فكرة فقدان الأمان في الأسرة، تظن الأم مع مجيء زوجها أن ثمة لصّا يحاول اقتحام المنزل، وتتعزز حالة المفاجأة للزوج مع شعوره بكونه غريبا وسط أسرته التي لا ترحب بمجيئه، ولا تستحسن قراره الذي يخبرهم به، بعد غربة طويلة، بالبقاء في وطنه إلى جوارهم، فتخبره الزوجة أن هناك العديد من المتطلبات المادية التي ما زالت الأسرة بحاجة إليها، ولا فائدة من البقاء بجوارهم.

غربة من نوعٍ جديد عاشها الأب بعد عودته، لكنها غربة وسط أبنائه وزوجته، سواء مع انشغال كل منهم بنفسه واعتماد الأبناء على الأم في كل تفاصيل حياتهم، أو حتى في تفاصيل حياة الأسرة التي صدمت الأب المفجوع بأسلوب حياتها في عدّة مشاهد عكست له ذلك، بداية من الاستيقاظ متأخرا والاعتماد على طلب الطعام من الخارج وعلاقات الابنة المنفتحة مع الشباب وتعاطي الابن للمخدرات، وتساهل الأم وعدم تحملها لمسؤولية الأسرة بشكل لائق.

ظلّ الأب مشغولا بسؤال إصلاح أسرته حتى خطرت له فكرة استقرّ عليها بعد حديثه مع حارس العقار، فأدرك من خلال حديثهما معا تشابه ظروفهما، فكلاهما يدفعان ثمن الغربة، وكلاهما اقتصر دورهما في حياة أسرتيهما على الجانب المادي.

تهدف الفكرة إلى أن يُعيد الأبوان حضورهما وتأثيرهما داخل أسرتيهما، من خلال القيام بخطة مشتركة يؤكدان أهميتهما في حياة الأسرة ودورهما الفاعل والمؤثر.

يستند النص المسرحي، وهو من تأليف طارق رمضان، وإخراج إسلام إمام، وإنتاج فرقة المسرح الحديث بقيادة الفنان خالد النجدي، إلى تشكيل عقدة سطحية لمحتواه استجلابا للضحكات من الجمهور، فالأب يطلب من حارس العقار أن يتظاهر بأنه قد مات على يد ابنه الذي قتله أثناء مشادة كلامية، ليخرج الأب في تلك الأزمة التي يقع فيها ابنه ويقف إلى جواره مدافعا عنه، وهو ما يجعل الابن يدرك أهمية وجود والده في حياته ومن ثم يعود الدفء إلى علاقته بأسرته.

عقدة سطحية

أبوان مغتربان وسط أسرتيهما
أبوان مغتربان وسط أسرتيهما

وتجري الخطة كما هو متفق عليه في إطار كوميدي يرتكز على الضحكات المستحضرة من خلال إبراز غباء حارس العقار، ويتصدر الأب لُيعلن أنه هو المسؤول عن قتل حارس العقار لينقذ ابنه، الذي لا يهتم بتضحية والده ويستمرّ في استغلاله ماديا دون شعور بالمسؤولية.

وفي الآن ذاته يختار أبناء حارس العقار الاستفادة من العروض المادية التي تُقدّم لهم بديلا عن الثأر لوفاة أبيهم، تعبيرا عن أن الجفاء المُتشكل عبر سنوات في العلاقة بين الآباء والأبناء لا يُمكن القفز عليها وإصلاحها بسهولة.

العرض الذي قام ببطولته كل من هاني كمال، لبنى الشيخ، منير مكرم، شادي أسعد، دينا هريدي، أحمد عبدالهادي ودعاء رمضان، يتعرض للعواقب المترتبة على غياب الأب عن أسرته سواء باغترابه خارج الوطن لجني الأموال وتحقيق الأمان المادي أو اغترابه في بقعة أخرى داخل أرض الوطن بحثا عن عمل يكفي لإعالة الأسرة، لتكون النتيجة في الحالتين واحدة وهي الضياع الأخلاقي للأسرة التي تتفكك أوصالها وأيضا غربة الأب وسط أسرته بعدما اعتادوا غيابه.

وتعرض المسرحية لفكرة الغربة الداخلية والخارجية عبر شخصيتين، الشخصية الأولى مثقفة ومتعلمة اغتربت عن وطنها، والثانية لشخص بسيط يعمل كحارس عقار في إحدى المدن داخل وطنه، قد لجأ إلى الاستقرار بها بعيدا عن أسرته، وعبر الشخصيتين يكثف العرض الأثر السلبي لغياب الأب عن أسرته، فالحاجة المادية ليست هي العنصر الأهم في علاقة الأب بأسرته لكن ثمة حاجات نفسية تربط أفراد الأسرة ببعضهم البعض، وفي غياب الأب تتفكك الأسرة وتتشرذم.

أبعاد الشخصية

البواب والمهاجر كلاهما في أزمة
البواب والمهاجر كلاهما في أزمة 

اختار مؤلف العرض (طارق رمضان) أن يعزز من الصور النمطية التي تعكس وجود مشكلة داخل الأسرة دون وجود عمق للشخصيات، فكل شخصية لا تحمل سوى بعد واحد يتماس بشكل مباشر مع الفكرة، كالزوجة المُستهترة والابن العاق الذي يتعاطى المخدرات، والابنة المنحرفة، وحارس عقار بطيء الفهم وأبنائه الريفيين الذين نغلب عليهم السذاجة.

اعتمدت المسرحية على الديكور الذي صممه يحيى صبيح، لإبراز ملامح الثراء والفخامة في منزل الأسرة التي يعود إليها الأب، فلا يجد راحته فيه رغم كل إمكانات الراحة، كما لجأ العرض إلى بعض الديكورات المتحركة في أكثر من مشهد لينقل حالات وأماكن مختلفة مثل ديكور الحقل الذي يحتل جانبا من المسرح في بعض المشاهد عندما يتركز الحديث حول أسرة حارس العقار بالريف، وجاءت الملابس لكل شخصية لتعزز من الصورة التي تُبيّن بُعدها المقصود.

اختار المؤلف أن يُقدّم نصا مباشرا لا يستند إلى رؤية فنية مميزة أو خاصة لكنه يُقدّم قصة يُمكن أن تكون مُسليّة وفي الآن ذاته تناقش فكرة، وإن كانت بأسلوب مباشر، وحبكة ضعيفة تعتمد على تأثير الكوميديا أكثر من أي شيء آخر.

ومن ثم جاء إخراج إسلام إمام ليؤكد على العنصر الكوميدي في عمله اعتمادا على كوميديا الموقف بشكل كبير والنكت المتداولة بصورة أكبر، وهو ما بدا جذابا على المستوى الجماهيري بدرجة كبيرة.

ماذا يحدث إذا غاب الأب عن العائلة
ماذا يحدث إذا غاب الأب عن العائلة

 

14