أبوجرة سلطاني إسلامي متعدّد الوجوه يتماهى مع مختلف المراحل

سياسي جزائري يرفض فك الارتباط بين السلطة والإخوان.
الأحد 2022/03/27
راقص سياسي ماهر

لمّا سُئل عن المدير السابق الجنرال عثمان طرطاق قال عنه "رجل المرحلة"، لكن الرجل الآن في السجن، وحين سئل عن رئيس الحكومة السابق عبدالمالك سلال وصفه بالقول "إنه رجل ليس لديه طموح سياسي، وبساطته وعفويته هي التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة وليس بعيدا أن توصله إلى رئاسة الجمهورية"، لكن سلال يقبع في السجن أيضا، أما عندما سُئل عن ملك أغنية "الراي" الشاب خالد، فقد توقع بأنه سيعتزل الفن وسيتحول إلى مؤذن في أكبر مساجد الجمهورية.

تلك ليست طرائف متناقلة أو أحاديث هامشية وإنما تصريحات علنية للرأي أدلى بها أبوجرة سلطاني لمداهنة أصحاب القرار والتقرب من مصادر السلطة، فهو لم يحدث أن انتقد أي رجل أو مؤسسة تابعة للنظام، محافظا بذلك على روابط الصلة بينه وبين مختلف السلطات المتعاقبة في البلاد.

ففي تسعينات القرن الماضي انخرط في مشروع معاداة الإسلاميين الذين استحوذوا حينها على الانتخابات التشريعية، وفي مطلع الألفية كان يمثل أحد أضلاع التحالف الحزبي الثلاثي الداعم للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وهاهو الآن يعود مجددا إلى أروقة السلطة عبر بوابة البرلمان.

سلطاني إخواني تجاوز حدود الواقعية والبراغماتية السياسية، إلى درجة التلوّن والتماهي مع مختلف المراحل، فهو الوحيد من الإسلاميين الذي يدعم الجميع ومستعد للتضحية بالجميع من أجل مصلحة خيار سياسي إخواني لا يرى نفسه إلا مرادفا للسلطة أكثر من رجالات وأحزاب ومؤسسات السلطة.

دكة احتياط السلطة

سلطاني إخواني تجاوز حدود الواقعية والبراغماتية السياسية، إلى درجة التلوّن والتماهي مع مختلف المراحل
سلطاني إخواني تجاوز حدود الواقعية والبراغماتية السياسية، إلى درجة التلوّن والتماهي مع مختلف المراحل

وإذ اختار البعض من المحسوبين على نظام بوتفليقة التواري عن الأنظار حفظا لماء الوجه ولآخر ما تبقى من شرف الذات، فإن الوزير والنائب البرلماني والسياسي وقبل كل ذلك الداعية الإسلامي والمفسر القرآني والراقي الشرعي سلطاني، عُين مؤخرا "سيناتورا" في مجلس الأمة، في إطار الثلث الرئاسي الذي تعود صلاحية تسميته إلى الرجل الأول في الدولة بموجب دستور البلاد، لتمتزج بذلك صور التلاعب بمطالب الإصلاح السياسي بشعارات "الجزائر الجديدة" الزائفة وتستمر السلطة في تجديد نفسها وأذرعها حتى ولو كان الأمر مستفزا ومخيّبا.

يصفه البعض بـ"السياسي الزئبقي" الذي لا يمكن ضبطه ولا تصنيفه، ولا يمكن العثور عليه إلا في حواشي السلطة، فطموحه ليس له حدود مع أنه يدرك أن موقعه هو الصفوف الخلفية، ولم يحدث أن غامر بمزاحمة رؤوس السلطة، وهي حيله تحسب له عكس الكثير من نظرائه الذين أعمى الطموح بصيرتهم فأحرقوا أوراقهم بأنفسهم.

سلطاني راقص سياسي ماهر على مختلف الحبال، فقد كان داعية إسلامي حين كان للدعوة بريقها الشعبي، ومارس الرقية الشرعية وحارب الجن عندما اعتقد أن العقل والعلم بدأ ينسحب من مواقعه لصالح الشعوذة، وعلى حبل الإخوان حين كانوا يشكلون بديلا ناجعا للإسلاميين الراديكاليين، وعلى "منتدى الوسطية" لما أدرك أنه لا مكان في العالم الجديد للتشدد والتطرف الديني.

مشروع مناهضة الإسلاميين انخرط فيه سلطاني، وفي مطلع الألفية كان يمثل أحد أضلاع التحالف الحزبي الثلاثي الداعم لبوتفليقة، وهاهو الآن يعود مجددا من بوابة البرلمان

بين كل ذلك استطاع الإفلات من متاعب الحساب السياسي والقضائي عندما ورد اسمه أو بعض مقربيه في ملفات تتصل بالفساد المالي، كما هو الشأن بالنسبة لما عرف بـ"مجمع الخليفة" المنحل، أو ممارسات مجرّمة قانونا لمقربين منه أو لشخصه، حيث اضطر في 2009 إلى الفرار من سويسرا، وهو وزير في الدولة الجزائرية بالخدم والحشم وجواز السفر الدبلوماسي حين توبع هناك من طرف أحد خصومه وصف نفسه آنذاك بأنه "ضحية سلطاني".

وقتها تضاربت الروايات حول خروج الرجل من سويسرا، بين من قال إنه فرّ هاربا عبر الحدود البرية الفرنسية من مواجهة العدالة السويسرية، كما أوردت صحف سويسرية وجزائرية، وبين من أكد أن سفير الجزائر في جنيف كان في توديعه بالمطار، بحسب ما أورده بيان رسمي وزعته حركة مجتمع السلم على وسائل الإعلام المحلية والدولية.

وإذا كان المعنيّ بالأمر قد بين لصحيفة محلية أنه "لم يسمع وهو في سويسرا بالدعوى القضائية المزعومة"، فإن بيانا عن منظمة "مكافحة الإفلات من العقاب" غير الحكومية التي يوجد مقرها بجنيف قد أكد فعلا أن "شكوى تعذيب قد أودعها ضد سلطاني مواطن جزائري وهو لاجئ سياسي يقيم بمدينة تولوز الفرنسية، وهو ضابط مخابرات سابق بالجيش الجزائري".

وأضافت المنظمة في بيانها "لقد تقدمنا بشكوى قضائية ضد سلطاني إلى قاضي التحقيق بكانتون فريبورغ، لما يزعم من مسؤوليته عن ممارسات تعذيب تعرض لها المواطن المذكور العام 2005، وقد  تعرض إلى انتهاكات جسدية وإلى التعذيب بحضور وإشراف السلطاني، في مركز (شاتونوف) سيء الصيت، والذي يشتهر بأنه مكان للتعذيب، والاعتقال التعسّفي الأهم في الجزائر".

المأزق السويسري ويد بوتفليقة

سلطاني يرى أن مغالبة السلطة خطوة غير مضمونة، ومضيعة للوقت في معارضة قد تصبح أبدية تماما
سلطاني يرى أن مغالبة السلطة خطوة غير مضمونة، ومضيعة للوقت في معارضة قد تصبح أبدية تماما

ولأن احتلاله للواجهة كان خلال حقبة بوتفليقة بشكل لافت، فإن الأخير يعرف عنه أسلوبه في التعاطي مع خصومه ومنافسيه، فلا هو يردعهم ولا هو يترك لهم كرامتهم، ولذلك أبقى على سلطاني في الجهاز الحكومي وفي حركة مجتمع السلم كشريك سياسي، فضخ مقابل ذلك المزيد من منسوب الانبطاح للسلطة، ودعم كل الولايات الرئاسية الأربع دون أن يدرك أن الرمال بدأت تتحرك تحت قدميه في حركة "حمس"، وأن تيارا عريضا داخل الحركة لم يعد يطيق خطه السياسي، ولذلك تم إسقاطه في مؤتمر 2012 واستخلافه بعبدالرزاق مقري.

لم يشفع له تقرّبه من رموز السلطة للبقاء في الواجهة، فدفعته حيلته السياسية إلى إطلاق "منتدى الوسطية" كتنظيم فكري وأيديولوجي ينبذ التطرف الديني ويحض على الاعتدال، وجلب إلى صفوفه العديد من الشخصيات غير الحمسية، لكي يعزل بينه وبين الخلفية الإخوانية، فكان إلى جانبه عدد من القادة الحزبيين القوميين والعلمانيين، لكن أزمة الولاية الرئاسية الخامسة لبوتفليقة، ورياح الحراك الشعبي كانت أسرع وأقوى من وتيرة منتدى الوسطية، فتبخر التنظيم واختفى معه سلطاني، إلى أن كتب له الرئيس عبدالمجيد تبون عمرا سياسيا جديدا بتعيينه في مجلس الأمة.

سلطاني يعرف بمداهنته لأصحاب القرار وتقرّبه من مصادر السلطة، ولم يحدث أن انتقد أي رجل أو مؤسسة تابعة للنظام، وبذلك حافظ على روابط الصلة بينه وبين الجميع

سلطاني الذي خلف مؤسس أكبر الأحزاب الإخوانية في الجزائر الراحل محفوظ نحناح على رأس "حمس"، لم يقطع وصاله بالحركة، رغم أنه فقد كل نفوذه ووعاءه البشري، لكنه بدأ منذ التشريعيات التي جرت  قبل عامين، يبحث عن مواقع بعيدا عنها، ولذلك دفع ابنه محمد إقبال إلى الترشح كمستقل بالعاصمة لكنه لم يفلح في الوصول إلى قبة البرلمان. ومع ذلك يبقى رمزا لحمائم الإخوان إلى جانب عدد من القيادات السابقة، ولذلك نزلت رسائل التهليل والتهنئة بمنصبه الجديد في مجلس الأمة، حيث ذكر الوزير والنائب الحمسي السابق الهاشمي جعبوب إن "رئيس منتدى الوسطية سيكون قيمة مضافة كبيرة لمؤسسة مجلس الأمة الدستورية السامية، ونحن متأكدون أنه سيواصل رسالته في خدمة الإسلام والوطن بنفس العزيمة والإصرار الطابعتين لشخصيته".

وأضاف أن "هذا التعيين هو إقرار بالمكانة العلمية والسياسية والاجتماعية التي يتمتع بها الشيخ أبوجرة واعتراف بالجميل الذي قدمه للدين والوطن وبمكانته العلمية والفكرية وبالأخص بنهج الاعتدال والوسطية الذي عٌرف به ودافع عنه دائما".

هذه المفردات جاءت ردا على تهنئة سابقة أبرق بها سلطاني لجعبوب، حين عيّن وزيرا في الحكومة السابقة، ولم يتأخر حينها لحظة في الالتحاق بمنصبه، رغم اعتراض حركته على المنصب، وهو ما كلفه موقعه داخل "حمس"، وهي تترجم تقليدا سياسيا لدى الحمائم، رغم تداعياته الشعبية عليهم، فلا يزال الجميع يتذكر تلك الصور التي أظهرت غضب المتظاهرين الجزائريين بباريس في إطار احتجاجات الحراك الشعبي، لما حاول سلطاني الالتحاق بصفوفهم، وكيف أطلق الريح لرجليه لما أدرك أنه غير مرغوب فيه لدى هؤلاء.

المعارضة غير محمودة

خلافته لنحناح مؤسس أكبر الأحزاب الإخوانية لم تمنع سلطاني من البحث عن مواقع بعيدا عنها
خلافته لنحناح مؤسس أكبر الأحزاب الإخوانية لم تمنع سلطاني من البحث عن مواقع بعيدا عنها

كل ذلك أكد له أن مكانه لن يكون إلا في حواشي السلطة، وأن السنوات التي قضاها في صفوفها لا تسمح له بأي توبة شعبية، لاسيما وأنه يملك في سيرته الذاتية ما يكفل له التلوّن مع كل المراحل والسلط، وهو ما يكون قد تلقفته السلطة سريعا وأعادته إلى الواجهة، لأنها تبقى في حاجة إلى إسلاميين يزينون الديكور السياسي بعدما فقدت الأمل في حركة "حمس" في طبعة المقري.

تقرّبه من رموز السلطة لم يشفع له للبقاء في الواجهة، فدفعته حيلته السياسية إلى إطلاق "منتدى الوسطية"، لكن أزمة الولاية الخامسة لبوتفليقة بخّرت التنظيم واختفى معه سلطاني

الإعلامي حسن خلاص يعلّق على عودة سلطاني بالقول "يعود الشيخ أبوجرة هذه الأيام ليلعب دورا جديدا قديما بالنظر إلى تشابه الأدوار التي ظل يلعبها منذ أن اختار عن وعي ودراية، أن لا يخرج من صالونات السلطة إلا ليركن في بيته في انتظار أن يناديه المنادي وهو في دكة الاحتياط، ليوشح مواقف أقوياء اللحظة بخطاب يحمل ترسانة من المبرّرات البعدية".

ويضيف خلاص "لقد فضل سلطاني، الابتعاد ما أمكن عن وسائل الإعلام التي تسأله عن كل صغيرة وكبيرة من شؤون الدين والسياسة فهو لا يبخل ولا يتحفظ عن الرد الفوري حتى وإن كانت الأسئلة شائكة ومحرجة بما يمتلكه من أدوات لغوية طيعة على لسانه الجامع، بين الموروث الثقافي والديني وبين اللغة السياسية الحديثة وقدرته على أن يقول كلاما في الصباح ويدحضه بنفسه في المساء فهو كثير الاجتهاد وهو قد تعلم أنه عندما يصيب يظفر بأجرين وعندما يخطئ يكتفي بأجر واحد".

ويرى سلطاني أن مغالبة السلطة خطوة غير محمودة العواقب فضلا عن أنها مضيعة للوقت والجهد في معارضة قد تصبح أبدية تماما على شاكلة معارضة حزب جبهة القوى الاشتراكية أو معارضة أنصار عبدالله جاب الله ومن على شاكلته من راديكاليي التيار الإسلامي، وهي تيارات لم تجن شيئا في مسارها السياسي، في نظر سلطاني، فلا هي استمالت المجتمع إلى صفوفها ولا هي انضوت في فلك السلطة لتنعم برغيد العيش السياسي بنيل المناصب والمكاسب.

9