أبوالفضل بعجي سياسي شاب يفتح النار على الحرس الجزائري القديم

قدوم بعجي يعد إيذانا بمرحلة جديدة في مسار الحزب المثير للجدل، لاسيما وأن دعم السلطة غير المعلن له أنهى حالة الشك التي انتابت الكثير من الجبهويين.
الأحد 2020/06/21
أمين عام جديد لجبهة التحرير بلا مواصفات

حقق الأمين العام الجديد لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر نصرا سياسيا كبيرا على خصومه بعد تزكية وزارة الداخلية لاجتماع اللجنة المركزية الذي دفعه إلى المنصب الجديد، وبذلك يكون قدوم أبوالفضل بعجي إيذانا بمرحلة جديدة في مسار الحزب المثير للجدل، لاسيما وأن دعم السلطة غير المعلن له أنهى حالة الشك التي انتابت الكثير من الجبهويين في وقت سابق، إلا أن بدايته المتعثرة مع الحرس القديم ستفتح عليه أبواب تمردات عاصفة.

أخفق بعجي، خلال إطلالته الأولى على الرأي العام في إحداث التحول السياسي اللازم، بعدما انتهج خطابا استفزازيا مستهلكا، بنفيه دعم حزبه لمشروع الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، رغم أن الجميع في الجزائر يعلم أن الرجل هو رئيس الحزب لحد الآن.

ويبدو أن الرجل يتوجه إلى تكرار نفس الخطاب الذي نفّر الشارع من الحزب، رغم إدراك الجميع أن مصير جبهة التحرير الوطني مرتبط بمدى خدمته للسلطة، ولا أمل له في وعاء شعبي حقيقي وأنه سيجد نفسه في خانة الأحزاب المجهرية في أيّ تجربة ديمقراطية وانتخابات حقيقية.

شطحات سياسية

محاولات جميع الأمناء العامين المتداولين على هرم الحزب، بداية من علي بن فليس في مطلع الألفية إلى محمد جميعي، ومرورا بعبدالعزيز بلخادم وعمار سعداني وجمال ولد عباس، للملمة صفوف جبهة التحرير الوطني، كان مصيرها الفشل

ورغم أن بعجي سار في مقاربة تعليق الشماعة على مشجب ”العصابة“، أي نظام بوتفليقة، فإن ذاكرة الجزائريين لا زالت تتمثل أمامها شطحات الرجل خلال السنوات الماضية من أجل التقرب لتلك العصابة وللأمناء العامين السابقين، ولا يمكن له مسح تصريحاته التي أطنبت في مدح بوتفليقة من المنصات الإلكترونية مثل قوله “الرئيس بوتفليقة أفنى شبابه وحياته من أجل الجزائر، ولا يجب علينا أن نتنكر لهذا الجميل”.

ولأنه لا يملك القدرة على الانتقال بالحزب من حضن السلطة إلى حضن القواعد الشعبية، فإنه سعى إلى مسح مسألة دعم العهدة الخامسة لبوتفليقة في ثوب تصرفات معزولة لقياديين ومناضلين فقط، حيث صرّح في أول ندوة صحافية له بأن “مكتب التنسيق هو من أصدر بيانا لمساندة ترشح الرئيس السابق بينما القانون الأساسي يعطي حق اتخاذ القرار للجنة المركزية، وما حدث لا يلزم الحزب بل يلزم الأشخاص الذين قاموا بذلك”.

ولم تبق له إلا محاولة الظهور في ثوب الضحية والمعارض للسياسيات والقيادات السابقة، حينما قال “كنت أتألم عندما كان ولد عباس يبيع الحزب لحداد وكونيناف، (رَجُلا أعمال مقربان من بوتفليقة)، وقد قمت بحراك داخل الحزب مما كلفني ظلما أن أحرم من عضوية المكتب السياسي”.

وكانت وزارة الداخلية والجماعات المحلية الجزائرية قد حسمت بشكل إيجابي في شرعية اجتماع اللجنة المركزية التي زكت بعجي أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني خلفا للأمين العام السابق محمد جميعي، المتواجد في السجن بتهمة فساد رفقة الأمين العام الآخر جمال ولد عباس.

ويقضي الوافد الجديد إلى مبنى ضاحية حيدرة الراقي أياما مريحة في بيته العائلي امتثالا لتوصيات الأطباء بعد شكوك حول إصابته بوباء كورونا وذلك بعد تحقيقه نصرا سياسيا كبيرا على المعارضين والمشككين في شخصه، حيث قطعت شهادة وزارة الداخلية الشك باليقين ولم يبق أمامه إلا إشهار نتائج لقاء اللجنة المركزية في صحيفتين محليتين بموجب القوانين الناظمة للأحزاب السياسية.

قميص عثمان

ولم تؤثر الحملة الشرسة التي شنها خصوم الفاعلين الحاليين في شؤون الحزب على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا بيان جناح لجنة التقويم والتأصيل بقيادة المخضرم عبدالكريم عبادة، في مخرجات التحول الجديد في الحزب، فاتهامه بعلاقاته الوطيدة مع الأمناء العامين السابقين وانحداره مما يعرف بـ”العصابة”، وهي نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وعلاقته العائلية بأسرة نافذة في المغرب، كل ذلك لم يجد نفعا أمام قوة التوجه الجديد العائد بالحزب الحاكم إلى الواجهة في المحطات القادمة.

لكن الثابت أن القائد الجديد للحزب المذكور لن يجد سجاداً أحمر في طريقه إلى مبنى حيدرة، فتقاليد الممارسة الداخلية وتضارب التيارات داخل الحزب غير مأمونة الجوانب وقد تفتح عليه جبهات صراع تشغله عن تثبيت عرشه، ولو أن الاستقواء بالرموز الثقيلة قد يفتح له المجال للصمود قليلا لكن ليس طول الوقت، فالوضع السياسي المضطرب في البلاد وغموض مصير السلطة نفسها بسبب موجة الغضب الشعبي والاحتجاجات السياسية قد تعصف به وبالحزب وبالسلطة التي تدعمه.

وإذ حاول كل الأمناء العامين المتداولين على هرم الحزب بداية من علي بن فليس في مطلع الألفية الى محمد جميعي، ومرورا بعبدالعزيز بلخادم وعمار سعداني وجمال ولد عباس، لملمة صفوف جبهة التحرير الوطني ولو من زاوية خطاب الاستهلاك الإعلامي، فإن مسارعة محسوبين على الأمين العام الجديد لترديد منطق تشفي المنتصر في المنهزم قد يؤلب التيارات المعارضة عليه ويحفزهم على بناء تحالف قوي ضده.

هجوم شرس على المخضرمين

بعجي يتوجه إلى تكرار الخطاب ذاته الذي نفّر الشارع من حزبه، رغم إدراك الجميع أن مصير جبهة التحرير الوطني مرتبط بمدى خدمتها للسلطة، ولا أمل لها في وعاء شعبي حقيقي
بعجي يتوجه إلى تكرار الخطاب ذاته الذي نفّر الشارع من حزبه، رغم إدراك الجميع أن مصير جبهة التحرير الوطني مرتبط بمدى خدمتها للسلطة، ولا أمل لها في وعاء شعبي حقيقي

ويبدو أن عضو اللجنة المركزية إيناس نجلاوي، والمقربة من بعجي، لم تتأخر في إظهار استقواء الجناح المنتصر في الحزب بالرجل الأول في الدولة عبدالمجيد تبون حين ذكرت في مساهمة لها نشرت في وسائل إعلام محلية بأن ”إقحام رئيس الجمهورية والوزير الأول في بيان اللائحة السياسية للدورة العادية للجنة المركزية كان كافيا لإخراج الفئران من جحورها وإيقاظ موتى الرعيل الأول من قبورهم، غير مراعين عامل سن اليأس والعته السياسي غير محترمين لشيبتهم وأن “اللي فات وقتو ما يطمع في وقت الناس، غير آبهين باستنفاد رصيدهم المنتهي أصلا منذ ردح من الزمن وهم لا يعلمون” كانت رسالة واضحة وقاسية لما يعرف بـ”القياديين المخضرمين” الغاضبين على مسار الحزب خلال السنوات الأخيرة، على غرار رئيس لجنة التقويم والتأصيل عبدالكريم عبادة وعبدالرحمن بلعياط، وحتى صالح قوجيل، الذين عارضوا طريقة إدارة شؤون الحزب منذ المؤتمر العاشر الذي انتخب عمار سعداني أمينا عاما، ثم جمال ولد عباس وبعده محمد جميعي وأبوالفضل بعجي أخيرا.

ويبدو أن رسالة إيناس نجلاوي بادرت بقطيعة غير محمودة العواقب مع تيارات وأجنحة فاعلة داخل الحزب مما يضع الأمين العام الجديد في موقع حرج في بداية طريقه، إلا أن مساهمة إيناس نجلاوي تترجم فلسفة سياسية داخل التيار الجديد ورسم معالم المرحلة الجديدة القائمة على خيار التجديد للحفاظ على القديم أسوة بما تقوم به السلطة الجديدة.

بعجي، وعلى الرغم من كونه من الجيل الجديد، فإن مرجعيته السياسية المبنية على الولاء لأسلافه، خاصة عمار سعداني، تضعه في خانة الآلة التي توظف في خدمة أجندة السلطة لتمرير استحقاقاتها القادمة

ورغم أن بعجي يعتبر من الجيل الجديد الذي تبوّأ منصب هرم الحزب، إلا أن مرجعيته السياسية المبنية على الولاء لأسلافه، خاصة عمار سعداني، تضعه في خانة الآلة التي توظف في خدمة أجندة السلطة لتمرير استحقاقاتها القادمة، ولا أمل في تشبيب الحزب العتيد بواسطة الأمين العام الشاب لتبقى بذلك جبهة التحرير الوطني ذراعا وفيّة للنظام، ولم تحظ بالاستقلالية إلا في سنوات معدودة على يد الأمين العام الراحل عبدالحميد مهري في مطلع تسعينات القرن الماضي.

وشنت نجلاوي، التي صمتت على عقد دورة اللجنة المركزية في ذروة الوباء وفي مكان مغلق رغم القانون الذي يحظر النشاطات السياسية والثقافية، هجوما قويا ضد خصوم بعجي وعلى رأسهم القيادي المخضرم عبدالكريم عبادة، لكنها في المقابل تغاضت عن ممارسات الإقصاء المستمرة داخل الحزب بعد إقصاء منافس بعجي في منصب الأمين العام جمال بن حمودة الذي منع من دخول قاعة الاجتماع بدعوى إصابته بوباء كورونا. وأضافت “مازال عبادة يعتبر نفسه وصيا على جبهة التحرير الوطني يوزّع صكوك الغفران والنضال على مزاجه، يصف قيادات وإطارات الحزب بأبشع الأوصاف، أما القلة القليلة التي تسير على غيّه فهي من الشرفاء وهم المناضلون الحقيقيون، يحتكرون المظلومية لأنفسهم حصرا، حالهم مثل اليهود، فإما الانقياد الأعمى لهم للنجاة من قانون معاداة السامية (جند العصابة)، وإما وصمنا بـ’الأغيار’ والدخلاء على الحزب”.

وعكس ما قد يتوهمه البعض بأن أزمة الحزب الحاكم في البلاد هي أزمة صراع أجيال انطلاقا من سجال الشابة المناصرة للأمين العام الشاب مع واحد من المخضرمين، فإن الحقيقة تكمن في أول يوم أعلن فيه الحزب حزبا واحدا في البلاد بعد تحصيل الاستقلال الوطني العام 1962، وأن التعددية الشكلية المطبقة في البلاد منذ نهاية الثمانينات لم تخرج جبهة التحرير الوطني من قبضة السلطة إلا لسنوات قليلة على يد الراحل عبدالحميد مهري.

أزمة الاستقلالية المزمنة

تبقى استقلالية الحزب هي لب الأزمة التي تتخبط فيه خاصة منذ الألفية الجديدة، فالمتمعن في صراعات الأجنحة وتداول الهيئات المسؤولة يخلص إلى أنه لم يكن يوما مستمدا من صراع أفكار أو تصورات أو مرجعية، بل هو صراع على مكاسب ومغانم سياسية ومصالح ضيقة وولاءات سلطوية، وهو ما أوقعه كغيره من القوى الحزبية الأخرى في خانة الغضب الشعبي الذي طالب بحل أحزاب السلطة وتطبيق العزل السياسي.

وأوحى تطابق الخطاب المسوّق من طرف القيادة الجديدة للحزب الحاكم بين أمينه العام الجديد وبين عضوة اللجنة المركزية إلى تخندق مبكر ضد التيارات والأجنحة الفاعلة، ويبدو أن الاستقواء بمراكز القرار في هرم السلطة، لاسيما وزارة الداخلية التي سمحت بعقد الاجتماع في ذروة الوباء وزكت نتائجه بسرعة فائقة، قد شجعها على إشهار خطاب القدح تجاه الآخرين. ورغم أن فروض الطاعة التي لا يتحرج بعجي

في تقديمها للسلطة مقابل دعمه في هرم الحزب تكفل له فرض الأمر الواقع، فإن تقاليد الحزب لا تسمح له بالذهاب بعيدا، قياسا بخطئه الفادح في فتح مواجهة مبكرة مع رجال الحرس القديم بدل احتوائهم أو تفكيكهم، وهو ما سيسرّع بميلاد تحالفات قوية معارضة له.

8