أبعاد فنية وسياسية تغلف مهرجان العلمين في مصر

تعيش مصر هذه الأيام على وقع مهرجان العلمين الذي يأتي ببهرج كبير وإقبال جماهيري مكثف، رغم أنه لم يوضح هويته ما جعل النقاد يعتبرونه احتفاء بالمدينة الجديدة وإعادة تأكيد على أن البلاد لا تزال قادرة على إحياء المهرجانات الكبرى واستقطاب السياح والاحتفاء بالتطور المعماري الكبير الذي تشهده.
تشهد مدينة العلمين المصرية المطلة على البحر المتوسط، منذ الخميس 13 يوليو الجاري، انطلاق “مهرجان العلمين الترفيهي” الذي سيستمر حتى نهاية أغسطس المقبل، ويتضمن أنشطة فنية ورياضية وترفيهية، ما يشير إلى وجود رغبة في تسليط الضوء على مدينة سياحية باتت مقرا رسميا للحكومة المصرية في فصل الصيف.
ويأتي المهرجان والحرص على استمراره 45 يوما ليؤكدا أن مصر لم تتخل عن دورها، وقادرة على تنظيم مهرجانات طويلة لا تقل عن مهرجان الرياض الذي جذب إليه العديد من الفنانين والمطربين المصريين وجرى تكريمهم هناك، ما أحرج القاهرة وأظهرها كأنها بخيلة في رعاية نجومها، وعاجزة عن تنظيم مهرجانات كبيرة.
وعقدت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المملوكة لجهات حكومية، الثلاثاء مؤتمرا صحفيّا حضره طيف واسع من الوزراء والمسؤولين والفنانين والرياضيين، وأعلنت فيه عن تفاصيل المهرجان، وعولت على قدرتها على جذب مليون زائر لمدينة العلمين خلال فترة انعقاد مهرجان تشارك فيه وفود من دول عربية مختلفة.
وتهدف الحكومة المصرية، التي تبدي حاليا اهتماما بالغا بالترويج للمهرجان عبر وسائل الإعلام، إلى ضرب مجموعة من العصافير بحجر واحد، حيث يكشف عن استعداد المدينة لتصبح وجهة للسياح المصريين والأجانب، وأن يطالها العمران البشري طوال العام وليس خلال فصل الصيف، وتريد من خلال البث المباشر للحفلات والأنشطة الترفيهية جذب ما يقارب أربعة ملايين شخص للعيش في المدينة.
ويؤشر المهرجان على أن القاهرة كانت تنتظر الفرصة السانحة التي تجعلها تطلق مهرجانات ترفيهية موسعة بعد أن غابت حفلات الصيف التي كانت ترعاها في المدن الساحلية خلال السنوات الماضية، وتهدف إلى العودة بطريقة مبتكرة تتواكب مع حديث النظام عن تدشين جمهورية جديدة تعد مدينة العلمين أحد أبرز أركانها، إلى جانب العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة.
وتؤكد الحكومة عبر المهرجان الذي يساهم في تسليط الضوء على المدينة أنها تمكنت من إنجاز رؤيتها لتعمير الصحاري الشاسعة بعد أن كانت المدينة حقل ألغام من مخلفات الحرب العالمية الثانية وسط الصحراء الغربية، لتبرهن على أن وصول العمران إلى مناطق جديدة هو أحد أبرز الإنجازات التي تمكنها من الحصول على عوائد جيدة من المشروعات القومية الكبرى التي تبنتها الدولة خلال السنوات الماضية.
ولا تنفصل الخطوة عن محاولة تأكيد السلطات المصرية أن عمل أجهزة الدولة يجري على قدم وساق في قطاعات متباينة، وهو ما يعزز رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسي الشاملة قبل خوضه الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتهدف الحكومة من مهرجان العلمين إلى خلق حالة ترفيهية تنافس بها مهرجانات ومواسم عربية شهيرة، بغرض الحفاظ على القوة الناعمة المصرية وإعادة تقديمها عبر حفلات تحمل طابع الدعم الحكومي، وفتح المجال أمام دخول الحكومة كراع ومنظم رئيسي للمزيد من الفعاليات التي ترمي إلى الاحتفاء برموزها، لأن المهرجان من المقرر أن يستضيف الموسيقار عمر خيرت وسيمنح جوائز للمتميزين في الفنون عبر مسابقة تم الإعلان عنها بعنوان “العلمين أوردز”.
ويشير حديث وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني إلى أن المهرجان “يعد الأكبر في الشرق الأوسط”، فضلا عن الأبعاد التنافسية مع بعض المهرجانات العربية، والتي تسعى مصر لتكون إحدى محطاتها المحورية السياحية والفنية والرياضية الحديثة، وتصبح العلمين وغيرها من المدن المصرية ضمن الأماكن التي تستضيف دوما مهرجانات ترفيهية ويمكنها أن تجذب أعدادا هائلة من السياح.
وتنظر الحكومة المصرية إلى مدينة العلمين على أنها مشروع قومي، يسهم في الترويج السياحي طوال العام، ومهرجانها الجديد إحدى أدوات قوة مصر الناعمة التي نجحت من قبل في الوصول إلى وجدان وعقل العالم العربي، وهو مناسبة تجمع الثقافة والسياحة والترفيه في وقت واحد، وتجمع أيضا أفضل المبدعين في مجالات عديدة.
ويوحي الإعلان المفاجئ عن تنظيم المهرجان والتركيز الإعلامي عليه بحاجة الحكومة إلى رسم صورة مغايرة عن الأوضاع الداخلية التي تغلب عليها شكوى الكثيرين من الحالة الاقتصادية، وتوافد شرائح من المواطنين على منتجعات الساحل الشمالي يمكن أن يساهم في نجاح المهرجان، ويبرهن أن المدينة جاهزة لاستقبال السكان من جميع الفئات، فالتعامل معها حاليا يقتصر على أنها قبلة للمصطافين الأثرياء.
وقالت علا الشافعي، عضو مجلس أمناء مهرجان العلمين، إن الطبيعة المتنوعة للمدينة بحاجة إلى وجود مهرجان يساعد على تقديمها وتعريف الناس بها على نحو أكبر، وتشمل الاحتفالات مناطق ترفيهية داخل المدينة، وتركز على تقديم بعدها التاريخي باعتبارها من المناطق التي كانت شاهدة على نهاية الحرب العالمية الثانية.
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “المهرجان يركز بنحو أكبر على الاحتفاء بالمدينة والإمكانيات التي تملكها لإقامة الحفلات والمسارح والأماكن الرياضية الممتعة، فضلا عن وجود مناطق معرفية تمنح بعدا رمزيا للمدينة، ويفتح نجاح المهرجان الباب لتكراره في محافظات أخرى تعد وجهات سياحية مهمة وبحاجة إلى التعريف بها أيضا”.
وأكدت إدارة المهرجان الذي يحمل اسم “العالم علمين” أنه يستهدف الترويج للفرص الاستثمارية الواعدة في العلمين، ما يسهم في زيادة النمو وتوفير فرص عمل جيدة.
ويحوي المهرجان أنشطة فنية ورياضية متنوعة، وعروض أزياء عالمية، وبطولة لكرة القدم الشاطئية، وبطولة للتجديف، وبطولة للبادل، وبطولة ترياثلون (سباق ثلاثي)، وتحدي جيت سكي، بمشاركة 700 لاعب من 17 دولة.
وينظم مجموعة من الحفلات الغنائية بمشاركة فرقة كاريوكي وأنغام وراغب علامة ونانسى عجرم وإليسا، والمطرب تامر حسني، حيث يُحيي أولى حفلات المهرجان الغنائية.
ولفتت الناقدة الفنية ماجدة موريس إلى أن هوية المهرجان غير واضحة بشكل جيد، ولم يتضح بعد ما إذا كان تنظيمه يستهدف المواطنين والسياح الذين يقضون إجازة الصيف في منتجعات الساحل الشمالي أم أنه يستهدف جذب المصريين للتعرف على المدينة الجديدة، خاصة أن القائمين عليه يعولون على جذب مليون زائر للمدينة.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “الحكومة المصرية لم تعلن عن تسهيلات لوصول المواطنين إلى أماكن المهرجان، وبرنامجه ليس معروفًا بشكل كامل بما يمنح الفرصة لكل شخص لديه الرغبة في المشاركة بالأنشطة الترفيهية التي تنظم، وأن يحزم حقائبه ويتجه إلى مدينة تبعد عن العاصمة القاهرة حوالي 300 كيلومتر”.
وأشارت إلى أن المهرجان يستمر فترة طويلة (45 يوما) ما يتطلب إقامة طويلة أيضا، وليست معروفة طبيعة التسهيلات التي تدفع إلى البقاء هناك كل هذه الفترة، خاصة وأن القائمين عليه لديهم إمكانيات كبيرة يمكن استغلالها بشكل أكبر لجذب الجمهور والسياح إلى المدينة. وظهور صورة مبهجة عن العلمين في وسائل الإعلام لا يكفي لإقناع الجمهور بالذهاب إليها، كما أن السياح لن يقوموا بحجز رحلات إليها من دون أن تكون لديهم دراية سابقة ببرنامج المهرجان وتفاصيله.
وتعد منتجعات الساحل الشمالي التي تعتبر مدينة العلمين امتدادا لها من أهم أماكن الجذب السياحي في المنطقة العربية عقب تشغيل مطار المدينة، وتستهدف الحكومة المصرية الوصول إلى السياحة الأجنبية، بصورة تدعم رؤيتها لجذب 30 مليون سائح سنويًا.