آي وايواي يجمع في آثاره الفنية بين المرئي والاجتماعي

اكتشف البعض الصينيّ آي وايواي يوم نزل بجزيرة ليبسوس اليونانية ليجسّد موت الطفل السوري أيلان كردي الذي ألقت به الأمواج على شاطئ جزيرة بودروم التركية، تعاطفا مع قضية اللاجئين الهاربين من جحيم الحرب في سوريا، وتنديدا بسكوت العالم عن تلك المأساة، ولكن عشاق الفن المعاصر يعرفونه، فهو أشهر فنان صيني معاصر على الإطلاق.
انتبه إليه الغرب كناشط يناضل ضد انتهاك حقوق الإنسان، في بلد لا يعترف بحرية التعبير كحق يكفله القانون، فعُنّف وسُجن، ووضع بعد التسريح تحت المراقبة، بتهمة “تعكير صفو المجتمع”، لا سيما أن وايواي لا ينفك يبتكر أعمالا مثيرة يبين من خلالها البون الشاسع بين الشعارات المثالية والواقع الملموس في المجتمع الصيني، من جهة الحقوق والحريات.
وكان قد اتبع هذا المنحى النضالي بعد انتقاله إلى نيويورك لدراسة الفنون، واكتشافه مدى احترام المجتمع الأميركي للنقد والرأي الآخر والحريات الفردية بوجه عام، فلما عاد إلى بلاده أيقن أن المراقبة الرسمية ليست فكرة مستقبلية، بل هي واقع ملموس في حياة الصينيين، فانصرف ينتج أعمالا مستفزة خارجة عن المألوف، تعادل أهميتها في الثقافة الشعبية الحديثة ما كان للهيبيز في الستينات والحركات النسائية في السبعينات.
|
استفاد خلال إقامته في أميركا من التقاليد المفهومية والتقليلية، ولكنه، وإن جمع بين الاتجاهين، لم ينسق إلى متعة العين، على غرار جيف كونس، بل سار على خطى دفيد هامونس وروبرت غوبر ودوريس سالسيدو الذين تتسم أعمالهم بضخامة لا تقيم وزنا للمتاحف والأروقة، لأنها تعرض بعيدا عنها، لتجمع بين المرئي والاجتماعي.
نشأ وايواي في وسط مثقف، فأمه كانت كاتبة، وأبوه آي كينغ كان شاعرا معروفا، سجن بسبب أفكاره اليسارية، ثم سجن مرة ثانية بعد قيام جمهورية الصين الشعبية بتهمة انتمائه إلى اليمين خلال الثورة الثقافية، قبل أن تضطر الأسرة كلها إلى العيش طيلة عشرين عاما في قرى متاخمة لحدود كوريا الشمالية، ومزاولة أعمال هامشية وضيعة لكسب القوت، ولم يسمح لها بالعودة إلا بعد وفاة الرئيس ماو عام 1976، وكان آي وايواي قد قارب العشرين عاما، فالتحق بأكاديمية السينما في بيكين، وبدأ ينشط في الساحة الفنية غير الرسمية، فانخرط في فرقة “النجوم” التي كانت تروم القطع مع تدجين السلطة للفن.
سافر عام 1981 إلى الولايات المتحدة، ودرس بشكل متقطع في عدة معاهد، ثم انقطع عن الدراسة لكسب عيشه كفنان شوارع، من هنا بدأ يشق طريقه ويفرض لونه القائم على الإثارة والاستفزاز، هذا النهج الذي أثار حفيظة المحافظين لدى عودته، فمما يذكر أنه قام عام 1995 بتحطيم جرّة يرجع عهدها إلى ألفي سنة، وهي من مآثر سلالة هان العريقة التي تعتبر حقبة هامة في الحضارة الصينية. ورغم أن وايواي سدّد ثمن الجرّة كما حدده المختصون، فإن المحافظين اعتبروا عمله تدنيسا لكل ما يمثل حضارة بلادهم، فردّ عليهم وايواي بقوله: “الجنرال ماو علمنا أننا لا يمكن أن نبني عالما جديدا، إلا إذا حطّمنا القديم”.
|
هذا من جهة أسلوبه في تسجيل حضوره في ذاكرة الفن المعاصر، مع ترويج كل حركاته على المواقع الاجتماعية ولا سيما تويتر وأنستاغرام، أما من جهة إبداعاته الفنية فهي لا تتعدى أحيانا قيامه بأعمال بسيطة تهدف إلى لفت انتباه العالم إلى الأزمات الإنسانية الحادة، أو الاعتماد على فريق عمل لصنع مجسدات ضخمة، كقارب المهاجرين الذين يركبون البحر أملا في النجاة.
وإذا كان بعض النقاد يشكّون في القيمة الفنية لأعمال وايواي ويعتبرون أن شهرته، في الغرب أساسا، متأتية من وضعيته كناشط مُنشق، فإن آخرين يسجلون ما للفن البصري من قدرة على تحريك الأفراد والمجتمعات والأمم للقيام بالواجب، وسلطة على تغيير المجتمع. ويؤكدون أن عدة فنانين داخل الصين معجبون بتجربة وايواي، ومتأثرون بها، مثل هوانغ روي الذي يقوم هو أيضا بأعمال استفزازية تصور علاقة الصين بالغرب، أو كزو كو في إعداداته الضخمة.
صحيح أن ثمة فنانين آخرين يعارضون وايواي، لكونه يصور بلادا لم يعد لها وجود بعد النهضة الممتازة التي تشهدها الصين، ولكن ثمة أيضا فنانون آخرون لا يزالون يعتبرون أن المنشود ليس البذخ والترف، بل حرية الإنسان، وحقه في ممارسة تلك الحرية كما يشاء.
وفي حديثها عن هذا الفنان الصيني المشاغب، كتبت صحيفة “كيوتو جورنال” مؤخرا، تقول “آي وايواي في القرن الواحد والعشرين يشبه بيكاسو في القرن العشرين، فأعماله السياسية والفنية تجد صداها بسرعة في المواقع الاجتماعية وتجعل منه أيقونة الإعلام، لما له من قدرة على الإثارة الصادمة”.