آشتون كارتر الذي تدق مع قدومه طبول الحرب

توقفتُ عند تغريدة مميّزة على موقع “تويتر” ظهرت قبل أيام قليلة، على حساب وزير الدفاع الأميركي الأسبق العجوز دونالد رامسفيلد، أثنى فيها على خيار الرئيس أوباما، بترشيح الدكتور آشتون كارتر لمنصب وزير الدفاع خلفا لتشاك هيغل، معددا المكاسب التي يمكن أن يجلبها الرجل للمنصب، وإلى الولايات المتحدة، قبل أيام كان رامسفيلد يغرّد مهنئا رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل بعيد ميلاده، واصفا إياه بأنه “منقذ الحضارة الغربية”، في إشارة إلى دوره في الحرب على النازية، ترافق هذا مع إصرار دوائر خاصة في الولايات المتحدة، على فضح أداء السي آي إيه، خلال العشرة أعوام الماضية، وممارساتها المخالفة للقانون، المحلي والدولي، خلال التحقيقات التي جرت مع معتقلين مشتبه بهم من القاعدة وغيرها، قبل ذلك بأيام كان الرئيس أوباما يقدّم إلى الكونغرس اسم مرشّحه لحقيبة الدفاع، ولكن شاء أوباما أن يكون القادم الجديد أحد أهم الحاصلين على وسام الاستخبارات العسكرية الأميركية.
الفيزيائي المدرع
آشتون كارتر، المولود في فيلادلفيا في العام 1954، والمتخصص في الفيزياء من أكسفورد، بالغا درجة علمية رفيعة في علومها، الدكتور كارتر أستاذ الفيزياء في هارفارد وستانفورد، هو مرشّح أوباما وزيرا لدفاع الولايات المتحدة للمرحلة القادمة، في حرب أميركا على تنظيم داعش.
في عهد وزيري الدفاع ليون بانيتا وتشاك هيغل، كان كارتر يدير غرفة العمليات العسكرية العليا في البنتاغون، ويشغل منصب نائب وزير الدفاع، مستندا إلى ثقة الرئيس بيل كلينتون فيه، حيث بدأ نشاطه في ملف نزع السلاح النووي من المنظومة السوفييتية وأوروبا الشرقية، لينجح في عمله في أوكرانيا وكازاخستان وروسيا البيضاء، ليكافأ بالترقية إلى منصب مساعد وزير الدفاع لسياسات الأمن الدولي.
"لا أحد يريد أن يكون وزيراً للدفاع" هي العبارة الأكثر ترداداً في واشنطن اليوم، بعد رفض مرشحين سابقين لتولي هذا المنصب
زمن الحرب والمشتريات
تحدثت تقارير عن رغبة شركات السلاح الأميركية بمدّ عمر الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) لأهداف اقتصادية، تتعلق بالمشتريات، في هذه الأثناء تظهر خبرات الوزير الجديد كارتر، من خلال سيرته المهنية التي يبرز فيها عمله كوكيل لوزارة الدفاع لشؤون المشتريات والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية من العام 2009 وحتى العام 2011، أربع سنوات، هي الخطوات التي سبقت زمن الربيع العربي والثورات والحروب في الشرق، كارتر إذا هو الشخص المناسب لضبط هذه المرحلة، وكذلك منحها المزيد من جرعات المرونة، وهو الذي كان مسؤولا عن ميزانية ضخمة بلغت ستمئة مليار دولار سنويا، وعدد مهول من الموظفين من عسكريين ومدنيين في وزارة الدفاع الأميركية يبلغ قرابة المليون ونصف المليون موظفا.
تكنولوجيا القرار الأميركي
برع آشتون كارتر بتكنولوجيا الأسلحة، وأدار شبكات كبيرة لمنظومات وبرامج التسلّح، ورغم أنه ليس عسكريا، ولكنه قاد العسكريين وصنع قرارات تحكمت في خياراتهم إزاء قضايا متعددة، واحتفظ بعلاقات مميّزة مع دول الخليج العربي، بالمقارنة مع موقفه الصارم المضاد لإيران ومشروعها النووي، وبناء على خبراته تلك تم منح كارتر أوسمة عسكرية عديدة، منها وسام استخبارات الدفاع. تزامن إعلان أوباما عن ورقته الصغيرة التي كتب عليها اسم آشتون كارتر وزير دفاعه الجديد، مع تحذيرات وتمريرات المؤسسة العسكرية الأميركية من الأوضاع في الشرق الأوسط، فقد قال الجنرال المتقاعد جون آلن، منسق الأعمال العسكرية والسياسية لقوات التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قبل أيام قليلة، إن التنظيم قد يتمدد إلى لبنان والأردن والسعودية وتركيا، موضحا أن الولايات المتحدة شرعت فعليا في بناء مراكز تدريب للمعارضة السورية المعتدلة في عدد من دول المنطقة.
في الوقت ذاته، كان مبعوث الحكومة الأميركية إلى العراق بريت ماكغورك يؤكد على تصريحات الجنرال آلن بأن تدريب دفعة أولى مؤلفة من خمسة آلاف عنصر من المقاتلين السوريين سيبدأ في مارس من العام 2015 وسيستغرق عاما واحدا.
تزامن ترشيح أوباما لكارتر مع تمريرات عسكريين أميركيين كبار لمعلومات عن تمدد داعش إلى لبنان والسعودية وتركيا
طبول الحرب
لا يملك الرئيس باراك أوباما مكابح تمنع التقدّم في قرار العسكريين الأميركيين بخوض الحرب، بإمكانه تأجيلها قدر الإمكان كما فعل طيلة أربع سنوات في سوريا، ولكنه وجد نفسه مضطرا للرضوخ أمام الضغوط الكبيرة لمحاربة الإرهاب، ويمثّل اختياره للرجل الأقوى في البنتاغون آشتون كارتر، محاولة لإرضاء الجناح الغاضب في الإدارة الأميركية من تراجع نفوذ الولايات المتحدة، وتصاعد التهديد، وتنامي الدور الروسي والإيراني على حساب واشنطن، المزيد من نذر الحرب في الإشارات التي يبثها العسكريون الأميركيون هنا وهناك، مثل تأكيد الجنرال آلن على مطالبة تركيا بإقامة منطقة حظر طيران في سوريا، وأن المباحثات قد بدأت من تلك الأرضية، وأنها مستمرة، ولكنه أضاف أن “الوضع على الأرض في سوريا معقد جدا، ونحاول عبر المباحثات مع الأتراك التوصل إلى نقاط متفق عليها.
لقد بدأت المباحثات بشرط تطبيق منطقة حظر طيران، لكن طبيعة المحادثات تغيّرت الآن، ولا نزال نبحث كيف ستتغير الحملة العسكرية في سوريا، وكيفية دعم المسلحين المعتدلين على الأرض اليوم”.عمل آشتون كارتر في فريق مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس، وكان أحد المقربين منها، والمنحازين للقرارات “الصائبة” كما كانت تسميها، وكان الوزير المرشّح آشتون كارتر قد كتب مقالا مشتركا مع وزير الدفاع الأميركي ويليام بيري على صفحات «النيويورك تايمز» في العام 2006 قال فيه إنه “إذا استمرت كوريا الشمالية في الأعمال التحضيرية لإطلاق صاروخها، فإنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تعلن على الفور نيتها ضرب وتدمير صاروخ كوريا الشمالية تايبودونج قبل أن يتم إطلاقه. ويمكن تحقيق ذلك، على سبيل المثال، بصاروخ كروز يُطلق من غواصة ويحمل رؤوسا شديدة الانفجار، هذا ما يجب على الرئيس بوش فعله”.
وكان كارتر قد اقترح أن تبقى القوات الأميركية في العراق بصورة قوية، وعبّر عن غضبه الشديد حين قرّر الرئيس أوباما في اللحظات الأخيرة إلغاء ضربته العسكرية ضد نظام بشار الأسد، وهو من مشجعي عمليات الاغتيال للتخلص من بعض الشخصيات الإرهابية، ولم يتردّد في التحريض المباشر حين قال: “اليوم لدينا بيرل هاربور آخر.. إنه إدوارد سنودن” في صيغة تهديد ودعوة إلى تصفية موظف الاستخبارات الذي سرّب آلاف الوثائق الأميركية عبر الإنترنت، لذلك فقد توقعت دورية «التايمز» أن يرحّب الجمهوريون في الكونغرس بترشيح كارتر.
لا أحد يريد أن يكون وزيرا للدفاع
هذه هي العبارة الأكثر انتشارا اليوم في واشنطن، بعد رفض مرشحين سابقين تولي هذا المنصب في ظل رئاسة أوباما وفلسفته في التعاطي مع التحديات، ولكن آشتون كارتر قبل العرض، فهل طلب من الرئيس ما يكفي من الصلاحيات ليقبل؟ وهل سيكون بوسعه تطبيق لائحة طويلة من العناوين التي تعبّر عن ذهنيته، والتي جسدتها الكتب التي أصدرها خلال العقود الماضية منذ منتصف الثمانينات؟ فقد أصدر كارتر وشارك في تأليف 11 كتابا حملت عناوين استراتيجية، تتضمن بلا شك الرؤية التي سينطلق منها في مرحلة توليه حقيبة الدفاع، منها “إخراج طاقة الدفاع الصاروخي في الفضاء” في العام 1984 و”الدفاع ضد الصواريخ البالستية” في العام 1984 أيضا، و”إدارة العمليات النووية” و”ما وراء الربح المفاجئ ـ العسكرية والتكنولوجيات التجارية في عالم متغيّر” و”الحفاظ على الوقوف على الحافة ـ إدارة الدفاع للمستقبل” في العام 2001، وغيرها من العناوين اللافتة، التي توحي بأنها تصدر عن عقل سياسي عسكري استراتيجي مختلف، على الأقل عن الصورة التي ظهرت عليها إدارة باراك أوباما التبسيطية لقضايا الصراعات في العالم ودور أميركا فيها.
رحب وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد في تغريدة له على «تويتر» باختيار أوباما لكارتر، قائلا إنه سيحقق الكثير
لكن هذا ليس رأي الجميع، فالبعض في أميركا يعتقد أن أوباما قد اختار الرجل الذي لن يفعل شيئا، يقول كريستوفر هارمر من معهد دراسة الحرب: “كل ما رأيته حتى الآن في الاستراتيجية الأميركية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) كان مجرد رد فعل، ولا أعتقد أن آشتون كارتر سيعمل على تغيير ذلك، مع أنه يحظى باحترام كبير جدا في وزارة الدفاع الأميركية”.
جون ماكين المنتقد الدائم لسياسات أوباما أكد في لقاء مع «فوكس نيوز»، أن آشتون كارتر سيكون مسؤولا وللمرة الأولى عن الملفات الأمنية الأميركية، شارحا أن وزراء الدفاع السابقين كانوا لا يملكون حق اتخاذ القرارات الاستراتيجية رغم أنه من حقوقهم الأصيلة، كما يفرض منطق الجيش، وقال ماكين إن كارتر يمتلك الخبرات الكافية وأن ملفات وقضايا كثيرة وساخنة بانتظاره الآن، مما يتطلب منه الحذر واليقظة، وأن أمامه الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأنه يجب أن يواصل الحرب في مدينة عين العرب ـ كوباني السورية، وكذلك على الجبهة العراقية، وأن يزوّد أوكرانيا بالأسلحة الكفيلة بمواجهة ضغوط روسيا بخصوص شبه جزيرة القرم.
عودة واشنطن
في حال مال كارتر إلى الخيارات المتوقعة، والتي تنسجم مع تاريخه المهني والذاتي، فإن عودة مرتقبة للولايات المتحدة كلاعب فعلي على الساحة العربية ستكون قريبة جدا، ولعل الخيار لم يكن خيار أوباما وحده، فالديمقراطيون بعد هزيمتهم في الانتخابات البرلمانية، يريدون إرضاء الناخبين بأي وسيلة كانت، من أجل الحفاظ على حظوظ مرشحتهم القادمة للرئاسة هيلاري كلينتون بعد انتهاء ولاية أوباما، أو أيا كان ممّن سيطرحون اسمه، فالوقت حان لإيقاف البرود الذي اشتهر به الرئيس الملوّن الأول في تاريخ الولايات المتحدة، والذي أراد لمنصبه ألا تشوبه أي مغامرات تحسب على غيره من السياسيين السود في المستقبل.