آسيا تكافح للتخلص من الفحم رغم حالة الطوارئ المناخية

يقف الخبراء والمنظمات الدولية المعنية بالمناخ على مدى الصعوبات التي تواجهها دول آسيوية متهمة باستهلاك أكثر من 70 في المئة من الفحم على مستوى العالم، وهي تواصل برامجها لتوسيع مشاريعها لإنتاج الطاقة في منطقة تشكل واحدة من أبرز معاقل هذه المواد الملوثة للبيئة في العالم.
سيلغون (إندونيسيا)- يهدد استمرار دول في استخدام الفحم كمادة أولية لتشغيل محطات الكهرباء رغم وعودها بالتخلص منه تدريجيا بتوجيه ضربة لجهود تقليص استخدام المواد المضرة بالمناخ مع تحول العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وتعد محطة الطاقة الكبيرة التي تعمل بالفحم في سورالايا في إندونيسيا والأبخرة السامة الكثيفة المتصاعدة منها مثالا على الصعوبات التي تواجه بلدان آسيا التي ما تزال اقتصاداتها تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتحقيق التحول إلى مصادر نظيفة للطاقة الضروري لإنقاذ البيئة.
وتستهلك منطقة آسيا والمحيط الهادئ ثلاثة أرباع الفحم المُنتج عالميا، فيما تتعرض المنطقة بشكل خاص لتأثير تغير المناخ مع مستويات من التلوث تسبب وفيات في الهند أو موجات قيظ شديدة وحرائق غابات في أستراليا.

تاتا موستاسيا: نحن نتحرك أبطأ بكثير من تأثير تغير المناخ والوقت ينفد
ويرى الخبراء أن الوعود التي قطعتها الصين ودول أخرى بتحقيق حياد الكربون تثير الآمال في مستقبل أنظف، لكن المنطقة شرعت في انتقال بطيء جدًا نحو مصادر الطاقة المتجددة.
ويقول تاتا موستاسيا من منظمة السلام الأخضر الإندونيسية لوكالة الصحافة الفرنسية “نحن نتحرك أبطأ بكثير من تأثير تغير المناخ. الوقت ينفد”.
ويبدو أن إحداث تغيير أمر شاق بشكل خاص في المنطقة وهي واحدة من آخر معاقل استخدام الفحم، مصدر الطاقة الأكثر تلويثا.
ويفيد تقرير نشرته مبادرة تعقب الكربون أن 5 دول آسيوية هي الصين والهند واليابان وإندونيسيا وفيتنام تنفّذ 80 في المئة من مشاريع محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم في جميع أنحاء العالم. ولا يبدو أن الوعود الأخيرة بوقف إنشاء وتمويل محطات جديدة ستؤثر على العديد من المشاريع الجاري تنفيذها.
وتشكل محطة الطاقة العملاقة التي تعمل بالفحم في سورالايا في جزيرة جاوة الإندونيسية، وهي واحدة من أكبر محطات الطاقة في جنوب شرق آسيا، مثالًا واضحًا على هذا التحدي.
وتستهدف إندونيسيا تحقيق الحياد الكربوني في 2060 وتريد التوقف عن بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم اعتبارا من 2023، لكن مشروع توسعة محطة الطاقة هذه الذي تبلغ قيمته 3.5 مليار دولار قائم.
ويساهم الفحم بنسبة كبيرة في انبعاثات الكربون في العالم ما يجعله تهديدًا كبيرًا لجهود الحد من ارتفاع درجة الحرارة بنحو 1.5 درجة، وهو الهدف الذي حددته اتفاقيات باريس عام 2015.
ويتهم سويرو وهو صياد من المنطقة هذه المحطة بالتسبب في انخفاض أعداد ونوعية الأسماك في السنوات الأخيرة. ويقول “كنت أصطاد 100 كيلوغرام من الأسماك في كل مرة أخرج فيها إلى البحر. لكن منذ أن صارت المنطقة ملوثة جدًا، نشعر بالسعادة عندما نصطاد 10 كيلوغرامات”.
ووفقا لمنظمة الحلول المناخية غير الحكومية يستفيد مشروع توسعة محطة سورالايا من 1.9 مليار دولار من التمويل العام الكوري الجنوبي والدعم من شركة الكهرباء الكورية الجنوبية العملاقة (كيبكو). وهذا على الرغم من تعهد سيول بوقف تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم خارج البلاد.
ويقول متحدث باسم كيبكو لوكالة الصحافة الفرنسية، لم تذكر هويته، إن المشروع المقرر الانتهاء منه في عام 2024 ويُفترض أن يعمل طيلة عقود لم يتأثر بالحظر لأنه بدأ قبل ذلك.
ويؤكد سيجونغ يون من منظمة الحلول المناخية الكورية الجنوبية أن الحكومات “التزمت بعدم تعميق المشكلة، لكن ليس لديها بالفعل خطة تتيح لها الخروج” منها.
وتهدف الصين، أكبر منتج للانبعاثات في العالم، إلى بلوغ الحياد الكربوني في عام 2060، وأعلنت الشهر الماضي أنها ستتوقف عن تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الخارج، من دون تحديد مصير المشاريع الجارية.

لكن ما يقرب من 60 في المئة من اقتصادها يغذيه الوقود الأحفوري، وطلبت السلطات مؤخرا من المناجم زيادة إنتاجها في مواجهة أزمة الطاقة. كما وعدت اليابان بتعزيز الضوابط على تمويل محطات الطاقة في الخارج، لكن من دون التخلي التام عنها.
وتطالب البلدان النامية بمزيد من المساعدات لتقليل انبعاثاتها، بينما لم تحافظ الدول الغنية على التزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا من أجل التحول في مجال الطاقة.
ومع اقتراب قمة المناخ (كوب 26) تطلب الهند، ثاني أكبر مستهلك للفحم في العالم، مزيدًا من التمويل لتطوير الطاقات المتجددة ومعالجة تغير المناخ. وترفض نيودلهي حتى الآن تحديد موعد نهائي لتحقيق حياد الكربون وتريد مواصلة الاستثمار في مناجم الفحم.
ويقول كارلوس فرنانديز ألفاريز، كبير المحللين في وكالة الطاقة الدولية، إنه للمضي قدما يجب على الدول المتقدمة تبني نهج بناء مع الدول الفقيرة. ويضيف أن “المسألة ليست مجرد أن يقال لهذه البلدان أن تغلق محطاتها التي تعمل بالفحم. بل علينا أن نقدم لها الحلول. نحن بحاجة إلى سياسات وتمويل وتقنيات”.
وعلى الرغم من الصعوبات هناك بوادر إيجابية مثل إعلان العديد من المؤسسات المالية في آسيا إنهاء الاستثمار في الفحم. ومن ثم تخطط الصين لزيادة حصة الوقود غير الأحفوري في استهلاكها من 16 في المئة حاليا إلى 20 في المئة بحلول 2025.
وبحسب تقارير وكالة الطاقة الدولية، تعهدت الهند بمضاعفة قدرتها في مجال الطاقة المتجددة أربع مرات بحلول عام 2030. لكن نشطاء المناخ يطالبون بتحرك أسرع. ويقول موستاسيا إن “الكوارث الطبيعية المتعلقة بالمناخ تحدث منذ الآن في كل مكان في آسيا”.

5 دول آسيوية تنفّذ 80 في المئة من مشاريع محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم