"آخر شتا".. دراما خليجية تعطي مساحة للتجريب

مسلسل للمسرحي السعودي فيصل العميري يدور في إطار اجتماعي بوليسي حول رجل وزوجته يؤسسان معا دارا للأيتام تضم عددا من الأطفال الذين بلا أهل.
الخميس 2018/11/01
أحداث متشعبة وسياقات متعددة

خاض المخرج والفنان المسرحي السعودي فيصل العميري تجربته الإخراجية الأولى في الدراما التلفزيونية من خلال مسلسل “آخر شتا” الذي عرض أخيرا على قناة “أو.أس.أن ياهلا” الإماراتية، وهو مسلسل اجتماعي لا يخلو من التجريب.

عرضت قناة “أو.أس.أن ياهلا” الإماراتية مؤخرا المسلسل الخليجي “آخر شتا” للمسرحي السعودي فيصل العميري في تجربته الإخراجية الأولى في الدراما التلفزيونية، وشارك في المسلسل الذي كتبه السيناريست فيصل البلوشي، مجموعة من نجوم ونجمات الخليج، من بينهم حسين المهدي ومحمد صفر وحمد أشكناني ويوسف البلوشي وعبدالله الزيد وعبدالله الطليحي وروان الصايغ ومحمد المسلم وعبدالله البلوشي وغادة الزدجاني.

ويدور العمل في إطار اجتماعي بوليسي حول رجل وزوجته يؤسسان معا دارا للأيتام تضم عددا من الأطفال الذين بلا أهل، ولأن الزوج قد عاش حياة اليتم وهو صغير فقد قرر أن يتبنى هؤلاء الأطفال واعتبارهم أبناؤه إلى جانب ابنته الوحيدة.

ولا يستغرق المسلسل كثيرا في التفاصيل المرتبطة بفكرة التبني أو المرحلة العمرية المبكرة لهؤلاء لأطفال المتبنين، إذ تقفز الأحداث بداية من الحلقة الأولى بعد موت أمهم بالتبني لنراهم وقد أصبحوا خمسة من الشباب يجمع بينهم الود والتآلف رغم اهتماماتهم وميولهم المختلفة، هؤلاء الشباب هم سيف وصالح وغازي وماجد وفيصل، بالإضافة إلى الابنة الشرعية لأبيهم بالتبني عبير. وتبدأ الأحداث في استعراض علاقة هؤلاء الشباب مع بعضهم البعض، وعلاقتهم مع أبيهم إبراهيم الذي يؤدي دوره المخرج فيصل العميري.

يقيم الإخوة الخمسة في بيت واحد ويشق كل منهم طريقه في الحياة بأسلوب مختلف عن الآخر، فنرى فيصل كواحد من نجوم التواصل الاجتماعي الذي تسعى بعض الشركات لتوظيف شهرته للدعاية لها، بينما يتجه صالح الذي يلعب دوره الفنان حسين المهدي -وهو أكثرهم تهورا- للبحث عن أي فرصة مواتية لكسب المال، حتى لو كانت عن طريق الاحتيال، بينما ينصب اهتمام ماجد (حمد أشكناني) على الدراسة وتحصيل العلم، في حين يعمل سيف (يوسف البلوشي) محاميا، أما غازي فيعمل ممرضا.

بداية من الحلقة الثامنة تتخذ الأحداث منحى آخر، إذ تُقتل عبير التي تلعب دورها الفنانة العمانية غادة الزدجالي والتي تظهر أيضا في المسلسل بدور الأم، ويسعى الأب إبراهيم إلى البحث عن قاتل ابنته للانتقام منه، وتحوم الشبهات حول رجل الأعمال “هاني” الذي يلعب دوره الفنان الكويتي علي الحسيني والمتورط بدوره في جريمة قتل أخرى يحاول الضابط (عبدالله الطليحي) فك طلاسمها.

خاتمة المسلسل تم بناؤها وفقا لرؤيتين، الأولى تنتهي على نحو مأساوي، في حين تقترح الثانية نهاية سعيدة للأحداث

تؤثر هذه الحادثة على إخوة عبير، إذ ينفرط عقد الأخوة في ما بينهم بعد هذه الحادثة، فيبحث كل واحد منهم عن حياته الخاصة بعيدا عن الآخرين بعد أن كان يجمعهم بيت واحد، فيعثر فيصل على سبيل المثال على أسرة بديلة تعرض عليه اتخاذه ابنا لها، بينما يتجه أخوهم صالح إلى البحث عن امرأة غنية يتزوجها، ويستغرق سيف في علاقة غرامية تنتهي بالزواج من صديقة أخته عبير التي تؤدي دورها الفنانة العراقية روان مهدي وهي فتاة تعاني من إعاقة جسدية، ويستقل الآخرون كذلك بحياتهم.

ويتابع المسلسل قصة كل واحد من هؤلاء الإخوة، وكيف واجه الحياة بمفرده، وكيف تعايش مع فكرة ابتعاده عن الأسرة التي تربى في كنفها، خاصة مع مرض الأب وشدة احتياجه إليهم.

الأحداث متشعبة وتتفرع إلى سياقات أخرى مختلفة كحكاية خليفة (عبدالله الزيد) الذي يدمن تعاطي الخمور، أو أيوب (علي كريم) الذي يطرد من وظيفته بسبب عجزه، ويعاني من أجل الإنفاق على ابنته الوحيدة، ورجل الأعمال هاني الذي استلم أعمال والده ويتعامل مع موظفيه بصلف ومنافسيه بقسوة سيحصد نتائجها لاحقاً.

المسلسل به مساحة من التجريب، فقد تم تصويره بأسلوب السينما، كما أن مستوى أداء الممثلين بدا جيدا، فقد استطاع كل منهم استعراض قدراته التمثيلية من خلال الدور الذي أسند إليه، وإن اتسم بعض الأداء أحيانا بالمبالغة.

ويجب الإشارة هنا أيضا إلى خاتمة المسلسل التي تم بناؤها وفقا لرؤيتين، في الرؤية الأولى تنتهي الأحداث على نحو مأساوي، فيتفاقم مرض الأب ويموت في النهاية، بينما يقتل فيصل، ويستسلم خليفة لليأس ويقدم على الانتحار للتخلص من إدمانه ومن شعوره بالذنب لموت زوجته، أما الرؤية الثانية فتفترض نهاية سعيدة للأحداث، أو على الأقل أخف حدة، فيتم شفاء الأب ويلتئم شمل الأسرة من جديد، بينما يتخلى خليفة عن فكرة الانتحار ويتجه إلى الكتابة الأدبية.

ولكن رغم هذا الميل إلى التجريب، إلاّ أن خلفية مخرج العمل فيصل العميري المسرحية كانت حاضرة في تشكيل السياق العام للعمل، فالمسلسل يدور في إطار اجتماعي بوليسي ويتضمن أحداثا مثيرة وينطوي على بعض الألغاز والمفاجآت التي تثير المشاهد، لكننا نجد أنفسنا، بدلا من الاستمتاع بتسارع الأحداث، في مواجهة أداء مسرحي كلاسيكي، فهناك استعراض مبالغ فيه في الأداء التمثيلي للمشاركين، وتعمد ظاهر لاستدرار تعاطف ودموع المشاهدين عبر التركيز على فكرة اليتم أو الفقد والعجز الجسدي في مشاهد كثيرة ومطولة، مشاهد أخذت من مساحة العمل حيزا لا تستحقه.

ويبدو أن الإمعان في المط والتطويل في مثل هذه المشاهد كان هدفه الوحيد هو الإطالة فقط، ما أفقد العمل الحيوية المفترضة في مثل هذا السياق البوليسي.

وفي المسلسل أيضا ثمة إسهاب ومبالغة في استخدام أسلوب الحركة البطيئة إلى حد كبير، كما أن هناك العديد من الحوارات والمشاهد التي بدت بلا معنى.

وكان يمكن للعمل إذا ما تم اختصار حلقاته إلى النصف مثلا أن يحدث فرقا، غير أن رغبة الشركة المنتجة في الالتزام بعدد حلقات معينة كان السبب على ما يبدو في حالة المط والتطويل المتعمدة في المسلسل، كما تجدر الإشارة هنا أيضا إلى الموسيقى التصويرية المصاحبة للعمل، والتي تم الإفراط في توظيفها على نحو أفقدها دورها وتأثيرها، فبدت مثيرة للملل أحيانا وغير مناسبة في أحيان أخرى.

16