آبي أحمد يحشد الشارع لمواجهة الضغط الدولي بشأن تيغراي

أعلنت الحكومة الإثيوبية حالة الطوارئ وطلبت من السكان تنظيم أنفسهم للدفاع عن المدينة والحشد لمظاهرات، فيما يبدو محاولة من رئيس الوزراء آبي أحمد لاكتساب تأييد شعبي أمام الغرب الذي يطالبه بالتوصل إلى حلّ مع متمردي تيغراي ووقف نزيف الدماء.
أديس أبابا - تظاهر مئات الآلاف من الأشخاص في عدة مدن إثيوبية الأحد ضد متمردي تيغراي، في احتجاجات نظمتها الحكومة بهدف توجيه رسالة إلى الدول التي دعت إلى وقف العنف، بأن آبي أحمد يحمل تفويضا شعبيا للقتال مع تقدم المسلحين المعارضين صوب أديس أبابا وإعلانهم أن رئيس الوزراء هو هدفهم.
وخرج متظاهرون في مسيرات سلمية عبر شوارع العاصمة وغيرها من المدن، لإبداء الدعم للجيش في مواجهة “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” المتمردة، التي تقاتل من أجل المزيد من الحكم الذاتي في منطقة تيغراي الشمالية.
وتزايدت الدعوات الدولية خلال الأيام الماضية، للتوصل إلى حل من أجل وقف إطلاق النار في إثيوبيا، بعد أن مارست جبهة تحرير تيغراي وحلفاؤها المزيد من الضغوط على الجيش الإثيوبي في المناطق الوسطى من البلاد.
ودعت دول عدة رعاياها إلى مغادرة إثيوبيا في وقت يشهد النزاع بين المتمردين والقوات الحكومية في شمال البلاد تصعيدا. وأمرت الحكومة الأميركية السبت، دبلوماسييها غير الأساسيين بمغادرة إثيوبيا.

غيتاشيو رضا: نريد التأكد من أن آبي أحمد لا يشكل تهديدا لشعبنا
وتضغط الولايات المتحدة على الشركاء الإقليميين لإيجاد مخرج تفاوضي، حيث وصل جيفري فيلتمان المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي إلى إثيوبيا الخميس لإجراء محادثات مع آبي من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، الذي يبدو أنه مطلب صعب التحقيق لأن أحمد يحضر للدفاع والهجوم المضاد الذي يمكن أن تكون له نتائج إنسانية كارثية على البلاد، وقال في كلمة له “الحفرة التي تم حفرها ستكون عميقة للغاية وستكون مدفنا للعدو..”.
وعلى الضفة الأخرى نفى متمردو إقليم تيغراي احتمال حصول “حمام دمّ” في أديس أبابا في حال دخلوا إليها لإسقاط الحكومة، مؤكدين أن هدفهم ليس السيطرة على العاصمة وأن سكانها “لا يعارضونهم بشدة”.
وبعدما أعلنوا في نهاية الأسبوع الماضي استعادتهم مدينتين استراتيجيتين على مسافة 400 كلم من العاصمة، لم يستبعد مقاتلو الجبهة وحلفاؤهم من جيش تحرير أورومو الزحف نحو أديس أبابا.
ورغم أن الحكومة تنفي أي تقدّم للمتمردين أو تهديد للعاصمة. إلا أنها أعلنت حالة الطوارئ وطلبت سلطات أديس أبابا من السكان تنظيم أنفسهم للدفاع عن المدينة، وتجمّع الأحد عشرات الآلاف من سكان العاصمة في ساحة ميسكل الشهيرة وتعهّدوا بالتصدي للمتمردين.
لكن المتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي، غيتاشيو رضا اعتبر أن “القول بأن سكان أديس أبابا يعارضوننا بشدة، مبالغ فيه”.
وأضاف “أديس أبابا بوتقة يعيش فيها أناس من كافة الاهتمامات، والقول إنها ستتحوّل إلى حمام دمّ إذا دخلناها أمر سخيف جدا. لا أعتقد أن هذه الفرضية تتمتع بالصدقية”.
وأكد رضا أن السيطرة على العاصمة ليست “هدفا”. وقال “لسنا مهتمّين بشكل خاص بأديس أبابا بل نريد التأكد من أن آبي لا يشكل تهديدا لشعبنا”. وأشار إلى أنه في حال لم يرحل رئيس الوزراء فالمتمرّدون سيسيطرون “بالطبع” على المدينة.
وأوضح أن المتمردين يتقدّمون نحو الجنوب و”يقتربون من أتاي” التي تبعد 270 كلم شمال العاصمة، وكذلك نحو الشرق باتجاه ميل الواقعة على الطريق المؤدي إلى جيبوتي الأساسي لإمدادات أديس أبابا.
لكن جبهة تحرير شعب تيغراي لا ترغب في استعادة السلطة، بعدما حكمت بقبضة من حديد بين 1991 و2018.
وقال “يمكنني أن أؤكد لكم أن ذلك لا يهمّنا”. وأضاف “نريد ببساطة أن نتأكد من أن صوت شعبنا مسموع، ومن أنه يمارس حقّه في تقرير مصيره، خصوصا عبر تنظيم استفتاء لتقرير ما إذا كان يريد أن يبقى في إثيوبيا أو أن يصبح مستقلا”.
وهيمنت جبهة تحرير شعب تيغراي على الأجهزة السياسية والأمنية في إثيوبيا لحوالي ثلاثين عاما، بعدما سيطرت على أديس أبابا وأطاحت النظام العسكري الماركسي المتمثل بـ”المجلس العسكري الإداري المؤقت” في 1991.
وأزاح آبي أحمد الذي عُيّن رئيسا للوزراء في 2018، الجبهة من الحكم فتراجعت هذه الأخيرة إلى معقلها تيغراي.
وبعد خلافات استمرّت أشهرا، أرسل أحمد الجيش إلى تيغراي في نوفمبر 2020 لطرد السلطات الإقليمية المنبثقة عن جبهة تحرير شعب تيغراي، التي اتّهمها بمهاجمة قواعد عسكرية.
وأعلن انتصاره في نوفمبر، ولكن في يونيو استعاد مقاتلو الجبهة معظم مناطق تيغراي وواصلوا هجومهم في منطقتي عفر وأمهرة المجاورتين.
وتبدو المفاوضات التي دعت إليها الأسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، مستحيلة في الوقت الراهن.
فمن جانب المتمردين، أكد رضا أن جبهة تحرير شعب تيغراي “مستعدّة للتفاوض حتى مع الشيطان”، إلا أنه قال “لا يمكننا التفاوض مع طرف يريد أن يبقي سيطرته على شعبنا”.
ورفض المتحدث باسم المتمردين أيضا الشروط التي طرحتها الحكومة بالانسحاب من عفر وأمهرة، معتبرا أن “ليس هناك أي فرصة” لتتحقق.
ومن جانب الحكومة، اتّهمت رئيسة بلدية أديس أبابا أدانيش أبيبي في خطاب “أعداء” إثيوبيا بأنهم يحاولون “ترويع سكاننا”. وانتقدت الحكومة الأميركية التي قامت الأسبوع الماضي بإلغاء امتيازات تجارية ممنوحة لإثيوبيا، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان في حملتها العسكرية في إقليم تيغراي.
وقالت “إن كانت المساعدات والقروض ستجردنا من حريتنا، وإن كانت ستقودنا للتضحية بحريتنا، فلن نضحي بحريتنا”. وأكدت أن المكان المناسب لجبهة تحرير شعب تيغراي “هو الجحيم”.
وحمل المتظاهرون الأحد لافتات تنتقد وسائل الإعلام الغربية لبثها “أخبارا كاذبة” والمبالغة في المكاسب التي حققها المتمردون. وحثّت لافتات أخرى الولايات المتحدة على “التوقف عن مص دمائنا”.
وأكد مشاركون في التجمع أنهم ليسوا خائفين من جبهة تحرير شعب تيغراي. وقال أحدهم واسمه كيبدي هايلو “لن يأتوا إلى أديس أبابا لأنني أعتقد أن الجيش سيدمرهم”. وأضاف “لن تكون هناك أي مفاوضات إنهم إرهابيون يجب دفنهم وتدميرهم”.
عدة دول دعت رعاياها إلى مغادرة إثيوبيا في وقت يشهد النزاع بين المتمردين والقوات الحكومية في شمال البلاد تصعيدا
ومن الفاتيكان دعا البابا فرنسيس الأحد إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع في إثيوبيا. وقال البابا “أتابع بقلق الأخبار التي تصل من منطقة القرن الأفريقي، ولاسيما من إثيوبيا التي يهزها صراع مستمر منذ أكثر من عام ويتسبب في وقوع العديد من الضحايا وأزمة إنسانية خطيرة”.
وأضاف الحبر الأعظم بعد صلاة الأحد التقليدية في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان “أجدد ندائي ليسود الوئام الأخوي والدرب السلمي للحوار”.
كما دعت ست عشرة دولة السبت، إلى مساءلة جادة للمسؤولين عن ارتكاب “انتهاكات حقوق الإنسان” في إثيوبيا والتحقيق فيها.
وجاء ذلك في بيان مشترك، نشر على موقع الخارجية الأميركية، بشأن التقرير المشترك الصادر عن لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية ومكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
ووقع على البيان كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والدنمارك وفنلندا وأيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ والنرويج والسويد.
وحث البيان “جميع الأطراف على وقف الأعمال العدائية على الفور والدخول في مفاوضات دون شروط مسبقة، بشأن وقف دائم لإطلاق النار والالتزام بتحقيق سلام دائم في البلاد”.
وأعربت الدول عن “قلقها” إزاء “القيود المستمرة على وصول المنظمات الإنسانية” إلى مناطق في إثيوبيا.