آباء يفسدون سلوكيات أبنائهم بتبرير تصرفاتهم

الثقة الزائدة بالأبناء لا تقل خطورة عن القسوة والصرامة في التربية.
السبت 2021/01/30
اختلاق أعذار للطفل يوجّهه نحو السلوك الخاطئ

يتجاهل الكثير من الآباء والأمهات محاسبة أطفالهم على سلوكيات خاطئة يقترفونها في حقهم وفي حق المحيطين بهم سواء من المقربين أو الأصدقاء. فهم لا يتقبلون فكرة أن يقترف أبناؤهم بعض الأخطاء كالتلفظ بالكلام البذيء أو عدم احترام كبار العائلة والجيران. وعوض محاولة تصحيح هذه السلوكيات وتغيير أسلوب التربية الذي يتبعونه، يسعى الآباء لتبرير الأخطاء التي يرتكبها أبناؤهم بإلقاء اللوم على الطرف الآخر.

لندن - تحرج أخطاء الأبناء وسلوكياتهم المنحرفة الآباء والأمهات. وفي حين يحاول أغلبهم تصحيحها وتربية الأطفال على تجنبها، يسعى آخرون إلى عدم تقبلها وإيجاد أعذار لهم من منطلق أن هذه الأخطاء تعتبر خللا في التربية لا يعترفون به، ويرونه يمس من خطهم التربوي ويشكك في قدرتهم على التحكم في سلوكيات أبنائهم وتوجيههم نحو الطريق الصحيح.

وتندفع الكثير من الأمهات إلى الدفاع عن أبنائهن ويختلقن الأعذار والمبررات لسلوكياتهم وتصرفاتهم المتهورة مهما بلغت خطورتها. وأكد خبراء التربية أن هذا الأسلوب الدفاعي اللاواعي في الكثير من الأحيان له تأثيرات سلبية على الطفل، ونصحوا بضرورة مواجهة الطفل بخطئه، وتعويده على تحمل مسؤولية تصرّفاته، حتى ينشأ مسؤولاً ومتوازنا ولحمايته من أضرار اختلاق الأعذار والمبرّرات على شخصيته في المستقبل.

وأشار الخبراء إلى أن اختلاق أعذار للطفل يوجّهه نحو السلوك الخاطئ، منبهين من أن الأمهات قد يختلقن أعذاراً لأخطاء أبنائهن لأنهن يرغبن في أن يظهروا بمظهر الأطفال المهذبين الجيدين، مشددين على أنه لكي يصبح الطفل مهذبا وجيّدا فإن على الأبوين توجيهه نحو السلوكيات الصحيحة. أما عندما يختلقان الأعذار والمبررات لأخطائه، فإنهما بهذه الطريقة يدفعانه نحو ارتكاب المزيد من السلوكيات الخاطئة، وهذا يجعله شخصا غير جيد.

وقال المختصون إن اختلاق الأعذار والمبرّرات الواهية لأخطاء الطفل يسبّب تراكم المشاعر السلبية مثل الغضب والحقد داخل الآخرين تجاهه. وتظهر هذه المشاعر السلبية بعد مرور زمن، مما يؤثر سلبا على تواصله مع المحيطين به في الوسط المدرسي والاجتماعي وقد يؤدي إلى نبذ الطفل وعزلته.

كما أكد المختصون أن اختلاق الأعذار للطفل ينشئ شخصا يلقي باللوم على الآخرين، ويعتاد على أن كلّ تصرّف خاطئ منه تقابله مبررات وأعذار تحجب عنه تحمّل المسؤولية، وبالتالي ينشأ شخصاً لا يعترف بخطئه، ويفضّل إلقاء اللوم على الآخرين، وهذا النوع من الأشخاص غير محبوب طبعا.

وشدد أخصائيو علم نفس الطفل على ضرورة اقتناع الآباء والأمهات بأن طفلهم يمكن أن يخطئ كأي طفل آخر، وهو أمر طبيعي يحدث في كل لقاء يجمع الأطفال، حيث يرتكبون الأخطاء في حق أنفسهم أو غيرهم، ولا يتطلب هذا الأمر المسارعة في تبرير تلك الأخطاء وإلقاء اللوم على أطفال غيرهم، لافتين إلى أن هذه الطريقة في التربية لها انعكاسات سلبية على تكوين شخصية الطفل وعلى قدرته على تحمل مسؤولية الأخطاء التي يرتكبها، وقد تجعله في الكثير من الأحيان يتبنى سلوكيات منحرفة تلازمه مدى الحياة كاحتراف الكذب أو السرقة.

تغليب العاطفة على العقل في تربية الأبناء والتعامل معهم يتسبب في تدمير الطفل وعدم قدرته على مواجهة المجتمع

وأكدت المختصة السعودية في علم النفس هبة ناصر أحمد بدوي أن بعض الأمهات يندفعن إلى الاعتداء على أبناء الآخرين في المناسبات الأسرية أو المتنزهات والأماكن العامة حين يخطئون، ويبررن ذلك بأن أطفالهن لا يمكن أن يرتكبوا الأخطاء، مشددة على ضرورة أن يتجنب الوالدان تبرير تصرفات الطفل دائماً، ولا بد من تعديل السلوك الخاطئ حتى لو كان أمام الآخرين، ولكن بطريقة جيدة لا تجرح الطفل، بل لا بد أن تظهر للطفل خطأه، وعدم تبريره بشكل يجعله يتمادى في التصرفات والسلوكيات الخاطئة، ولا يميز بين الصواب والخطأ، فعلى الوالدين أن يرشدا الأبناء بطريقة سليمة تربوية صحيحة.

وأضافت أن هناك سلوكيات تنتج من الأبناء حال تكرار جملة التبرير تلك، فقد يزيد الطفل من التصرفات والسلوكيات الخاطئة عمدا واستنادا إلى أن الوالدين قد يدافعان عنه في جميع الحالات.

ولفتت إلى أنه في بعض الحالات قد يظهر بعض الأبناء سلوكا عكسيا إيجابيا، لأنهم يحاولون إثبات أنّهم أفضل الأبناء، فعلى الطفل أن لا يكرر هذا التصرف مرة أخرى، حيث أن جملة التبرير قد تغير سلوكه وتجعله يظهر الإيجابيات ويخفي السلبيات والسلوكيات الخاطئة، إلا أن الأغلبية قد يتمادون في إظهار السلوك السيء، ويعاندون مستندين إلى دفاع الوالدين عنهم حتى في السلوك الخاطئ.

وكشف علماء النفس أن اعتبار الأبناء خالين من الأخطاء والعيوب خطأ يقع فيه الكثير من الآباء والأمهات، كما أن ثقتهم الزائدة لا تقل خطورة عن القسوة والصرامة، منبهين إلى أن المغالاة في الرعاية والدلال تجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين، أو تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة.

وقالوا إن تغليب العاطفة على العقل في تربية الأبناء والتعامل معهم يتسبب في أحيان كثيرة في تدمير الطفل وعدم قدرته على مواجهة المجتمع وأنظمته التي تمنعه من التصرف على هواه.

وأوضح المختصون أن اختلاق أعذار للطفل يحرمه من الشعور بالندم على خطئه، لافتين إلى أن الطفل يحتاج إلى الشعور بالندم حتى يدرك خطأه ويحاول عدم تكراره مرّة أخرى. أما عندما يسمع أمه تدافع عنه وتختلق له أعذارا في محاولة منها لتجنب الإحراج الذي سببته لها تصرفاته، فإنه لا يشعر بالندم لأنه لا يرى أنه مخطئ أصلاً، حتى إن تكرار أسلوبه يميت داخله الضمير والواعز الأخلاقي، فيرتكب الأخطاء من دون أن يفكر في تصرفاته أصلا لأن المبررات والأعذار متوفرة طول الوقت.

وكشفت دراسة بريطانية أن الشعور بالندم له دور مهم في مساعدة الأطفال على اتخاذ قرارات أفضل، وخلصت إلى أنه بدءا من سن السادسة قد يشعر بعض الأطفال بالندم، لكن هؤلاء الذين ينتابهم هذا الشعور يتميزون بقدرة أكبر على اتخاذ القرارات السليمة.

وقال الأستاذ بكلية كوينز للدراسات النفسية والمشرف على الفريق البحثي المعد للدراسة، أديان فيني إن “دراستنا ترجح أن تطوير القدرة على الشعور بالندم قد تكون له أهمية كبيرة”.

وأضاف أن الشعور بالندم قد يكون قيمة مهمة لتطور الأطفال وذلك بسبب دوره في اتخاذ القرار. وتابع “لا نعني هنا بالضرورة أن يعرض المعلمون والوالدان الأطفال لتجارب ندم حقيقية بشكل مباشر”. إلا أنه أوضح أن الشعور بالندم يمكن توصيله للأطفال عن طريق شرح كيف يمكنهم تحقيق نتائج مختلفة عما وصلوا إليه إذا اتبعوا خيارات مختلفة في قراراتهم، وما يمكن أن يجنوه من فوائد من تلك الخيارات.

21