العراق يرحّل مآسيه إلى 2017

بغداد - دخلت سنة 2016 ساعاتها الأخيرة ولا تزال المعركة مع تنظيم داعش في العراق على أشدّها في مدينة الموصل، فيما لا يزال عدد آخر من مناطق البلاد التي خلّفتها جهود التحرير تحت تهديدات التنظيم المتشدّد الذي يذهب أغلب المحلّلين العسكريين والسياسيين إلى أنّ الحرب عليه يمكن أن تفضي خلال النصف الأول من سنة 2017 إلى إنهاء سيطرته على المناطق العراقية بما فيها الموصل، دون أن تكون حاسمة في إنهاء وجوده بشكل كامل ومنع تحوّل عناصره إلى عصابات صغيرة وخلايا محدودة العدد تستخدم خبرتها العالية في التفخيخ والتفجير، واستعداد عناصرها للانتحار لمواصلة إرباك الوضع الأمني في البلد ومنع استقراره.
ولدى إطلاق حملة الموصل منتصف أكتوبر الماضي، تعاملت دوائر صنع القرار السياسي والعسكري والإعلام الرسمي التابع لها بحماس مفرط مع الحدث مقدّمة وعودا بحسم سريع للمعركة، لكن الظروف الميدانية تشي بأن ذلك لن يتحقّق قبل أشهر.
وإلى حدود، الجمعة، مازالت القوات العراقية تواجه مقاومة شرسة من مقاتلي تنظيم داعش الذي تمترس بين المدنيين ودشّن معركة انتحارية ألقى فيها بكل ثقله.
|
ومنذ بداية العملية قبل عشرة أسابيع استعادت القوات المدعومة من الولايات المتحدة 25 بالمئة من الموصل آخر معقل رئيسي لداعش في العراق في أكبر معركة برية هناك منذ الغزو الأميركي للبلاد قبل حوالي ثلاث عشرة سنة.
وكانت القوات الخاصة قد اقتحمت المدينة من الشرق في أكتوبر الماضي لكن قوات الجيش النظامي المكلفة بالتقدم من الشمال والجنوب حققت تقدما أبطأ، مما أخّر تقدم العملية ككل.
وعانى العراقيون خلال السنة المنقضية، تبعات الحرب على تنظيم داعش، وانخرام الوضع الأمني عموما، وواصلوا تشييع قتلاهم الذين سقط بعضهم في جبهات القتال، والبعض الآخر إعداما بدم بارد على يد التنظيم، أو في تفجيرات انتحارية داخل المدن على رأسها العاصمة بغداد.
كما لم يسلم العراقيون من رصاص الميليشيات الشيعية المشاركة في الحرب على داعش والتي لم تتوان في الكثير من الأحيان في الارتداد على المدنيين في المناطق التي تساهم في استعادتها من التنظيم لأسباب طائفية.
وإضافة إلى ما تخلّفه الحرب والأوضاع الأمنية في العراق من عشرات الآلاف من الجرحى والمعوقّين واليتامى والأرامل، فإن القتال ضدّ داعش واصل في 2016 التسبّب بتشريد الآلاف من العوائل التي هجرت قراها ومدنها في شمال البلاد وغربها فرارا من بطش التنظيم، وأيضا من الحرب ضدّه، لتنضم إلى الملايين ممن تشرّدوا منذ سنة 2014 ولم يستطيعوا العودة إلى مناطقهم بسبب الدمار الذي لحق ببناها، وعدم اكتمال عملية تأمينها وتطهيرها من الألغام والعبوات، وأحيانا بسبب منعها من العودة من قبل الميليشيات، في إطار محاولات لإجراء تغييرات على التركيبة السكانية لبعض المناطق.
كما واصل العراقيون بشكل عام مواجهة تبعات الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد ارتباطا بالأوضاع الأمنية من جهة، وبانهيار أسعار النفط، من جهة ثانية، وأيضا بفشل السياسات الاقتصادية المتبّعة في البلاد، وخصوصا باستشراء الفساد وتحّول ظاهرة نهب المال العام إلى عملية منهجية منظّمة تطال جميع مؤسسات الدولة دون استثناء، ما جعل من العراق ضمن أكثر دول العالم فسادا وفق تصنيف منظمات وهيئات دولية.
ولا تعتبر مختلف تلك الأوضاع العراقية الصعبة سوى صدى للوضع السياسي القائم، ولنموذج الحكم المقام على المحاصصة العرقية والطائفية بقيادة الأحزاب الشيعية، والذي أثبت فشله وأحدث شروخا غائرة بين مكونات المجتمع العراقي وأذكى نزعات التقسيم والانفصال.
ورغم الظروف القاسية وانشغال الغالبية الساحقة من العراقيين بمصاعب الحياة اليومية ومشاغلها المعقّدة، فقد أظهر هؤلاء خلال أغلب فترات السنة المنقضية عدم رضاهم ورفضم الاستسلام للأوضاع السائدة وترجموا غضبهم ضدّ الطبقة الحاكمة في مظاهرات وأعمال احتجاجية وصلت حدّ اقتحام مؤسسات الدولة داخل المنطقة الخضراء المحصنّة في العاصمة بغداد وعلى رأسها مجلس النواب الذي طالت رئيسه وأعضاءه تهم الفساد والانصراف عن تمثيل الشعب وخدمة قضاياه إلى الصراع على المغانم السياسية والمادية.
وعدا عن التقدّم المسجّل في الحرب على تنظيم داعش خلال سنة 2016 لم تحمل هذه السنة حلولا حقيقية للمعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية المتراكمة في العراق، ما يجعل أكثر المتشائمين يرى أن العراقيين يعبرون إلى السنة الجديدة في ظل نفس الظروف التي صنعت مآسيهم خلال السنة المنقضية.