علي مصطفى.. "المختارون" عمل سينمائي فائق يخطف الأبصار

عمان- احتفت السجادة الحمراء لمهرجان دبي السينمائي قبل أيام، بالمخرج الإماراتي علي مصطفى وأبطال فيلمه “المختارون” في العرض الأول للفيلم بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعد مشاركته في الدورة الستين من مهرجان لندن السينمائي. وكان قد حضرت عرض “المختارون” مجموعة من نجوم الفن والإعلام في العالم العربي، والفيلم يعد التجربة السينمائية العربية الأولى بمقاييس هوليودية، من حيث السيناريو الذي كتبه الأميركي المخضرم فيكرام ويت، والموسيقى التصويرية التي أعدها الموسيقي الأميركي جوزيف بشارة الذي أنجز موسيقى الكثير من الأعمال السينمائية في هوليوود أشهرها فيلم الرعب “الشعوذة”.
وفيلم “أشرطة الفاتيكان”، كما أن طريقة التصوير التي أداراها مدير التصوير الروماني أدريان سيلستيو كانت مشابهة لأفلام الأكشن العالمية، أما عمليات المونتاج فقامت بها الإماراتية البريطانية شاهيناز الدليمي، وتم التصوير بالكامل في رومانيا، حيث قامت الشركة المنتجة للفيلم “إيمج نايشن” في أبوظبي، بتوكيل المهام الإنتاجية التنفيذية لشركة “أستوديو أبيس” الرومانية التي وفرت كل ما يمكن من مهارات تقنية متطورة.
الصراع من أجل البقاء
أحداث الفيلم تدور في مستقبل بائس يشهد انتشار الصراعات والفوضى نتيجة لتلوّث مصادر المياه، وتسعى مجموعة صغيرة من الناجين للبحث عن أيّ مصدر للمياه النظيفة المتبقّية، ومع تسلل زائرين اثنين إلى المنطقة الخاصة بهم، يتحولان إلى مجرد أداة للاختبار من أجل النجاة، وواحد فقط يستحق النجاة.
أزمة المياه هي الموضوع الذي يستخدمه صناع الفيلم لمناقشة قضية ترتبط بالإنسان منذ القدم، وهي الصراع من أجل البقاء، حيث يؤكد مخرجه أن عالمية القضية المطروحة للفيلم أسهمت في تذويب الحدود بين الجميع في أسرة العمل، على اختلاف جنسيات المشاركين فيه، وخصوصا الممثلين الذين ينتمون إلى بلدان عربية مختلفة، مثل علي سليمان وسامر المصري وسامر إسماعيل وركين سعد ومحمود الأطرش وحبيب غلوم وصلاح حانون.
عندما جاءت الفرصة لعلي مصطفى من شركة الإنتاج الإماراتية “إيمج نايشن”، كان هدفه من خلال هذا العمل أن ينتقل بالسينما الإماراتية خارج نطاق المحلية، وتكون منافسة للأعمال العالمية، فهو يرى من الضرورة خلق مثل هذه الأعمال الأقرب إلى العالمية، فالكثير من النقاد الذين شاهدوا الفيلم حتى الآن أقرّوا بأن مصطفى حقق هدفه هذا، لكن نحن بانتظار الحكم الجماهيري عندما يتسنّى للجميع مشاهدته في دُور العرض السينمائي.
يسعى المخرج الإماراتي الشاب منذ دخوله عالم الفن السابع إلى إنجاز أعمال سينمائية تحمل الصبغة العالمية، وقادرة على مخاطبة الآخر في مختلف المهرجانات الدولية، لذلك هو يرى أن سيادة اللغة الإنكليزية في تلك الأعمال، أو ثنائيتها مع العربية، يعطي مساحة أوسع للتواصل مع هذا الآخر بلغته، في حين يبقى خط الثقافة العربية حاضراً في تفاصيل أيّ عمل يقوم بإخراجه.
أول أفلامه "مدينة الحياة" واجه فيه إشكالية تتعلق بثقافة مشاهدة الأفلام السينمائية خليجيا، وهي ثقافة موجهة بشكل كامل إلى الأفلام الغربية. ويعتبر مصطفى أن هذا الأمر تحقق من خلال فيلمه الذي باع من شرائط الـ"دي في دي" 20 ألف نسخة، وكانت صالات عرضه في مهرجان دبي السينمائي كاملة العدد
اتخذ هذا الأمر من أول أفلامه “مدينة الحياة” الذي واجه فيه إشكالية تتعلق بثقافة مشاهدة الأفلام السينمائية خليجيا، وهي ثقافة موجهة بشكل كامل إلى الأفلام الغربية. تحقيق أيّ واقع جديد لمصلحة الدراما الإماراتية والخليجية يعدّ مكسباً مهماً، إذ يعتبر مصطفى أن هذا الأمر تحقق من خلال فيلمه الذي باع من شرائط الـ”دي في دي” 20 ألف نسخة، وكانت صالات عرضه في مهرجان دبي السينمائي كاملة العدد، كما وزّع في دور عرض دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى لبنان والأردن.
الجمهور مقابل الخسارة المادية
يصنّف النقاد فيلم “مدينة الحياة” على أنه البداية الحقيقية لإنجاز أفلام روائية قادرة على اجتذاب الجمهور في دور العرض الخليجية، ورغم أن الفيلم لم يتمكّن مـن استعادة معظم تكلفتـه الإنتاجيـة التي بلغت خمسة ملايين دولار أميركي، لكنه ربح الأهم وهو الجمهور حسب ما قال مصطفى، مضيفاً “كان بالإمكان في حال الإلحاح على الربـح المادي ابتكار حلول تسعى إلى خفض كُلفة إنتاجه، لكن ما حدث أن الفيلم، الذي حظي بدعم مهمّ من مؤسسات مختلفـة في الدولة، استطاع بالفعل أن يمهّد الطريق ويعطي انطباعاً جيداً عن أفلام إماراتية متعددة لحقته، وحملت تجارب إخراجية متميزة، لذلك أعتقد أن الفيلم كسب جمهوره على الرغم مـن الخسارة الإنتاجية”.
وهكذا أراد مصطفى أن يجد المشاهدون في فيلمه الثاني “من ألف إلى باء” أنفسهم من خلال طموحات وهموم وتصرفات أبطال الفيلم بغض النظر عن الجنسيات والثقافات المختلفة. يروي “من ألف إلى باء” قصة ثلاثة أصدقاء هم السعودي يوسف والمصري رامي والسوري عمر، الذين ترعرعوا في الإمارات، ويقومون برحلة برية بالسيارة من أبوظبي إلى بيروت، من أجل زيارة قبر صديقهم اللبناني هادي الذي توفي بحادث انفجار في لبنان قبل 5 أعوام.
كانت تلك الزيارة في ذكرى عيد ميلاده، ومن خلال الرحلة ينقل الفيلم الخصائص الخاصة لكلّ الدول التي يمر بها الأبطال الثلاثة، وطريقة التعاون بين الدول العربية المشتركة في الحدود، الإمارات والسعودية والأردن وسوريا، مع مزج مواقف مضحكة تارة وحوادث ناجمة عن الحراك في المنطقة، كما قدم الفيلم للجمهور فرصة للإطلاع على مناظر الطبيعة في هذه الدول، كما أن التطورات التي تجري سريعا مع الأبطال تجعل المشاهدين معلقين معهم حتى نهاية الفيلم ويجدون أنفسهم يتمنون القيام بمثل هذه الرحلة.
|
أول فيلم إماراتي يفتتح مهرجانا سينمائيا دوليا كان فيلم “من ألف إلى باء” لعلي مصطفى. حيث كان فيلم الافتتاح لمهرجان أبوظبي للسينمائي في دورته الثامنة عام 2014، وقال مدير مهرجان أبوظبي السينمائي علي الجابري في كلمة الافتتاح حينها “يسعدنا أن يكون عرض الافتتاح في دورة هذا العام لفيلم تم إنتاجه محلياً، فالنجاح الكبير الذي يحققه المخرجون العرب، مثل علي مصطفى، ما هو إلا دليل على حيوية السينما وازدهارها في المنطقة، لذلك تسلّط دورة هذا العام من المهرجان الضوء على النموّ الذي تشهده صناعة الأفلام في عالمنا العربي، وتستعرض أفضل المواهب العربية في صناعة الأفلام جنباً إلى جنب مع أفضل إنتاجات السينما العالمية”.
كان “من ألف إلى باء” أيضا فيلم الافتتاح لمهرجان الفيلم العربي الذي أقيم في العاصمة الكورية الجنوبية سول، حيث تم عرضه مصحوبا بترجمة كتابية باللغتين الإنكليزية والكورية، ولمس مصطفى إعجابا كبيرا من المشاهدين الكوريين والعرب الذين امتلأت بهم قاعة العرض، وتفاعلوا طوال فترة العرض مع أبطال الفيلم خلال رحلتهم وعبّروا عن إعجابهم في ختام العرض بالتصفيق المدوّي.
وفي رده على الرسالة التي كان يود إيصالها إلى المشاهدين، أجاب المخرج الشاب خلال المؤتمر الصحافي الخاص بعرض الفيلم في سول، إنه لا يفضّل أن يضع رسالة في الفيلم، بل يفضل أن يخرج المشاهد بنفسه بشيء بعد مشاهدته الفيلم، وكان يهدف إلى أن يتحدث عن الجنسيات العربية الموجودة في أبوظبي، وعلى وجه الخصوص الشباب، بعد أن تناول فيلمه الأول “مدينة الحياة” مختلف الجنسيات في مدينة دبي لنقل صورة صحيحة عنها، مثلما يراها هو “مدينة جميلة ولها روح إنسانية وتعتبر مركزا لكل شيء”.
ورشة عمل دائمة
يرى مصطفى في الأفلام السينمائية القصيرة أهمية كبيرة بالنسبة إلى المخرجين المبتدئين، لذلك قام بالإشراف على ورشتي عمل حول هذا الموضوع في مدينتي أبوظبي ودبي، وفّرهما مهرجان “تروب فست أرابيا”، الذي يعتبر النسخة العربية من أضخم المهرجانات العالمية للأفلام القصيرة.
يقول مصطفى “تتزايد وتيرة ازدهار صناعة الأفلام في الدولة والمنطقة في أيامنا هذه، وما هو مثير في مهرجان ‘تروب فست أرابيا’ هو تشجيعه شباب المنطقة لإظهار مواهبهم. إن كل واحد منا معدّ ليكون مخرج أفلام، وهنا أرغب في تشجيع جميع الشباب العربي ومن كل دول المنطقة للاستفادة من هذه الفرصة وابتكار أفلام قصيرة ملهمة ومميزة”.
|
تناولت ورشتا العمل اللتان كانت مدة كل واحدة منهما ساعتين، صناعة الأفلام وتعريف المشاركين بمهرجان “تروب فست”، الأول من نوعه في المنطقة، إضافة إلى كيفية إخراج فيلم قصير للمهرجان. بداية عمل مصطفى السينمائي كانت من خلال الفيلم القصير “تحت الشمس” عام 2005، الحاصل على جائزة الإمارات الأولى في مهرجان أبوظبي للفيلم الدولي، والتي دفعته لتقديم فيلمه القصير الثاني والأخير “لا تحكم على موضوع من خلال الصورة”.
تم اختيار مصطفى كأفضل مخرج سينمائي شاب من قبل مؤسسة “ديجيتال ستوديو”، وحصل على جائزة أفضل مخرج إماراتي في مهرجان دبي السينمائي عام 2007. وقد شهدت السنوات الأخيرة ظهور مخرجين إماراتيين أصبحوا معروفين في مهرجانات محلية وعربية ودولية، وأصبح من المألوف أيضاً أن نجد مخرجاً سينمائياً عربيا، سفيراً لإحدى العلامات التجارية، وهذا ما فعله مصطفي بعد إخراجه فيلمه الأول “مدينة الحياة”، حيث وصل مرّتين إلى سوق الإعلان، الأولى حين اختارته العلامة التجارية البريطانية المتخصصة في الملابس “ألفريد دانهيل” سفيراً لها في الشرق الأوسط، والثانية اختياره سفيراً للعلامة التجارية المتخصصة في صناعة الساعات “هبلوت”.
المخرج الشاب الإماراتي واثق بأن يتمكن الحراك السينمائي الناشئ في دولة الإمارات العربية المتحدة من عكس القيم الحضارية والثقافية والاجتماعية للدولة، من خلال المشاركة في المهرجانات الدولية المختلفة، وعلى رأسها مهرجانا أبوظبي ودبي الدوليان، وعقب اختياره لتمثيل العلامات التجارية قال “لا يمكن النظر لتمثيل مخرج إماراتي شاب لعلامتين تجاريتين عالميتين، بمعزل عن فرص الانتشار الواسع التي وفرتها الدولة ممثلة في مؤسسات مهمة أصبحت أكثر اهتماماً بالنشاط السينمائي”.
يراهن مصطفى على إمكانية فتح دور عرض في المملكة العربية السعودية بشكل خاص، من أجل زيادة طلب الجمهور على الفيلم الخليجي، لا سيما أنها الدولة الخليجية الأكثر كثافة في عدد السكان، وافتتاح دور عرض سينمائية فيها سيعدّ نقطة تحول رئيسة في مسار الإنتاج السينمائي في المنطقة من وجهة نظر مصطفى الذي يؤمن أن الأفلام تلعب دورا في زيادة فهم الغربي للعالم العربي، فهو يرى أن سمعة العرب في العالم ضعيفة، وبعض الناس ينظرون إلى بعض الجوانب السلبية كأنها تمثل العالم العربي كله، غير أن المجتمع العربي فيه المساواة والاحترام بين الجنسين، ومن هنا فهو يؤكد على أن دور الأفلام مهمّ لكونها يمكن أن تعرف العالم بأننا متنوّعون.