سعاد الشامسي روائية إماراتية حدودها السحاب وسلاحها الكلمات والخيال

احتفلت هذه السيدة بداية العام الحالي بفوزها بوسام رئيس مجلس وزراء دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في المجال الفني والتقني، خلال تكريمه للفائزين بجائزة محمد بن راشد للأداء الحكومي المتميز في دورتها الخامسة في قصر الإمارات بمدينة أبوظبي.
جمعت بين مجالين مختلفين في الحياة؛ الأول هندسة الطيران التي كانت حلمها منذ الصغر وأصبحت مهنتها الحياتية، والثاني هو الأدب العالم الذي تبحر فيه أفكارها وكتاباتها التي نالت شهرة واسعة في العالم العربي.
الإماراتية سعاد سلطان الشامسي التي لم تتوقف عند حدود التخصص، بل عملت في شركات عالمية رائدة في قطاع الطيران في بريطانيا، وشركات مثل “إيرباص” و“هانيويل” و”بوينغ”، لتنضم بعد ذلك إلى شركة طيران الإمارات، وتصبح أول مهندسة طائرات معتمدة، وهي تشغل حاليا منصب المديرة الأولى والمستشارة الفنية لمشروع مطار أبوظبي الجديد، وفي الوقت ذاته تحمل في جعبتها ثلاثة أعمال روائية.
جارة الطائرات
نشأة الشامسي كانت في منزل قريب من مطار دبي الدولي، وهناك أخذت تراقب في أغلب أوقاتها حركة الطائرات الصاعدة والنازلة من وإلى المطار. لم يعلم والداها، آنذاك، أن ذلك الشغف سوف يكبر معها وأنها ستنميه ببعض الهوايات مثل الرسم، حيث تجمعت لديها مئات الرسومات وجميعها البطل الرئيسي فيها هو الطائرة.
من الرسم انتقلت في عمر أكبر إلى عالم القراءة، وتحديدا تلك الكتب المتعلقة بالطيران. كانت تقرأ كل التفاصيل؛ من التاريخ إلى المعدات وكيفية عمل محركات الطائرة، تقول الشامسي “سُمّيتُ عاشقة الطائرات في العائلة، وهذا العشق دفع بي إلى تساؤلات كثيرة، كيف تعمل الطائرة ومن يحركها؟ ومن يومها قررت التخصص في هذا المجال وكان حلمي دراسة هندسة الطيران، وهو مجال يندر أن تجد فيه فتيات، كون الغالبية من الرجال، ما شكل لي تحديا أكبر ودفعني لأن أتشبث بحلمي على الرغم من تثبيط البعض من حولي لعزيمتي، إلا أن إصراري وتشجيع أسرتي لي قاداني لتحقيق ما أريد، وأنهيت دراستي الثانوية وسافرت إلى بريطانيا للدراسة”.
تخرجت الشامسي من جامعة “كوفنتري” في بريطانيا بدرجة البكالوريوس في هندسة الطيران، وبعدها حصلت على درجة الماجستير في إدارة الطيران، إلى جانب شهادتها في هندسة الطيران من جامعة “هارتفوردشاير“، ولم تتوقف أكاديميا عند هذا الحد مع أن عملها أخذ يغطي جل وقتها، لكنها تقول إنها تكمل حالياً دراسة الدكتوراه في علوم الطيران.
الراعي العلمي
قبل حوالي ثمانية عشر عاما عندما قررت الشامسي دراسة هندسة طيران، كان ذلك القرار نهائيا بالنسبة إليها، بالرغم من رغبة من حولها في أن تدرس الطب أسوة بشقيقاتها، وكان هناك عائق كبير هو عدم وجود جامعات تدرس هذا الاختصاص في دولة الإمارات حينها، مما جعل الشامسي تقوم بمحاولات كثيرة طرقت فيها العديد من الأبواب لكي تحقق حلمها، ولكنها لم تفلح في أي منها، حتى وصلت إلى باب الشيخ محمد بن راشد، حيث أخبرته بنسبتها العالية في الثانوية العامة، ورغبتها الشديدة في دراسة هندسة الطيران، وأخذت تحدثه عن ولعها بهذا المجال منذ أن كانت طفلة، وكم الكتب التي طالعتها والبحوث التي قامت بها عن طريق الإنترنت لكل ما يتعلق بالطيران.
انتبه الشيخ محمد بن راشد وهو المعروف بدعمه لتطلعات الشباب الإماراتي وعمله الدؤوب في الاستثمار فيهم بكل المجالات، إلى ما لدى تلك الشابة، فقرر أن يدعم طموحها، وهكذا سافرت الشامسي إلى لندن لدراسة هندسة الطيران على نفقته الخاصة.
في بريطانيا بدأت الشابة الإماراتية مرحلة جديدة من حياتها لم تخل من الصعاب، تقول عن ذلك “عندما بدأت الدراسة في الجامعة وجدت أني واحدة من ثلاث فتيات فقط ضمن طلاب الصف الجامعي، إحداهن هندية، والأخرى تركية، وكنت العربية الوحيدة. كانت كبرى الصعوبات وأولاها أن أجعل المجتمع الغربي يتقبل وجودي بصفتي عربية مسلمة في مجال هندسة الطيران، مع المحافظة على حجابي وتقاليد بلدي، إضافة إلى صعوبة كوني كنت أعيش بمفردي، وأرعى بنفسي جميع شؤوني الدراسية والشخصية، تلك التجربة صقلت شخصيتي”.
المهندسة وزهرة السوسن
تحاول الشامسي أن تكون ملهمة لغيرها من النساء الإماراتيات، فلا تكتفي بتحقيق الريادة النسائية في مجالها بهندسة الطيران، ولذلك كانت واحدة من الأعضاء المؤسسين لمنظمة “نساء في الطيران” في الشرق الأوسط، وتلك الجمعية لم تكن حلمها فقط، بل حلم مجموعة نساء قياديات في مجال الطيران كما تقول الشامسي التي اعتبرت ذلك رغبة منهن في تعزيز دور المرأة العربية في هذا المجال. ولمنظمة “نساء في الطيران” نشاط كبير ومشاركات كثيرة في عدة مؤتمرات ومعارض داخل الإمارات وخارجها.
وبعيدا عن المنظمة التي تشرف عليها، تشارك الشامسي في العديد من الندوات والمعارض عالمياً ومحلياً، كمعرض دبي للطيران ومعرض الطيران الدولي في لندن وفرنسا. ومن خلال تلك المشاركات حصلت على درع “الإماراتية المتميزة” في أبوظبي، وكُرمت بـ”النجم الذهبي” من مجموعة شركات الإمارات كونها قدوة للمهندسات الإماراتيات في مجال الطيران.
ومثلت الشامسي بلادها في معرض شانغهاي اكسبو لعام 2010، كما مثلت الدولة كعضو في لجنة التحكيم لبرنامج “نجوم العلوم”، واختيرت ليُضم اسمها في موسوعة مبدعات من الإمارات، وكانت واحدة من عدد قليل جداً من السيدات اللاتي ساهمن في مشروع تصميم وصنع طائرة من مقعدين شخصيين.
رحلة الكتابة لم تكن جديدة على الشامسي، وليست وليدة أعوام قليلة كما يظن البعض من الأشخاص الذين فوجئوا عند إصدارها أول رواية لها، ومنهم من ظن أنها تجربة عابرة وقد تمضي مثل الكثير من الذين يخوضون هذه التجربة بهدف البحث عن المظاهر الاجتماعية والذين غالبا ما تبوء تجاربهم بالفشل.
لكن نجاح الشامسي في عملها الأول “زهرة السوسن”، ونشرها عملها الثاني “أمنيتي أن أقتل رجلا”، ومن ثم الثالث “لحوم للبيع”، أكد للجميع أن مهندسة الطيران هذه ليست كاتبة بالصدفة، فلديها خبرة طويلة في الكتابة بدأت منذ شبابها، ازدادت أكثر خلال دراستها الجامعية، حين كانت تحاول ألا تنسى لغتها العربية في دولة كل المحيطين بالشامسي فيها هم من جنسيات تتخذ من اللغة الإنكليزية لسانا لها.
تعترف الشامسي بأنها مشاكسة في كتاباتها، وكل ذلك بهدف أن توصل أفكارها إلى المتلقي الذي قد يشعر في بعض الأحيان أن عناوين مؤلفاتها مستفزة، ولكن سعاد تعلل ذلك بأن هناك مغزى معينا لكل عنوان، تقول عن ذلك “روايتي الأولى (زهرة السوسن) التي لقبت بأطول رواية إماراتية، كان عنوانها يشبه مضمونها الذي تكلم عن قصة واقعية لتضحيات الأم والمحبة اللامحدودة لأبنائها، أما رواية (أمنيتي أن أقتل رجلا)، فهي تطرح قضايا نسائية، وقد تلقيت العديد من الرسائل التفاعلية بعد نشر الرواية بأنها تعبر فعلا عما في داخل العديد من النساء. كما تلقيت أيضا ملاحظات من الرجال بأن الرواية يسرت لهم تفسير بعض تصرفات النساء في حياتهم، سواء كن أمهات أو شقيقات أو زوجات”.
يمكن القول إن رواية “أمنيتي أن أقتل رجلاً”، تعد أكثر أعمال الشامسي انتشارا، اعتمادا على أرقام المبيعات الكبيرة، تقول عنها إن “هذه الرواية عبارة عن مناجاة لأمنيات نسائية داخلية أحببت أن أوصلها إلى الرجل والعكس أيضا، ولها ثلاثة أبعاد الأول هو صوت المرأة، والثاني صوت الرجل، أما الثالث فهو كيف يجد كل منهما حلا مسالما لقضاياهما الحياتية“.
المرأة ليست سلعة
“لحوم للبيع” هو عنوان الرواية الأحدث للشامسي التي اختارت موضوعا هاما في واقعنا الحالي وهو قضية الاتجار بالبشر، وتطرقت من خلاله إلى معاملة الرجال للمرأة باعتبارها سلعة تباع وتشترى، عبر سرد قصص واقعية استلهمتها من مكتب للاستشارات الأسرية، راصدة أن المشكلات الزوجية منتشرة على مستوى الوطن العربي كله.
تؤكد الشامسي في كل إطلالاتها الإعلامية أنها ليست ضد الرجال، لكنها مناصرة للمرأة التي هي الطرف الأضعف الذي ما زال يكافح لأخذ حقوقه. وهي تحرص دائما في كتاباتها على أن توصل ما يدور بخاطرها من أفكار وتحديات، محاولة أن تطرح مواضيع شائكة بأسلوب أدبي جذاب.
ولأن كل مبدع لديه قدوة عالمية، يستلهم منها أسلوبه الإبداعي، فإن الشامسي ترى قدوتها في الكاتبة والروائية الأميركية دانيال ستيل التي اشتهرت بكتابتها للروايات الرومانسية، وأغلبها تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وقد بيعت إلى الآن حوالي 500 مليون نسخة من رواياتها وترجمت إلى أكثر من 28 لغة، والسر في انتشار روايات ستيل ووصولها إلى العالمية ترده الشامسي إلى البساطة في التعبير وسرد الأحداث دون تكلف.
تأمل الشامسي أن تكون كتاباتها ذات جدوى للأجيال المقبلة التي تختلف بشكل كبير عن سابقاتها بحسب رأيها، في زمن تحتل فيه مواقع التواصل الاجتماعي الأهمية القصوى بالنسبة إلى الجيل الحالي. وهي ترى أن الحياة رحلة نجاح لا تكتمل من دون عامل التوازن. الشامسي التي هي مع ذلك كله أم لولدين، ينعكس نجاحها الأسري دائما على عملها المهني والإبداعي، وكل هذا يشكل صورة لتطلعات المرأة الإماراتية التي تحقق يوما بعد يوم الريادة في مختلف مجالات الحياة.