متطرفون مسيحيون يصبون الزيت على النار في حادثة مقتل قبطي

الخميس 2016/11/24
الفتنة تحت الرماد والنافخون فيها كثيرون

القاهرة - أثار دخول البعض من متشددي الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، على خط قضية مصرع مواطن قبطي بأحد أقسام الشرطة، تساؤلات حول الدور الذي يلعبه المتشددون، والذين يحلو للبعض تسميتهم بـ”صقور الكنيسة”، في السعي إلى زيادة كثافة الجليد بين الأقباط والحكومة المصرية، وإشعال نار الفتنة الطائفية.

وأعاد مقتل المواطن المصري مجدي مكين، بائع السمك المعروف إعلاميا باسم “قتيل قسم الأميرية” (وسط القاهرة)، الذي لقي مصرعه منذ أيام، بعد ادعاءات تعرضه للتعذيب الشديد على أيدي رجال الشرطة، إلى الأضواء مرة أخرى، علاقة الدولة المصرية بالأقباط.

وبينما أكد الكثيرون أن حوادث تعرض بعض المواطنين، لانتهاكات داخل مقرات الشرطة في مصر، ممارسات خاطئة وفردية، لا تفرق بين مسلم ومسيحي، إلا أن بعض الأقباط، تعاملوا مع الحادث باعتباره ممارسات موجهة بشكل متعمّد ضدهم.

وبلغت التصريحات، من جانب عدد من الأقباط، حدّ اعتبار الأمر اضطهادا لهم، وحاولوا توظيف ذلك سياسيا، وأسبغوا الجانب الديني على الأزمة، وأصرّوا على أن تسبق اسم المتوفى كلمة “قبطي”، في محاولة للنفخ في نيران الفتنة الطائفية.

وسعى أقباط آخرون إلى تثبيت صورة “مسلم ضدّ مسيحي”، حيث تم تصدير بعض الأخبار والقصص، ومنها دفاع رجل شرطة “مسيحي” عن زميله ضابط الشرطة “المسلم”، المتهم بواقعة التعذيب، وكذلك دفاع سيدة “مسلمة” (من جيران عائلة مجدي مكين) عن بائع السمك “المسيحي”. بالإضافة إلى هذا، انبرت بعض البرامج الإعلامية لتوظيف تلك الواقعة، واعتبرها حدثا طائفيا، لكن الأسرة أكدت أن ابنها هو مواطن مصري أولا قبل أن يكون قبطيا.

أكدت قضية مكين، وما أثارته من جدل شديد، على حقيقة استمرار الجليد المتراكم، بين الأقباط والدولة المصرية، من خلال تكريس أطر قديمة في العلاقة بين الطرفين.

وبالرغم من كونها ممارسات فردية، إلا أن ردود الأفعال، عكست رواسب تاريخية متجذرة في العقلية المسيحية بمصر، وأظهرت ميلا فطريا لإبقاء الأقباط داخل أسوار الكنيسة، وممارسة الوصاية عليهم، بدلا من أن يكونوا مواطنين مصريين.

تعرض مواطنين لانتهاكات داخل مقرات الشرطة في مصر، ممارسات خاطئة وفردية، لا تفرق بين مسلم ومسيحي

وفي ذروة أزمات الشارع القبطي، خرج الأنبا مكاريوس (الأسقف العام بالمنيا وأبوقرقاص، وإحدى الشخصيات رفيعة المستوى في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية)، ليفجر بركان غضب في وجه مؤسسات الدولة، من خلال تصريحات حادة، أطلقها للتعليق على الحادثة، وهو ما تسبب في إحراج الكنيسة، ودفعها إلى رفض هذه التصريحات.

وعلمت “العرب” من مصادر خاصة، أن الأنبا مكاريوس، يمثل “تيار الصقور” داخل الكنيسة، لما له من مواقف متشددة، ذات بعد طائفي، وقالت إن ظهوره في الصورة كرجل دين محسوب على الكنيسة يجزم بتعذيب مكين، أضفى طابعا طائفيا على القضية، باعتبارها تخص الكنيسة والمسيحيين.

وشددت المصادر، على أن هذا الموقف، الذي وصفه البعض بـ”السلبي”، من مكاريوس، من شأنه أن يزيد من حدة التطرف، والتطرف المضاد، وهو ما يؤدي في النهاية إلى هدم دولة القانون والمؤسسات.

وما زاد الطين بلة، أن بعض النشطاء الأقباط، تداولوا تصريحات مكاريوس على أنها صادرة عن الكنيسة الأرثوذكسية، بل قاموا بنشر أخبار غير صحيحة على لسان البابا تواضروس، تقول إن الإخوان هم من قتلوا مجدي مكين، إلا أن الكنيسة سارعت إلى إصدار بيان، نفت فيه كل ما تم ترويجه.

وانتقد سمير عليش، المفكر القبطى، دخول أحد أفراد الكنيسة أو أقباط المهجر أو المنظمات القبطية، على خط قضية تعذيب المواطن مجدي مكين، أو النظر إليه باعتباره قبطيا، وشدد على أن ذلك خطأ كبير، يضرّ بقضيته وتحقيق العدالة فيها.

وأكد لـ”العرب” أن مكين مواطن مصري له كافة الحقوق والواجبات، رافضا الوصاية الكاملة من أحد أفراد الكنيسة على المسيحيين في كافة شؤونهم الدنيوية، وضرورة أن يقتصر دور الكنيسة فقط على الأمور الدينية والروحية، أما الأمور المدنية فيجب أن تكون خارج أسوار الكنيسة، وأن يخضع المسيحيون فيها لسلطة الدولة.

وقال البعض من المهتمين بالشأن القبطي المصري لـ”العرب”، إن “هؤلاء المحسوبين على الكنيسة، الذين ينظرون إلى تلك الأحداث بمنظور طائفي، يزيدون من عزلة الأقباط في المجتمع، ويمثلون ردة إلى الوراء”.

يضاف إلى ذلك، أن موقف هؤلاء المتشددين الأقباط، يستنفر البعض من الشباب القبطي الغاضب، ويجعله يلجأ إلى ممارسات تزيد من الاحتقان، وتعطي فرصة لأقباط المهجر المتشددين، لشن حملات التشهير ضد مصر.

كانت العلاقة بين الدولة المصرية والأقباط قد تحسنت بعد ثورة 30 يونيو 2011، وحصل الأقباط على الكثير من المكتسبات، مثل قانون بناء الكنائس، الذي أتاح لهم بناء وترميم الكنائس بحرية ودون قيود شديدة.

ونظر الكثير من المصريين إلى قضية مكين، باعتبارها قضية كل مصري ومصرية، يسعى إلى تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، ويريد دولة مدنية حديثة، لا يكون للمؤسسات الدينية فيها دور الحامي والمدافع، وأن أي بيان يصدر من جانب الكنيسة، حول مقتل مكين، سيمثل ضربة لفكرة المواطنة ودولة المؤسسات.

13