هل يصلح الأزهر ما أفسده تعثر تجديد الخطاب الديني

خطوة توصف بالإيجابية وتعد بتصحيح نظرة الكثير من الأجانب حول الإسلام والمسلمين، هي تلك التي أقدم عليها الأزهر، والمتمثلة في تخصيص رواق باللغة الإنكليزية يتولى شرح وتفسير مسائل تتعلق بالإسلام، مع الردّ على الكثير من الاستفسارات، وهي أيضا في نظر المراقبين تخفي خلفها أهدافا سياسية.
الأربعاء 2016/10/05
مؤسسة الأزهر تخاطب العالم بلغة العصر

القاهرة - رغم أن مؤسسة الأزهر فشلت في تحقيق اختراق واضح في مسألة تجديد الخطاب الديني المكلف بها الشيخ أحمد الطيب من قبل الرئيس المصري، فإن الجامع الأزهر دشن مؤخرا “رواق” اللغة الإنكليزية، لتعريف السائحين غير الناطقين باللغة العربية بالإسلام والمسلمين بشكل صحيح، والرد على استفساراتهم، ومدّ جسور التفاهم والتقارب مع كل البشر، وتغيير نظرتهم للإسلام.

وتعاملت البعض من الدوائر مع الخطوة على أنها محاولة دبلوماسية لكسب ودّ جهات خارجية، وتدخل في باب تصحيح المسارات السياسية، قبل أن تكون انعكاسا لنقلة نوعية في الدور الذي يقوم به الأزهر وشيخه.

وعلمت “العرب” من مصادرها أن إنشاء الرواق الإنكليزي يأتي مكملا لعمل “مرصد الأزهر باللغات الأجنبية” الذي دشن في يونيو 2015 ليكون إحدى أهم الدعائم الحديثة لمؤسسة الأزهر، والذي وصفه أحمد الطيب شيخ الأزهر بأنه “عين الأزهر الناظرة إلى العالم”، ولا سيما أنه يعمل بثماني لغات أهمها الإنكليزية والفرنسية والألمانية.

ويقوم بقراءة وتتبع ما يتمّ نشره بهذه اللغات عن الإسلام والمسلمين، والتركيز على ما ينشره المتطرفون من أفكار ومفاهيم مغلوطة ورصدها وتحليلها والرد عليها لمجابهة الفكر المنحرف والمتطرف.

قال حسام الدين علام، منسق “رواق اللغة الإنكليزية” بالجامع الأزهر لـ”العرب”، إن هذه المبادرة تأتي في إطار الحرص على تطوير التعامل مع العديد من القضايا المستجدة والمختلفة، وفي مقدمتها توصيل صورة الإسلام الصحيح للآخر، خاصة السياح الأجانب الذين يأتون من مختلف دول العالم.

المعلوم أن تعلم اللغات ضرورة دنيوية ودينية لازدهار الدعوة الإسلامية والتواصل الفعال بين الشعوب المختلفة

ويأتي تدشين “الرواق” المخصص للأجانب في ظروف سياسية عالمية ومحلية معقدة، استشرى فيها خطر الإرهاب، وصار مهددا لدول مختلفة، ووسط دعوات داخلية لتجديد الخطاب الديني، اتسم البعض منها بالقسوة المفرطة في التعاطي مع مؤسسة بحجم ومكانة الأزهر، واتهامات متباينة بتراجع دوره الحضاري.

معروف أن كلمة “أروقة” تعني -اصطلاحا- مجالس علمية تقام في أروقة الجامع الأزهر بالقاهرة، وكانت أماكن للإعاشة الكاملة تكريما وراحة للضيوف الأجانب، ويبلغ عددها تسعة وعشرين رواقا أنشأها السلاطين والأمراء، وخصص معظمها للطلاب الفقراء والمنقطعين لطلب العلم وكان معظمهم من الأغراب الذين لا مأوى لهم، والبعض منها خصص لأهل مصر خاصة من طلاب الريف.

ولعل من أدلة اجتذاب الأزهر كبار علماء وطلاب بلاد الإسلام، دون تمييز عنصري أو طبقي، تخصيص الأروقة وفق مناطق المصريين وأقاليم الطلاب الوافدين، ولكل رواق شيخ يعتبر بمثابة رئيس ومدير لمصالح الرواق، يعاونه وكيل يقوم مقامه في غيبته، كما يساعدهما نقيب الرواق، وهو من الطلاب القدامى ويتولى توزيع “الجراية” أو الخبز، والغياب والحضور وغير ذلك.

وأضاف علام “من المعلوم أن تعلم اللغات ضرورة دنيوية ودينية لازدهار الدعوة الإسلامية والتواصل الفعال بين الشعوب المختلفة، لذلك يكثف رواق التدريب بالجامع الأزهر، بالتعاون مع رواق اللغة الإنكليزية حاليا من برامج تعلم مهارات اللغة الإنكليزية (الاستماع- التحدث- القراءة- الكتابة) من خلال عناصر مدربة تدريبا عاليا لتسهم في النمو والارتقاء بالمتدربين، تمهيدا لإلحاق المتميزين منهم ببرامج العلوم الشرعية باللغة الإنكليزية”. ووفق هذا الطرح يصبح إنشاء الرواق موجها للخارج بالأساس من جهة، ومحاولة لاستعادة “البهاء الأزهري المفقود”، والتأثير في المحيط الدولي وليس المحلي فقط من جهة ثانية.

وتأخذ هذه الخطوة أهميتها من السياقات الملتبسة التي دفعت الجماعات الدينية المتطرفة إلى تصدر المشهد واحتكار الحديث باسم الإسلام، وكانت المحصلة النهائية ما نراه اليوم من خلط بين الإسلام والإرهاب لدى الكثيرين في الأوساط الغربية، وهو خلط البعض منه متعمد، والبعض الآخر يفتقر إلى الإدراك الحقيقي لجوهر الدين الحنيف المرتكز على قيم التسامح والعدل والسلام.

أكثر من 80 بالمئة من السياح الأجانب يأتون إلى مصر ويحرصون على زيارة الأزهر والأماكن الدينية في وسط القاهرة

ويرى مراقبون أن خطوة الأزهر، رغم تأخرها، تعدّ تعاطيا مختلفا مع الواقع الذي يشهد تحولات أثرت على صورة الإسلام في الفترة الأخيرة، ولا سيما بعد الأعمال المخالفة للشريعة الإسلامية التي تقوم بها البعض من التنظيمات الإرهابية؛ مثل داعش و”أنصار بيت المقدس”، حيث أعطت ذريعة لدول غربية لوصف كل مسلم بأنه إرهابي.

كما أن هذه المبادرة قد تكون بداية ترويج للسياحة الدينية في مصر، من خلال الشرح المفصل باللغة الإنكليزية للسياح الأجانب الذين ظلوا عقودا طويلة يقومون بزيارات لمؤسسة الأزهر من دون شرح متخصص لهم يساعدهم على معرفة تاريخ الإسلام.

وثمن محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف الخطوة، لأن أكثر من 80 بالمئة من السياح الأجانب يأتون إلى مصر ويحرصون على زيارة الأزهر والأماكن الدينية في وسط القاهرة.

وأشار لـ”العرب” إلى أن قيام متخصصين من أبناء الأزهر العالمين بأمور الدين بشرح صحيحه للسياح سيكون عاملا مهما لتصحيح الصورة العالقة في أذهانهم بسبب الأفعال الإرهابية التي تلصق بالإسلام.

ولعل الأزهر الذي قضى قرونا منذ إنشائه مشغولا بالتأسيس لدور فاعل لمنهج الإسلام في التعامل مع مختلف القضايا، ومن بينها التعاطي مع “الآخر”، يحاول أن يستعيد البعض من عافيته بهذه الخطوة التي يجب أن تتلوها خطوات أخرى أكثر فاعلية،..

وفي هذا السياق، قال الجندي “للأزهر دور دولي معتبر، باعتباره قبلة المسلمين السنة في العالم أجمع، وتقع على كاهله عودة صورة الإسلام الوسطي، التي تغيرت عند الغرب، بسبب أفعال التنظيمات المتشددة التي تنسب نفسها للإسلام، وتشوّه عقائده”.

وشدّد على أن الأزهر لن يستطيع تغيير الصورة وهو يخاطبهم باللغة العربية، لذلك تأتي أهمية الرواق الإنكليزي، الذي يستطيع تقديم رؤية حضارية للسياح الأجانب، وهم بدورهم قادرون على إقناع أسرهم ومن حولهم.

13