الإعلام يصب الزيت على نار الفتنة الطائفية في مصر

يبرز دور الإعلام كواحد من أهم الأدوات التي تخفف من حدة الاحتقان الطائفي في المجتمع، إلا أن الإعلام المصري فاقم حدة المشكلة وأذكى نار الأحداث لكسب نقاط إضافية في التنافس المستمر، دون اعتبار لآثار ما تفعله على الرأي العام.
الثلاثاء 2016/07/26
الوقوف في المنتصف حاجة ملحة لتخفيف حدة الاحتقان

القاهرة – يردد المصريون في الآونة الأخيرة مقولة “فتش عن الإعلام” لمعرفة ما وراء أي أزمة داخلية أو فتنة مجتمعية تشهدها البلاد.

وأحدث الاتهامات التي تواجهها وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة إذكاء الفتنة الطائفية عبر التعامل غير المهني مع حوادث عادية وإضفاء الطائفية عليها، بحثا عن زيادة القراء والمشاهدين، ضمن التنافس المحموم بين الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات في الفترة الأخيرة.

ويجمع الخبراء على أن الأداء غير الموضوعي لوسائل الإعلام مسؤول أساسي عن تغذية الاحتقان بين المسلمين والأقباط الذي ظهرت بوادره الخطيرة في سبعينات القرن الماضي، ويقتات على الممارسات غير المسؤولة لدعاة ورجال دين، تستضيفهم القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى، فتعمل على صب الزيت على النار، لكسب نقاط إضافية في التنافس المستمر بينها، دون اعتبار لآثار ما تفعله على الرأي العام.

ودلل متابعون على تفشي هذه الظاهرة بتعامل أغلب المواقع والصحف وبرامج “توك شو” مع الحادث الأخير الذي شهدته محافظة المنيا بصعيد مصر، حيث صَنّفت مشاجرة تبدو عادية بين أسرتين، بإحدى قرى المحافظة بسبب لعب الأطفال، واقعةً طائفيةً.

وتجاهلت وسائل الإعلام أن تلك الحوادث تتكرر في كل مكان دون أن ينتبه لها أحد، وركزت فقط على تلك الحادثة لمجرد أن أحد طرفيها مسيحي الديانة، إلى درجة أن بعض الصحف عنونت للحادثة بعناوين حارة من عينة “الفتنة لا تنام في المنيا” و”أمة في خطر”، وما إلى ذلك من عناوين تثير النعرات الطائفية.

وأكدت ليلي عبدالمجيد، عميدة كلية الإعلام سابقا بجامعة القاهرة، لـ “العرب” أن غالبية وسائل الإعلام المصرية ترتكب جرائم مهنية بالتركيز على الهوية الدينية في الحوادث العادية، ولو تم تناولها بمهنية في حدودها دون التطرق إلى ديانة طرفيها لكانت عادية إلى الدرجة التي لا تجعلها في أولويات النشر.

الأزمة الحقيقية تعود إلى اختفاء الخطاب التنويري في الثقافة والمؤسسات التعليمية والإعلامية، بصورة ساهمت في إشعال العصبية الطائفية والدينية

وأرجعت هذه الأخطاء المهنية إلى بحث الصحف والفضائيات عن الإثارة لمضاعفة القراءات والمشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب السلم المجتمعي ومصلحة الوطن.

وأضافت أن معظم رؤساء تحرير الصحف منشغلون عن أداء مهامهم بالعمل في الفضائيات أو التجارة لمضاعفة مداخيلهم، فلم يعد يوجد رئيس تحرير يراجع الأخبار قبل نشرها ويوجّه الشباب كما لم يعد هناك اهتمام بالتدريب والتأهيل في الصحف كما كان في السابق.

ورأت عبدالمجيد أن الاعتماد على الإثارة الدينية نوع من الإفلاس المهني، إذ يمكن مضاعفة القراءات والمشاهدات إذا امتلك الصحافيون مهارات مهنية تمكنهم من طرح موضوعات قيمة بأسلوب شيق ومعلومات حقيقية تسهم في رفع مستوى وعي القارئ والمشاهد.

وردا على آراء حمّلت كليات الإعلام المسؤولية في تراجع المستوى المهني بتقديم خريجين غير مؤهلين، قالت عبدالمجيد إن هناك حاجة بالفعل لتعليم الطلاب ضرورة تحري دقة المصطلح الإعلامي، وتنمية الضمير المهني فيستبعد من تلقاء نفسه الصياغات الضارة بالمجتمع.

لكن هناك جهات أخرى مسؤولة كذلك عما وصلت إليه الأمور، منها مثلا نقابة الصحافيين التي تقاعست عن دورها في الارتقاء بالمستوى المهني لأعضائها، بسبب انخراط بعض أعضاء مجلس إدارتها في صراعات سياسية، وانخراط البعض الآخر في الدفاع عن مصالحهم الخاصة. ولم تقتصر مسألة انتقاد وسائل الإعلام على المختصين والخبراء فقط، وإنما امتدت إلى المواطنين الذين ساءتهم مبالغة البعض من الوسائل في إشعال نار الفتنة لمجرد زيادة القراءات أو المشاهدات.

وعلق أحد القراء على خبر حادث المنيا في أحد المواقع الإلكترونية قائلا “الفتنة لا تنام في المنيا، البركة فيكم وفي كل المواقع الإلكترونية والبرامج الحوارية في الفضائيات”.

كمال زاخر: دور الإعلام أصبح يقتصر على إبراز التشنجات الطائفية

لكن المشكلة تكمن في أنه أمام كل قارئ واع العشرات من الجهلاء المتحمسين للديانتين يتأثرون بتلك الأخبار بمجرد قراءة عناوينها ولا يهتم أحد منهم بالبحث في مضمونها للتأكد من صدق ما ذهبت إليه.

وقالت الإعلامية إيمان عزالدين، خلال تقديمها برنامج “90 دقيقة”، على فضائية “المحور”، أن هناك إعلاميين وصحافيين يدعمون تلك الفتنة الطائفية ويجب على الدولة والأجهزة الأمنية أن تقوما بدوريْهما وتبحثا عمن يحرك الفتنة ويشعلها في مصر.

وتفاقمت المشكلة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تستطيع تحويل أي خبر عادي إلى قضية مجتمعية ممتدة الأثر، ما ينقل الصراع من مجرد شجار على الأرض بين أبناء منطقة سكنية معينة، إلى صراع طائفي متجاوز للحدود الجغرافية.

ورفض المفكر القبطي كمال زاخر في تصريحات لـ “العرب”، تجاهل وجود مؤشرات مجتمعية تكشف عن تنامي الشحن الطائفي وسط قطاعات من المجتمع، خاصة المتشددين على الجانبين، بعكس ما نشأت عليه الأجيال السابقة من تعايش لا ينظر للمعتقدات الدينية للمواطنين.

وأضاف زاخر أن دور الإعلام أصبح يقتصر على إبراز تلك التشنجات الطائفية، وهو ما يسهم في توسيع دائرة المشاحنات، خاصة في الوقت الحالي الذي تقلص فيه زمن وصول الرسالة الإعلامية إلى المتلقي، ومن ثم التأثير اللحظي عليه وقت وقوع الحدث.

ووجه مراقبون اللوم إلى رجال دين يغذون الطائفية، وهو ما اعترف به زاخر، مؤكدا أن الكنيسة بها 150 أسقفا، معروف منهم للرأي العام عدد محدود للغاية، بسبب اهتمامهم بالتعليق وإصدار التصريحات النارية على مواقع التواصل الاجتماعي للظهور في صورة الأبطال المدافعين عن حقوق رعاياهم.

في المقابل، يتعرض المعتدلون من رجال الدين الإسلامي والمسيحي على حد السواء لهجوم حاد وانتقادات من المتعصبين واتهامات بالتقاعس في الدفاع عن الدين، وتتجاهل غالبية وسائل الإعلام آراء هؤلاء، لإفساح مساحة للمتعصبين وتسليط الضوء على تصريحاتهم المدمرة للمجتمع.

لكن يتفق الكثير من المراقبين على أن الأزمة الحقيقية تعود إلى اختفاء الخطاب التنويري في الثقافة والمؤسسات التعليمية والإعلامية، بصورة ساهمت في إشعال العصبية الطائفية والدينية.

18