أدب رديء
يصنّف الأدب والفنّ وفق معيارَيْ الجودة والرداءة، في هذه الحالة يضع نفسه رقيباً مُحكّماً يفرض آراءه وتوصيفاته، ويفترض من الآخرين أن يعملوا بما يمليه عليهم.
هل هنالك أدب رخيص وآخر غالٍ؟ هل يندرج توصيف الأدب بالرخيص في إطار تسليع الأدب وتجريده من معناه ورسالته؟ هل من الجائز الحديث عن الرداءة والجودة في الأدب؟ ألن يدخلنا ذلك في لعبة التسوّق والتشيئة والتسليع؟
يستحضر السؤال عن توصيف الأدب بالرخيص أو الغالي أو النفيس أسئلة عن الصفات التي تلحق بالأدب عادة في المقاربات والتأويلات، ويمكن في هذا السياق الاستطراد في إسباغ صفات رغبوية على الأدب، كالحديث عن أدب نظيف وآخر وسخ، أو قذر.
لكن لا يخفى أن ذلك يعكس تناقضاً يضطرب في التركيب نفسه، فأن يكون هناك أدب يعني أنه موازٍ للحياة بكلّ ما يعترك فيها من جماليات وتناقضات في الوقت نفسه، وباعتبار الأدب يحاكي الحياة، أو يلتقط مشاهد منها، فهو ملتقط بالضرورة ما يتخلل تلك الحياة وما يجول في ثنايا تفاصيلها وطيّات أبطالها الذين يتمّ تصوير جزء من واقعهم أو حياتهم أو أفكارهم عبر الأدب.
يخطر للمتابع حين يقرأ تعبير “أدب رخيص” توصيف آخر في مجال إبداعيّ مختلف، في الفن السابع، إذ هناك من يصنف السينما إلى نظيفة وأخرى غير نظيفة، والنظافة هنا إشارة ودلالة على خلوّ الفيلم السينمائيّ من مشاهد جنسية، أو ربما مشاهد أو مقاطع تناقش يقينيات غيبية مؤصّلة عند أتباع هذا الدين أو المعتقد أو ذاك. ولعلّ من الجدير بالذكر أنّ روائياً وكاتباً كالأميركيّ تشارلز بوكوفسكي (1920-1994) اختار عنوان إحدى رواياته “أدب رخيص”، وأهدى تلك الرواية إلى الكتابة السيّئة.
وتكمن النقطة المثيرة للإعجاب أنّ الرواية تأتي كتحدٍّ من بوكوفسكي نفسه، عبر كتابته لروايته بحرفية عالية، كجلّ كتاباته، وكأنه بصدد تلقين أولئك الذين يكتبون بطريقة سيئة درساً في الأدب، يقول لهم إنّ الأدب قيمة إنسانيّة رفيعة.
هناك مَن يصنّف الأدب والفنّ وفق معيارَيْ الجودة والرداءة، في هذه الحالة يضع نفسه رقيباً مُحكّماً يفرض آراءه وتوصيفاته، ويفترض من الآخرين أن يعملوا بما يمليه عليهم، أو بما يقدمه لهم على أنّه نصائح تربويّة أو تثقيفيّة.
ربّما ينطلق بعضهم من نيّات حسنة في كتابة أعمالهم مدفوعين برغبة في الحظوة باعتبارات معنوية أو مادية، أو برغبة في الدفاع عن قضية ما بحماسة تخلو من علم ودراية، لكن وكما يقول المثل “النيّات الحسنة تنتج أدباً رديئاً”، ربّما يكون السؤال عن استرخاص الأدب أو الإعلاء من قيمته كامناً في مقولة لبوكوفسكي في عمله “أدب رخيص”، وذلك حين يقول “الجحيم هو ما تجعله أنت جحيماً”. والأدب كذلك، إمّا أن يجعله صاحبه أدباً، أو يبقيه رخيصاً. وهنا امتحان الكتابة والأدب.
كاتب من سوريا