فاطمة الشيدي: الرجال أيضا يكتبون أدبا نسويا

في حديثها عن تجربتها الأدبية والنقدية تطرقت فاطمة الشيدي إلى بدايات رحلتها مع الكتابة، لتعترف بأن البداية المبكرة لم تكن مخططاً لها غالبا، “كانت شغفاً في البوح، محاكاة لكتابة ما، رغبة في قول شيء ما بطريقة مختلفة”.
والشيدي التي كرست نفسها كاتبة وشاعرة وروائية، ولدت في مسقط عام 1973، حصلت على الليسانس في اللغة العربية وآدابها عام 1994، ودرجة الماجستير في مناهج اللغة العربية من جامعة السلطان قابوس عام 2001، ودكتوراه الفلسفة في الآداب في تخصص اللغويات الأسلوبية من جامعة اليرموك بالأردن عام 2008.
صدر لها عدد من الدواوين الشعرية نذكر منها “هذا الموت أكثر اخضرارا”، “خلاخيل الزرقة”، “مراود الحلكة”، “على الماء أكتب”، كما كتبت رواية وحيدة بعنوان “حفلة الموت”، فضلا عن عدد من النصوص والكتابات النقدية.
التعددية الشكلية
تتحدث ضيفتنا عن سبب تعدد اهتماماتها الفنية والأدبية، وتوضح “لا أظنني متعددة جدا، أنا فقط كاتبة تراوح في منطقة النص بكل ممكناته الفنية، وتصاعداته الموضوعية أو ما يمكن أن يسمى بالتعددية الشكلية، ولأنني لا أنتمي للأشكال سلفا، بكل معطياتها الجمعية الاجتماعية أو الثقافية أو الفنية، وأسعى جاهدة لتجاوزها أو الخروج عليها. ثم أنا قارئة قبل الكتابة وبعدها، وبين مفاصلها الجوهرية؛ أنا قارئة أولا وأخيرا.
وبصفتها شاعرة في المقام الأول، تتحدث الشيدي عن نجاح القصيدة العربية الجديدة في التطوير من نفسها والانطلاق نحو أفق أكثر رحابة، قائلة “لقد فعلت القصيدة العربية ذلك بقوة، وخرجت على كل الأطر الجاهزة ثقافيا وتاريخيا، القصيدة العربية الجديدة عميقة جدا وجارحة وإنسانية، إذ استفادت من التاريخ والآخر والثقافة التي تنتمي إليها والثقافات الجديدة، كما استفادت من كل المعطيات الدينية والحضارية والميثولوجية والعصرية بما في ذلك الوجع الإنساني، والظلم والقهر وكل التفاصيل، والحالة الرقمية أيضا. هذه القصيدة هي التي تستلذها الذائقة الراقية، ويستعذبها المتلقي، شاعرا وناقدا ومتذوقا، وهي بالطبع ليست كل ما يكتب، أو حتى كل ما ينشر، ولكن هذا يحدث دائما في كل عصر وفي كل الثقافات، إنها الخلاصة الصافية، إنها القليلة الممتلئة وليس الكثيرة الشائعة، ولكنها ناجحة وعميقة”.
وبسؤالها عمّا يمنحه الشعر للكتابة السردية، وعن دور الكتابات الشعرية في ترسيخ التجربة السردية بشكل أفضل، تشير الشيدي إلى أن للشعر فعلا ساحرا، له فعل الجمال والتغيير، وما وُجد الشعر في عمل أو عند إنسان إلا وجعله جميلا وخاصا ونبيلا، وبالتالي فالشعر يؤثر في الرواية، إذ يمنحها الخلود، يمنحها الجمال، يمنحها الشغف واللذة ويمنحها الفارق الجوهري بين تراتبية الحكاية وشعريتها، بين سيرها البطيء والمثقل بالحكي والأحداث، وبين تحليقها العذب، وخفتها الرشيقة، وتناغم سيرها، وبالتالي يحيلها من سرد طويل مملّ إلى عذوبة حقيقية؛ وهكذا يضيف الشعر عمقا للسرد، ومتعة للمتلقي، وخلودا للعمل.
الشعر فقد قاعدته الجماهيرية التي تخلت عنه، بعد أن تخلى هو عن تجسيد أحلامها وأفكارها ومعطياتها الهشة والجاهزة
ربما تراجعت مكانة الشعر في الوقت الراهن، خاصة في مواجهة الرواية، لكن ضيفتنا ترى أن “الشعر منذ البدء هو فن نخبوي، متعال ورفيع، وليس للعامة فهمه، وليس على الجميع تذوقه، بل هو لتلك الأرواح الشاعرة، ولمتذوقي رهافته، ومستشعري لذته وجماله، وهنا أقصد النص العميق غير المنبري ولا الإعلامي الذي يريد توصيل فكرة ما”.
وتضيف فاطمة الشيدي “أما اليوم، وقد وُجدت أجهزة الإعلام، فإن الشعر تخلى عن فكرة الإبلاغ نحو روح البلاغة المحضة، كما أن المدائحية أضحت عارا معيبا على الشاعر الحقيقي، مع وجودها طبعا، والغناء أصبح فنا مستقلا له شعراؤه وكلماته التي غالبا تأتي من الشعر الشعبي، أو من النصوص السهلة المكتوبة أصلا للغناء؛ بالتالي فالشعر الراهن لم يعد يحتمل صفاقة الإبلاغ، وفكرة البث، ولم يعد يحفل بالتكسب، حيث ناء بعيدا عن بساطة الغناء والترنم”.
وتستطرد الشاعرة “إذن لم تتغير مكانة الشعر، غير أن دوره تغير من الإبلاغ إلى البلاغة، وبالتالي فلم يتراجع ولم يفقد مكانته، ولكنه فقد قاعدته الجماهيرية التي تخلت هي عنه، بعد أن تخلى هو عن تجسيد أحلامها وأفكارها ومعطياتها الهشة والجاهزة والمنبرية بالدفاع عن البعض من أفكارها، أو ترديد أحلامها كأغنيات جمعية، فالتراجع كان للمتلقي وليس للشعر، وعاد الشعر ليكون نخبويا كما هي حقيقته وكما يليق به، فلا ينبغي مقارنته بالحكاية، التي كانت منذ القدم ابنة الجماهير العامة”.
الرواية والنسوية
كتبت الشيدي رواية واحدة وعادت بعدها إلى كتابة الشعر، وعن دوافعها لكتابة الرواية تشير إلى أنها نسبيا متأنية في النشر على الأقل في ما مضى، كما أن كتابة الرواية ليست بالأمر الهين بالنسبة إليها، لأنها تستدعي الكثير من الوقت والكتابة الجادة، والبحث والاشتغال على روح النص ومفرداته وتفاصيله، عكس الشعر الذاتي، أو النص السردي القصير الذي يمكن تشكيله بعد الدفقة الأولى بسهولة ويسر.
القصيدة العربية الجديدة عميقة جدا وجارحة وإنسانية، إذ استفادت من التاريخ وإبداعات الآخر والثقافة التي تنتمي إليها والمعارف الحديثة
وتستطرد الشيدي “كتبت الرواية ذات يوم لأنه كانت لدي حكاية عميقة في رأسي، أوسع من النص والشعر وبها شخوص وحبكة وتفاصيل لن يستوعبها أي شكل آخر غير الرواية، ولا تزال لديّ حكايات في رأسي أظنها تريد أن تتشكل روايات ذات يوم، لا أعرف متى، ولذا أنا لم أتخل عن كتابة الرواية، ولكنني لا أدري متى سترى روايتي الجديدة الضوء”.
وانتقالا إلى الحديث عن تصنيف كل ما تكتبه المرأة بأنه أدب نسوي، توضح فاطمة الشيدي أن الكتابة في انبثاقها الجوهري والحقيقي تنطلق من الذات، لتعبر عن مشكلاتها وقضاياها وإحساسها بما ومن حولها، ولذا فلا ضير ولا ضرر أن تكتب المرأة عن قضاياها، لأنها الأكثر إحساسا بها، واستشعارا لقهر المجتمع لها، فهذه لغتها وتلك حياتها. ولكن ليس علينا التعميم بأن يكون كل ما تكتبه المرأة مدرجا ضمن فكرة الأدب النسوي، بل هناك روايات كثيرة كتبتها نساء وأبطالها رجال، وفكرتها بعيدة تماما عن قضايا المرأة، فهذه لا تدخل في باب الأدب النسوي.
وتختم الشاعرة فاطمة الشيدي “هناك تصنيفات عديدة للرواية أو العمل الأدبي، فهناك الرواية التاريخية، وهناك الرواية السياسية، والبوليسية، وغيرها من التصنيفات، فلم لاتكون هناك الرواية النسوية؟ إنها ليست وصمة بل هي تصنيف فكري حسب الموضوع الذي تطرحه الرواية، لذا نعم، يمكننا أن نطلق فكرة الرواية النسوية على الروايات التي تهتم بقضية المرأة، وبمحاولة كشف الظلم أو القهر الذي تتعرض له المرأة في مجتمعاتنا أو في أي مجتمع آخر، أو حتى تكون بطلة الرواية امرأة لها فكر نسوي، تريد بثه لتحريك قضية المرأة باتجاه ما، انطلاقا من مظلوميتها الاجتماعية والثقافية والإنسانية القديمة والتاريخية ربما، ولكن بالطبع التعميم هو مشكلة في عالمنا العربي، فليس كل ما تكتبه المرأة أدبا نسويا، بل أحيانا البعض ممّا يكتبه الرجل يمكن أن يدخل في تصنيف الأدب النسوي”.