الجزائر: تعليم الإصلاح أولا قبل إصلاح التعليم

الجزائر - لم تتوازن المكاسب المهنية والاجتماعية التي حققها قطاع التعليم في الجزائر، مع طموحات الجزائريين لتطوير المنظومة التربوية رغم ضمان القوانين الجزائرية لمجانية التعليم من المدرسة الابتدائية حتى الجامعة.
والتعليم في الجزائر إجباري حتى سن الـ16، لكن ذلك انعكس على تراجع مستوى إدارة العملية برمتها، إلى جانب تغلغل التجاذبات السياسية والأيديولوجية في المنظومة، ما أدى إلى رهن التعليم الجزائري وتراجعه إلى ذيل التصنيف العالمي.
وتراهن الحكومة الجزائرية على جرأة وزيرة التربية نورية بن غبريت، لكسر الكثير من الحواجز والتابوهات في قطاع التعليم، بدءا من أساليب الإدارة إلى إصلاح واسع النطاق.
ووفرت بن غبريت لقطاع التعليم حماية سياسية كبيرة في وجه انتقادات لاذعة طالت مسؤوليه مرارا خلال الأشهر الماضية، وهو ما أثار دعوات إلى إقالتها.
كما استطاعت بن غبريت الصمود في وجه حملات انتقادية واحتجاجية تزامنت مع تسريب امتحانات شهادة البكالوريا (الثانوية العامة).
ورغم ذلك تصر الوزيرة الجزائرية على بدء جلسات وطنية لإصلاح المنظومة التربوية خلال أيام. ومن المقرر أن تشمل الجلسات، التي ستضم سياسيين ونشطاء إلى جانب متخصصين في التعليم الجزائري، إصلاح شهادة البكالوريا تحديدا، وإطلاق ما يعرف بالجيل الثاني من الإصلاحات الشاملة، لتدخل حيز التنفيذ خلال الموسم الدراسي المقبل.
وسيطرت التجاذبات السياسية والأيديولوجية على المدرسة الجزائرية وبقيت رهينة هذا النوع من التجاذبات طوال سنوات، وهو ما أطال عمر الأزمة التي تهيمن عليها.
وحتى الحركات الاحتجاجية التي تنفذها من حين لآخر نقابات فاعلة في القطاع، اكتفت بالمطالبات الفئوية المتصلة بالظروف المهنية والاجتماعية للأساتذة والموظفين، دون أن تفتح نقاشا حول مضمون المنظومة التربوية، التي تؤثر كثيرا في مستقبل الملايين من الطلاب.
وتخصص الحكومة الجزائرية ربع الميزانية القومية لقطاع التعليم. ويضم القطاع قرابة عشرة ملايين طالب، ويعمل به حوالي مليون معلم وموظف، وهو ما جعله أكثر القطاعات نفوذا في البلاد.
وتتفادى الحكــومة الجزائـــرية أي مواجهات مع النقابات والجمعيات المهتمة بتطوير التعليم، تجنبا لإضرابات محتملة قد تعطل العمل بالقطاع، وتنتقل إلى قطاعات أخرى.
|
ورغم سماح القوانين الجزائرية للقطاع الخاص بالاستثمار في التعليم فإن نسبة المدارس الخاصة لا تتعدى 2 بالمئة بحسب إحصائيات غير رسمية.
وتتركز هذه النسبة في المستويات التعليمية الأولى، وأغلب من ينتمون إليها من أبناء العائلات الثرية، بينما يشكل التعليم الحكومي الغالبية الساحقة في البلاد.
والتعليم العالي في الجامعات والمعاهد حكومي، وأعلنت مصادر في وزارة التعليم العالي عن تقدم مستثمرين لإنشاء جامعات خاصة.
وتشكل مجانية التعليم في الجزائر أحد مكتسبات الاستقلال الوطني، لكنه تحول بمرور الوقت إلى عبء على كاهل الحكومة.
ويرى مراقبون في الجزائر أن قطاع التربية والتعليم يشكل ساحة معركة رئيسية لإدارة الصراعات السياسية والأيديولوجية، بينما تغيب النقاشات الحقيقية والمحايدة حول تطوير المنظومة المحلية وحمايتها من الاتجاهات السياسية.
ففي كل مناسبة يفسح فيها المجال لإعادة النظر والبدء بالإصلاح ينحرف السجال إلى نزاعات بين التيارات الفكرية والأيديولوجية، ويتوقف بعدها، وتفوت فرصة على الطلاب الجزائريين، للمرور إلى مرحلة تعليمية جديدة تواكب التطورات المتسارعة في العالم.
ويقول اليزيد قنيفي، المحلل الجزائري، إن “النقاش حول إصلاح المدرسة الجزائرية ينبغي أن يأخذ منحى البحث المعمق في مجالات علوم التربية، بدل الغرق في فنجان الجدل السياسي العقيم الذي لا يولد إلا اليأس والحسرة والأسف والبكاء على الأطلال”.
وأزمة التعليم في الجزائر واحدة من أوجه أزمات المجتمع والصراع الأيديولوجي الأزلي بين التيارين المحافظ المرتبط بالقيم الروحية والحضارية المشرقية، والفرانكفوني المتربط بالقيم الغربية وفرنسا تحديدا، لا سيما على مستوى الثقافة واللغة.
وأثارت دعوة وزيرة التربية خلال العام الماضي إلى اعتماد اللهجة الدارجة في المراحل الأولى للتعليم، ثم الاستعانة خلال الأشهر الماضية بفريق من خبراء التربية الفرنسيين لإصلاح المنظومة الوطنية، وحتى إعادة النظر في مضمون وتوقيت التربية الإسلامية، سخط الفعاليات والقوى المحسوبة على التيار العروبي والإسلامي، التي دعت الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى التدخل من أجل إقالة الوزيرة ووقف الانحراف عما أسمته بـ”الثوابت الوطنية والقومية”.
وتوجه أصابع الاتهام إلى بن غبريت بالتفرد “بإصلاحات الجيل الثاني”، وإسنادها لفريق من أنصار التيار الفرانكفوني، بعيدا عن أي مساهمة أو نقاش موسع لمختلف الفعاليات الناشطة في القطاع.
كما يتهمها الكثيرون بالتعجيل في الإصلاحات لتدخل حيز التنفيذ بداية من الموسم الدراسي المقبل، رغم ما تراه تلك الأوساط “رفضا واسعا من المجتمع للإصلاحات”.
وأثارت الخطوات المعلنة من قبل بن غبريت ووزير التعليم العالي طاهر حجار، هواجس لدى رموز التيار المحافظ حول انتصار خصومهم في فرض مشاريع فرانكفونية في المنظومتين الجامعية والمدرسية، خاصة مع المؤشرات الصادرة عن الرئاسة حول انحيازها لصالح فريق بن غبريت.
وتخصص الحكومة الجزائرية سنويا موازنة كبيرة، لإنجاز وترميم الهياكل والوسائل الدراسية وتغطية أجور الأستاذة والموظفين. ورغم ذلك يواجه القطاع العديد من المعوقات أثرت على أدائه، وعرف تدهورا لافتا خلال السنوات الأخيرة، مع تفشي ظاهرة العنف المدرسي والغش في الامتحانات، وارتفاع معدل عدد المتسربين الذي وصل إلى نصف مليون طالب سنويا.