عبارة "زوجتك نفسي" آفة على لسان الملايين من الفتيات هربا من العنوسة

القاهرة- كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن عدد حالات الزواج العرفي التي تم التصديق عليه هو 88 ألف حالة عام 2014، مقابل 63 ألف حالة في عام 2013، بزيادة قدرها 24 ألف عقد بنسبة 38.7 بالمئة، بينها حالات زواج في أعمار أقل من 18 سنة بلغت 62 ألف حالة.
الزيادة تبدو منطقية بعد أن أصبحت عبارة “زوجتك نفسي” آفة على لسان الملايين من الفتيات لمقاومة العنوسة، والمشكلة أن الفتاة لا تدرك مخاطر ما أقدمت عليه إلا بعد أن تستيقظ على مصيبة وتنطفئ نيران الرغبة الجسدية لتفاجأ أن الهروب عبر زواج عرفي مكتوب على ورق سلوفان يدفع إلى الهاوية.
الرجل يتعامل مع هذا الزواج على طريقة الوجبات السريعة الـ”تيك أواي”، والفتاة تكتشف بعد وقت قصير أنها ضحت طواعية بحقوقها ودفعت ثمن حبّ زائف بلا منطق، حتى لو استندت إلى مسمّيات دينية ومجتمعية ودوافع اقتصادية.
تصل المعاناة أحيانا إلى ذروتها، إذا حملت الفتاة فتعاني من أجل إثبات نسب الطفل أو استخراج شهادة ميلاد له، وقد بلغت قضايا إثبات النسب بالمحاكم المصرية نحو 75 ألف قضية مؤخرا، وهو ما يعد جرس إنذار يهدد بشرخ جدار الرباط المقدس. هناك فتيات يختصرن الطريق ويتخلّصن بالإجهاض مما حملنه في أحشائهن، خوفا من الفضيحة، ويترددن سرا على عيادات النساء والتوليد.
لكن الإقدام على ذلك قد يكتب نهاية لحياتها، فوفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 12 بالمئة من الفتيات يتعرضن للوفاة إثر إجهاضهن، لأن مافيا الإجهاض تقوم بقتل الأجنة حتى وإن اكتملت. وكشفت دراسة للجمعية المصرية للخصوبة أن معدل الإجهاض المتعمد في مصر لغير المتزوجات بشكل رسمي تصل نسبته نحو 75 حالة في الألف، أما الاحتفاظ بالطفل لحين ولادته فيكون غرضه في بعض الأحيان بيعه لأغنياء حرموا من الإنجاب.
وأكدت آمنة نصير أستاذ الفقه المقارن، أن الزواج العرفي يقوم على السرية وعدم الإشهار، لذلك فإن انتشاره يؤدي إلى تداعيات سلبية، أبرزها ضياع حقوق الفتاة إذا حدث الطلاق، سواء فيما يتعلق بنفقاتها أو إذا أنجبت أطفالا، فالقانون والقضاء لا يعترفان بهذا الزواج وما يترتب عليه من نتائج.
غياب التوعية لدى الشباب بمخاطر الزواج العرفي، وكذلك انتشار ظاهرة العنوسة، هو ما يدفع البعض إلى القبول به، رغم ما يحمله من مخاطر عديدة بالنسبة إلى الحقوق الاجتماعية والقانونية للفتيات
ولأن هذه العلاقات غير مقبولة لعدم اتخاذها صفة الشرعية، يقدم بعض أفراد الأسرة على الزواج العرفي لأسباب تبدو مقنعة. فقد كبل القانون المصري المرأة المطلّقة والحاضنة بأنها إذا تزوجت يجوز للزوج (المطلق) رفع دعوى نقل حضانة الأطفال من الأمّ إلى الأب، ما يضطر بعضهن إلى اللجوء إلى الزواج العرفي خوفا من إسقاط حضانة أطفالها إذا تزوجت رسميا.
كما تضطر المرأة إلى هذا الزواج عندما تكون مطلقة وتتقاضى معاشا مستحقا لها عن أحد والديها، فإذا تزوجت رسميا، يسقط عنها المعاش لوجود من يعولها أو ينفق عليها. الأمر لا يخلو أيضا من وجود زواج عرفي يتم بمباركة الأهل من الطبقات الفقيرة، لأنهم قد لا يجدون ما ينفقونه على الزواج التقليدي أو استجابة لرغبة زوج لديه الكثير من المال، فتتم التضحية، وهنا يكون التعامل مع الفتاة على أنها سلعة ربما تخرج أسرتها من حالة الفقر والبؤس.
وساهمت تعديلات قانون الطفل ورفع سن الزواج بمصر في زيادة حالات الزواج العرفي، خصوصا في القرى، حيث يزوّج الأهل الفتيات القاصرات ويكتبون إيصال أمانة على الزوج، على أن يتم توثيق الزواج عند بلوغ الفتاة سن الزواج القانوني. وقد ينتج عن هذا الزواج أطفال لا تستطيع الأمّ تسجيلهم في الدفاتر الرسمية لأنها ليست لديها قسيمة زواج، وفي النهاية يكون الأبناء من ساقطي القيد أو يلجأ الجد إلى تسجيل أبناء ابنته باسمه فيحدث اختلاط في النسب.
وأوضح عثمان فراج، أستاذ علم النفس لـ”العرب” أن غياب التوعية لدى الشباب بمخاطر الزواج العرفي، وكذلك انتشار ظاهرة العنوسة في مصر حيث يصل عدد الشباب والفتيات فوق سن الزواج إلى أكثر من عشرة ملايين، هو ما يدفع البعض إلى القبول به، رغم ما يحمله من مخاطر عديدة بالنسبة إلى الحقوق الاجتماعية والقانونية للفتيات.
وأرجع فراج تزايد حالات الزواج العرفي في مصر مؤخرا إلى إباحة بعض الشيوخ الذين يحظون بمصداقية في الشارع لهذا النوع من الزواج. وشدد على ضرورة أن تصدر الجهات الرسمية المختصة، كدار الإفتاء أو الأزهر، فتاوى وبيانات واضحة في شأن هذه المسألة، تؤكد بجلاء موقف الدين والمجتمع منها، بحيث تقطع الطريق على من يتصدّون للفتوى من كل حدب وصوب، وأن يكون هذا الموقف ملزما بعقوبات محددة، وهو ما يساهم في الحد من انتشار هذه الظاهرة.