الكتابة المسرحية

الأحد 2016/07/10

يجد الكثيرون صعوبة في التعامل مع النص المسرحي باعتباره منجزًا إبداعيًا، وينظرون إليه باعتباره مرحلة من مراحل إبداع يكتمل على الخشبة!

قد تنطبق هذه الفكرة على نسبة كبيرة من النصوص المسرحية التي كُتبت بهدف تجسيدها على خشبة المسرح فلم تنتبه إلى ضرورة خلق عالم جمالي يضمن استقلالها بين دفتي كتاب، قبل أن يضمن تألقها على خشبة العرض.

رواج هذه الصورة كان سببًا مباشرًا في إحجام القراء عن قراءة مسرحية، وبالتالي تخوف دور النشر -الخاصة تحديدًا- من نشر المسرح.

كما أن هذا التصور الجامد عن المسرح كان سببًا في جمود الكثير من النصوص المسرحية المعاصرة وتقيّد الكثير من الكُتّاب في مساحة اجترار التراث في الفكرة وفي التناول، أو، على النقيض، تقليد تجارب الغرب أيضًا في الفكرة والتناول، ففقدنا أو، على أحسن الأحوال تأخرنا، في صنع تيار منتظم من الكتابة المسرحية بروح تشبهنا وتشبه عصرنا.

عندما نكتب المسرح باعتباره نصًّا فإننا نكسب فكرًا محترمًا وأفقًا مفتوحًا، ولكن عندما نكتبه باعتباره عرضًا مسرحيًا فإننا نقوم بتفصيل نصّ على قياس جمهور محدد، أو مذاق لجنة تحكيم معينة.

لذا، فإن كلّ محاولة لكسر هذه الصورة هي عمل يستحق الإشادة، وكل جائزة تُمنح للنص وليس للعرض، وكل دار نشر تُفسح مجالًا لنشر نصوص مسرحية، وكل صحيفة تعتني بنشر النص المسرحي وتعرف به، وكل مجلة تخصص زاوية للمسرح، كل بوابة إلكترونية…، وكل وسيلة تفعل ذلك تخطو بنا خطوة نحو وجود مسرح عربي يُشبه عصره، تمنح الثقة للكتّاب في أن يبدعوا، وترسل إشارة إلى القراء بأن المسرح منجز إبداعي ناضج وليس مجرد مـكونات طـبخة تنتظر النضج.

جهات كثيرة تستحق الإشادة في هذا الصدد، أحدثها الجهد الذي أنجزته مجلة “الجديد” الصادرة من لندن، بتخصيص عدد كامل تحت عنوان “الكتابة المسرحية، أصوات المجتمع”، فـ”الجديد” تُعامل المسرح معاملة الإبداع من الأساس، لكنها في هذا العدد خصصت ملفًا ضم 17 نصًّا مسرحيًا من كافة أرجاء الوطن العربي، لتتجاوز بذلك مفهوم الخطوة إلى حفر درب على المسار الصحيح الواجب دعمه ورعايته، وهو أن المسرح نص إبداعي ملهم متحقق بذاته، له مفاتيحه الخاصة في التواصل مع القارئ، هذه المفاتيح التي أهملها الكثيرون بدعوى أن النص المسرحي منتج ناقص ينتظر الاكتمال على الخشبة!

يحتاج عدد “الجديد” إلى قراءة متأنية ودقيقة للوقوف على ملامح مشهد الكتابة المسرحية العربي، ولكن نظرة سريعة على تعدد النصوص التي يضمها، والآفاق التي ارتادتها، سواء على مستوى المضمون أو التناول، تُعيد الأمل إلى النفس، وإن كانت تستدعي تساؤلًا لا يجوز تجاهله ألا وهو إذا كان لدينا مثل هذه الكتابات التي عالجت وناقشت بذكاء إيداعي لافت شتى قضايا المجتمع العربي، فلماذا لا نرى على مسارحنا سوى الغث من النصوص؟ منْ وراء تجميد صورة المسرح عند ما يتدفق علينا من الفضائيات من أعمال تفتقر إلى الإبداع والذوق على مستوى النص والأداء والأدوات أو الإخراج؟

إذا كان رأس المال هو المتحكم في مسرح الخشبة اليوم، فإن الرهان يجب أن يكون على مسرح النص، أيها المبدعون، اكتبوا نصوصكم وحلّقوا في آفاق الإبداع والتجريب، ناقشوا وارفضوا وجسّدوا قضايا مجتمعاتكم، ولن تعدموا وسيلة للنشر تحفظ دماء إبداعكم إلى زمن، نأمل أن يكون قريبًا، ينتبه فيه القراء إلى أهمية النص المسرحي كإبداع مكتوب يشبه عصره، وينتبه فيه أصحاب الخشبات إلى أن نجاح المسرح وتألقه يبدأ من نص مسرحي مكتوب بشروط الإبداع يستفز نفوس المخرجين إن كانوا يتعاملون مع المسرح بمنطق الفن وليس منطق “السبوبة”.

شاعر وكاتب من مصر

15