السحور لا يكتمل دون صوت دلال في القاهرة

مع اقتراب ساعات الفجر الأولى تستعد المصرية دلال عبدالقادر لمهمة يومية طوال شهر رمضان، تطوف خلالها الشوارع لإيقاظ النائمين وتذكيرهم بموعد تناول السحور، في تقليد رمضاني دأب على إحيائه الرجال ولم يألفه المسلمون من امرأة.
الثلاثاء 2016/06/28
دقت ساعة السحور

االقاهرة – أمام التراجع المستمر في مهنة المسحراتي بسبب تغير العادات والتقاليد، وظهور بدائل عصرية تؤدي نفس الدور، ظهرت فكرة جديدة بالاعتماد على السيدات للقيام بالدور المهجور الذي أخفق الرجال في الحفاظ عليه.

ولجأت بعض الدول إلى تجربة السيدة المسحراتي رغبة في إعادة الحيوية المفقودة، مثل تركيا التي دربت بلدية إحدى المدن هناك عددا من الفتيات ليقمن بالتجول في الشوارع في ليالي رمضان لأجل إيقاظ الصائمين لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر.

وفي دول أخرى اقتحمت سيدات المهنة بحثا عن مورد حلال للرزق في ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة، أو للحفاظ على المهنة المتوارثة داخل العائلة التي لم تنجب ذكورا يتسلمون الراية من الأجيال السابقة.

أما في مصر، فقد اضطرت دلال عبدالقادر -أشهر سيدة تقوم بدور المسحراتي في القاهرة- إلى الدخول في شوارع ضيقة وطويلة لإحياء المهنة التي ورثتها عن شقيقها محمد الذي رحل عن الدنيا قبل سنوات.

المفارقة أن دلال مثل شقيقها الراحل ليست متفرغة للمهنة، حيث تعمل بقية شهور العام في كي الملابس بأحد الأحياء الشعبية، مثلما كان شقيقها يعمل موظفا بسيطا في البلدية.

وحزن دلال على فراق شقيقها جعلها تصمم على استكمال مشواره، فارتدت عباءتها السوداء وطرحتها الزرقاء وعلقت طبلته المزخرفة على صدرها بواسطة حبل قوي حول عنقها، ومسكت عصا سوداء في إحدى يديها لا تقل صلابة عن صوتها.

دلال التي تبلغ من العمر 45 عاما قالت لـ “العرب” إن رغبتها في العمل قوبلت بترحيب من زوجها الذي اشترط عليها فقط أن تصطحب معها في جولاتها ابنهما محمود ليؤنسها في جولاتها الليلية.

وقالت دلال إن نشاطها يتركز في أحياء البساتين ودار السلام وحي المعادي بالقاهرة، وهي تجمعات بين الشعبي والراقي، ورغم أن عملها يبدأ في المعتاد بعد منتصف الليل إلا أنها لم تواجه مشاكل تثنيها عن أداء مهمتها.

ولم تتعرض المسحراتية للمضايقة خاصة في الوقت المتأخر من الليل بحكم أنها من منطقة شعبية والجميع يعرفها، لكن الغريب أنها تتعرض للمضايقة من نساء يقللن من قيمة ما تقوم به ويلاحقنها بنظرات ساخرة ومؤذية.

وأوضحت دلال لـ “العرب” أن الصائمين في الأحياء الراقية معزولين عن العالم لا يعرف بعضهم البعض، مثلما لا يعرفون مهنتها جيدا، على عكس الأحياء الشعبية التي ينظر سكانها إلى المسحراتي كطقس يومي من طقوس الشهر الكريم.

وتحفظ دلال أسماء أطفال كل شارع وعندما تختلط في ذهنها الأسماء، وتنادي على أحدهم خطأ يتنافسون هم بضحكاتهم البريئة لتصحيح الاسم، والبعض منهم يطلبون منها أن تناديهم بأسمائهم من النافذة وفي حال رفضت لن يتناولوا وجبات سحورهم فتستجيب بسهولة.

ويبدو الفارق بين دلال وشقيقها الراحل جوهريّا، حيث كان ينادي على الأشخاص بأسماء آبائهم ويقرنها بابتهالات دينية على إيقاع الطبلة، أما هي فتنادي على أطفال الحي الذين تحفظ أسماءهم عن ظهر قلب فقط.

وترى دلال أن معايير النجاح في مهنة المسحراتي بسيطة، أبرزها أن تكون ذكية لتستطيع الفوز بحب الناس، فيشتاقون إليها وينتظرونها كل ليلة، وأن تكون عزيزة النفس لا تتسول من الناس لأنها تسيء لكل العاملات بالمهنة. بالإضافة إلى ذلك هناك المقومات التقليدية مثل أن تمتلك شخصية مستقلة وصوتا قويا رنانا وجميلا وذاكرة قوية، ويجب عليها ألا تقلد الأخريات.

وفي محاولة لرد الجميل لشقيقها وتكريما لذكراه قالت دلال “إنها تخصص جزءا مما تكسبه من عملها في المهنة الرمضانية لأولاد شقيقها الخمسة، وأحيانا تقيم مائدة إفطار خيرية صغيرة لتكون في ميزان حسناته”.

وتعترف بأن المهنة رغم بساطتها شاقة، فهي تسير على قدميها عشرات الكيلومترات حتى قبل الفجر، وغالبًا ما تتناول سحورها في الشارع، كما أن صوتها يذهب تماما مع نهاية رمضان، لكن هذا لا يساوي شيئا أمام السعادة والراحة النفسية اللتين تحظى بهما.

24