أنوار الكتابة
يلقي عالم السجن بظلاله الكابوسيّة على عدد من الأدباء الذين عانوا مرارته، وذاقوا ويلاته، لكنّهم تحدّوا عتمته بطريقتهم الخاصّة، وحاولوا تبديد تلك العتمة، عبر تسليط الأضواء عليها، والكتابة عنها، لتشكّل كتاباتهم اختراقاً أدبيّاً لعالم السجن الموحش الكئيب، وإنارة لعتمة الدواخل والسجن معاً.
تبدو اليوميات أقرب الأجناس الأدبيّة لحياة الأدباء المساجين، يدوّنون فيها آمالهم وأحلامهم، يوثّقون مآسيهم ويؤرّخون شهادات عن زمنهم الذي يبدو لهم خارج المكان الطبيعيّ، يكون زمناً كابوسيّاً يستمدّ عتمته وتأثيره من ثقل السجن وجنونه.
يحوّل الأدباء فترات سجنهم إلى محطّات نور ومشاهد اعتبار، ويؤكّدون أنّ أنوار الأدب والكتابة تبدّد عتمات السجون، وتكون شهادات للتاريخ وعلامات فارقة على درب الحرّيّة المنشودة.
كتب الإيرلندي بوبي ساندز (1954- 1981) في “كتابات من السجن” يومياته وقصائده وأفكاره وخواطره ونصوصه خلال فترة سجنه، وتتمحور كتاباته حول واقع السجن البغيض والأليم، بالموازاة مع التوق إلى الحرية والانعتاق، استقرأ الوقائع والأحداث والمخاطر، أنذر وحذر، رفض الرضوخ للضغوط التي مورست عليه، وتحدّى وسائل التعذيب بطريقته التي كلفته حياته.
كان الإيرلندي ساندز الذي اعتقلته السلطات البريطانية على خلفية مشاركته في السعي والنضال لتحرير إيرلندا من الحكم البريطاني، وحكمت عليه بالسجن لسنوات، قضى في السجن في اليوم السادس والستين لإضرابه عن الطعام عن عمر 27 عاماً في 1981، وخلف عدداً من الكتابات التي سربها من سجنه، وكتبها عن واقع حاله وآماله وأحلامه ومعاناته، عن قهر السجن وعن الظلم الذي عاناه فيه.
كتابات ساندز محطات من حياته، ومشاهد من واقعه وخياله، ونصوص كتبت على فترات مختلفة في السجن. هو الذي وصف سجنه بأنه قبره، كتب عن التعذيب الذي لقيه، وعن الطريقة الوحشية التي عامله بها السجانون، وحلمه الدائم بالحرية، وعدم تمكنه من التأقلم مع السجن كحالة إجرامية ضد الإنسانية.
كان ساندز ينظر إلى الجهة الأخرى من السجن، يحاول تخيل ما هناك في فضاء الحرية، فيداهمه اليأس مجدداً، يعتقد أن الإحباط، الضرب، البرد، لا يكف عن ملاحقته. ويتألم بسبب أنه ما إن ينظر عبر النافذة حتى يصرخ في وجهه معسكر التعذيب. يحدث نفسه أنه ما إن ينظر حوله في القبر الذي يعيش فيه حتى يشعر بأنه محاط بالجحيم، حوله أولئك الشياطين المسوخ على هيئة السجانين، وهم على أتم الاستعداد للانقضاض عليه في كل دقيقة من دقائق اليوم الكابوسي تماماً. وتراه أطلق سؤاله الذي يعتبر صرخة إدانة للظلم؛ “كم علينا أن نعاني؟”، ووصل إلى درجة من الأسى، وهو يقول “دعهم يعثرون على اسم لهذا القهر. دعهم يعثرون على اسم لكابوس الكوابيس هذا”.
كاتب من سوريا