جوائز مصر الثقافية

الأحد 2016/06/19

عندما تغيب المعايير فإن كل شيء يمكن أن يكون خطأ وكل شيء يمكن أن يكون صوابًا. الأخلاق قيم حاكمة لكنها بلا قيمة إن لم تتحول إلى معايير لها صفة القوانين، بمعنى أن عدم الالتزام بها له عقوبات وجزاءات محددة.

هنا نتساءل عن المعايير التي تحكم منح جوائز الدولة التشجيعية أو التقديرية أو غيرها من الجوائز الرسمية في مصر. هل تصدر هذه الجوائز عن رؤية واضحة تسعى لتحقيق أهداف مدروسة؟ وبالتالي فإنها تعمل من خلال معايير معلنة دقيقة محددة لضمان خدمة هذه الأهداف وتحقيق الرؤية؟

الإجابة في اعتقادي بالنفي، لأن العمل الثقافي في مصر فقد الرؤية وضيّع الأهداف منذ سنين طويلة عندما ضاعت رؤية مصر نفسها وتحول الأمر إلى تمثيلية للبقاء وفق سياسة الترقيع.

هل يملك أحد من المسؤولين عن الشأن الثقافي الرسمي أن يحدد لنا، من دون بلاغة أو خطابة أو شعارات، مجموعة الأهداف التي تعمل مؤسسة الثقافة الرسمية على تحقيقها ثم يربط كل هدف من هذه الأهداف بخطة العمل المرسومة والمنتجات الثقافية التي يتم إنتاجها بداخلها، ويربط الجميع بشبكة تتضمن بوضوح قطاعات الشعب المستهدفة، وقبل أن نصفّق له يُطلعنا على مؤشرات الأداء التي يقاس بها مدى نجاح العمل وبيان ثماره، وخطط تطويره البديلة في حال كانت نسب الإنجاز غير مجدية؟

في ظني أن العمل الثقافي الرسمي في مصر يدور بقوة الدفع الذاتي مستفيدًا حتى الآن من قوة الصورة الذهنية التي نجحت مصر في تكوينها والترويج لها في فترة كانت فيها اللاعب الوحيد تقريبا على الساحة العربية، فكانت أهدافها هي الأهداف، وخططها هي الخطط، ومنتجاتها هي المنتجات، ليس لأنها الأفضل إنما لأنها الوحيدة، أما الآن وقد تغير الحال فبما أننا لا نخطط فإننا بلا شك جزء من خطط الآخرين، أو على أفضل الأحوال خارج مساحات التخطيط والتفكير، بمعنى خارج سباق التقدم، لأنّ السباق يلزمه هدف يتوجه إليه المتسابقون، فما هو هدفنا؟

لم أستطع تجاهل هذا الحديث قبل أن أعود إلى موضوع جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية التي أثير بشأنها الكثير من اللغط مؤخرًا، هل يمكننا أن نتّفق أو نختلف إن كان أحد الأشخاص الذين توجّهت إليهم الجوائز يستحقها أم لا؟

لا يوجد شخص يمكن الاتفاق عليه، ولا عمل يمكن حسم الآراء بشأنه، ولكن توجد معايير، ينبغي أن تكون معلنة وثابتة، لتساعدنا على قياس مدى انطباق شروط منح الجائزة لعمل أو لشخص من عدمه.

من دون وجود معلن وواضح ومنطقي لهذه المعايير فإنه لا يمكن حسم المسألة. البعض قد يرى في حصول الأديب منير عتيبة على الجائزة، وهو في الوقت ذاته عضو لجنة القصة بجانب أنه محكّم في لجنة الرواية للدورة الحالية، خطأ، هل تنصّ المعايير والشروط على أن ذلك خطأ؟

قد يرى بعضنا أنه مناف للمنطق، ولكن ما هو المنطق، ومنذ متى يحكمنا المنطق؟

هل هو فعل ينافي الأخلاق؟ ما هو تعريفك للأخلاق؟ هل ما يكتبه عتيبة لا تتوفر فيه المعايير؟ أين المعايير؟ هل أن منتج فلان أفضل من منتج علان؟ وفق أيّ معيار استخلصتَ ذلك؟

سنظل ندور داخل دائرة من الرفض والقبول يمكنها أن تبني سلمًا من الكلمات إلى السماء من دون أن نحسم الأمر، لأن الحسم الوحيد يجب أن يكون في رؤية واضحة لها أهداف معلنة تتحول إلى معايير حاكمة وقوانين تحدد الجائز من غير الجائز، الخطأ من الصواب. وهو ما لا نملكه.

هناك قصة تُروى عن الوصيّ الذي رفض تعيين حارس على أملاك ابنة أخيه بحجة أن الرب يشملها برعايته، وكلنا نعرف أن الرب لا يرعى الخراف بل الراعي، وأن الوصيّ رفض تعيين حارس لأنه هو نفسه اللص.

شاعر من مصر مقيم في الإمارات

11