القيلولة تقسم النهار إلى شوطين والناس إلى فريقين

القيلولة أو فترة نوم بعد الظهرـ ولو لدقائق قليلة ـ ثم استئناف النشاط من بعدها، عادة قديمة ومنتشرة، وترافق مجتمعات كثيرة عرفت بنهارها الطويل، بل وأصبحت نمط حياة في بلدان تشرق فيها الشمس أكثر من غيرها كالعالم العربي وحوض المتوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
الثلاثاء 2016/06/07
عادة يجلها بعضهم ويستهجنها آخرون

القيلولة كانت ولا تزال تعدل على أساسها كل المواقيت، وتؤخذ بعين الاعتبار في نظم العمل والمواعيد وباقي العلاقات الاجتماعية، حتى أن الزيارات والاتصالات، عادة ما تستهجن فترة بعد الظهر في الأعراف السائدة، ويصبح ضيف القيلولة الذي ينعت لدى البعض بالغليظ، ويشبهونه بزائر الهزيع الأخير من الليل، غير مرغوب فيه، وتروى في ذلك روايات وطرائف وحكايات، حتى أن الأطفال الذين يرفضون الامتثال لواجب القيلولة في الصيف، تتم إخافتهم وترهيبهم بأشباح وعفاريت الظهيرة في المخيال الشعبي العربي لدى بلدان كثيرة كمصر وتونس وغيرهما.

والقيلولة في الصيف تصبح عادة يومية لا بد منها، بل واجبا شبه مقدس كما يقول أحد سائقي التاكسي في تونس، والذي أفاد بأنه يركن سيارته إلى مكان ظليل في الصيف حين يداهمه النعاس بعد الغداء، ويأخذ إغفاءة قصيرة يسميها التونسيون تحببا”التعسيلة” ويقول إنه يعتذر عن كافة الطلبات التي تأتيه في وقت القيلولة مهما كانت “إغراءاتها”، ويذكر كيف كاد مرة يتسبب في وقوع حادث سير خطير بسبب عدم التزامه بوقت القيلولة، وأضاف مستدركا “يبدو أن سائق الشاحنة الذي أمامي أكثر نعاسا مني، ولم يأخذ حصته من القيلولة، لأنني لا أرتكب مثل ذلك الخطأ، حتى لو كنت نائما أمام المقود”.

الذين يرفضون عادة القيلولة ويعتبرونها وقتا مستقطعا، بل مهدورا من حياة الإنسان، يوعزون رأيهم إلى أسباب كثيرة ويصفونها بالمنطقية، وأهمها أن اليوم مقسم إلى ثلاثة أجزاء، وعلى الواحد أن يستهلكها بالتساوي وفق نظام تراتبي، وهي النوم ثم العمل ثم التفرغ للنشاطات الأسرية والاجتماعية والرياضية والثقافية وغيرها.

ويقول أحد الرافضين لمبدأ نوم الظهيرة إن “القيلولة عادة المجتمعات التي شبت على ثقافة الكسل والتواكل والنوم مثل قطط الصالونات التي لا تكلف نفسها حتى صيد الفئران”، لكن صديقه الذي يرافقه يعارضه بشدة، ويعتبر العكس هو الصحيح، فالكسول أو المتواكل برأيه هو ذاك الذي يسهر الليل وينام الضحى ليجد نفسه نشيطا ومستيقظا طوال النهار، فهو بالتالي لا يحتاج إلى فترة نوم بعد الظهر التي هي عادة من يستيقظ باكرا ويعمل ويكد بجدية أكثر من غيره. نحن في الأيام الأولى من شهر الصيام الذي يشهد أطول نهار في السنة وأكثر الأيام حرارة في البلاد العربية ذات الطقس الساخن من أساسه، والحديث عن القيلولة مع نقاش أهميتها وجدواها، يصبح ذا أهمية بالغة من النواحي الاجتماعية والطبية والشرعية التي لها رأي في مسألة نوم الصائم في النهار، وما ينجر عن ذلك من أحكام واجتهادات فقهية.

نوم الليل وحده أم النهار معه أيضا، مسألة تبدو بسيطة بمجرد طرح السؤال، لكنها بالغة التعقيد في الإجابة والتبرير، التبرير الذي لا نحتاج إليه حين يداهمنا النوم كصاحب سلطة لا تقاوم، وحاجة يطلبها الجسم البشري وفق قوانينه وساعته البيولوجية التي لا تتوقف عقاربها عن الدوران غير المنظور. النوم والشمس في كبد السماء أم النوم والنجوم متلألئة والليل يرخي سدوله، هو النوم واحد، وإن اختلف طعمه ومزاج الاستيقاظ ومذاق القهوة من بعده، وتضاربت فيه الأحلام مع الكوابيس أو تقاطعت، أو انعدمت في ذاكرة المتعب الذي يحط رأسه على وسادة غرفة النوم، أو مقود السيارة أو طاولة المكتب، أو حتى أسند ظهره إلى حائط يبنيه أو كان يستظل تحته حالما بحائط آخر في حالة الكثير من العاطلين عن العمل في البلاد العربية.

حق الجسم والعقل

النوم سلطان في ظهيرة الصيف

يقول أحد العرب المقيمين في دولة السويد “أنا مواظب على عادة القيلولة التي أعتبرها طقسا مقدسا، ولم أنقطع عنها يوما واحدا، حتى بعد مجيئي إلى بلاد الشمس الباردة كما يلقبها الآخرون، ثم إن جسمي ظل وفيا لهذا النداء البيولوجي رغم اندثار أسبابه الموضوعية، رغم أن أطفالي وزوجتي السويدية يستغربون إصراري عليه ويسخرون مني أحيانا”.

ويعرّف أحد الأطباء المختصين رسوخ هذه العادة واستمرارها بالسلوك الجيني، ويؤكد استعداد أطفال هذا المهاجر العربي لسلوك القيلولة رغم ولادتهم وعيشهم في بلاد لا توجد فيها مثل هذه الثقافة. يثني الكثير من الأطباء على عادة القيلولة ويعتبرونها استجابة تلقائية للجسم البشري إزاء حاجاته، وهي في نظرهم آلية دفاع ووقاية من كل ما يمكن أن تنتجه حالات الإرهاق الشديد في المجتمعات الحديثة.

وينصح الأطباء بالركون إلى النوم ولو لدقائق قليلة بعد الغداء لما لذلك من فوائد صحية ونفسية تساعد على إكمال بقية النهار في ظروف جيدة من ناحية الأداء والنشاط، كما أن للقيلولة فاعلية في الحماية من الجلطات القلبية والدماغية كما تؤكد دراسات عديدة وموثقة في هذا الشأن. كما أن هناك مصادر طبية أشارت إلى أن الدول الغربية بدأت تُدرج القيلولة في أنظمتها اليومية، وتوصي بقيلولة تتراوح بين 10 و40 دقيقة.

وقد أثبتت الأبحاث الطبية الغربية الحديثة أن نوم القيلولة يقلل من مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية وأمراض الشرايين بنسبة 30 بالمئة، وأن القيلولة تعيد للجسم حيويَّته من 4 إلى 5 مرات، كما أنها تساعد على تقوية العضلات وتنشيط الدماغ. والقيلولة النموذجية في نظر الكثير من الأطباء، تتراوح بين 10 و40 دقيقة، ويحظى فيها الإنسان بنوم خفيفٍ، ولكنه هادئ، ويستفيد جسم الإنسان منها استفادة كاملة، وقد اتَّضح أنها تجدد النشاط والمهارات الإدراكية للإنسان.

القيلولة عادة سيئة ولا تفيد الجسم البشري وقواه الروحية والذهنية في شيء

وأكد العلماء في “مؤسسة النوم الوطنية الأميركية” أن فترات القيلولة القصيرة في منتصف النهار لمدة نصف ساعة، تلغي تأثير التعب، وتعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم مهما كانت نوعية المهمة التي يقوم بها الإنسان، كذلك فقد اكتشف الباحثون أن ساعة واحدة من القيلولة العميقة أثناء النهار قد تكون مفيدة كالنوم طوال الليل، إذا تمكن الشخص من رؤية الأحلام فيها، كما أن النوم في فترات ما بعد الظهر يساعد في زيادة إنتاجية الفرد إلى الأفضل، ويُحسِّن قدرته على التفاعل، ويكسب الجسم الراحة الكافية، ويقضي على هرمونات القلق والتوتر المرتفعة في الدم نتيجة النشاط البدني والذهني الذي بذله الإنسان في بداية اليوم.

قد يجهل الكثيرون فوائد القيلولة وضرورتها في إعادة الطاقة إلى الإنسان، وقد يهملها الناس بسبب ظروف الحياة ومشاغلها، لكن الدراسات الحديثة أكدت أن القيلولة تريح ذهن الإنسان وعضلاته وتعزز الاسترخاء وتحسن المزاج. وتقول دراسة حديثة إن القيلولة تعيد أيضا شحن قدرات الإنسان على التفكير والتركيز وتزيد إنتاجيته وحماسته للعمل، كما تجعل العامل أكثر يقظة وتقوي قدرته على التذكر. والقيلولة المثلى لا بدّ أن تكون لمدة عشرين دقيقة, وهي مدة كافية لإعادة شحن الدماغ بالطاقة أو تكون لمدة تسعين دقيقة, وهي مدة كافية لينعم الفرد بأعمق مراحل النوم، ما يعزز القدرة الإبداعية عنده.

ويفضل أن تكون القيلولة في نظر الطبيب المختص سامي العبدالله، ما بين الساعة الواحدة ظهرا والثالثة عصرا، وأن يكون الفرد ممددا على أريكة بدلا من السرير، لضمان عدم الغوص في نوم طويل. وقد يبدو الأمر غريبا، ولكن خبراء ينصحون بارتشاف فنجان قهوة قبل القيلولة، فأثر الكافيين يحتاج من عشرين إلى ثلاثين دقيقة حتى يصبح فعّالا، وهو ما يجعل الشخص أكثر يقظة عند نهوضه.

النوم شيء مفيد جداً لجسم الإنسان، حيث من المهم أن تنام كل ليلة ما يقارب 7 إلى 9 ساعات كاملة ولكن عندما لا تنام في الليل القدر الكافي فإن القيلولة تعوضك بشكل كبير عما فقدته في الليل. ويقول أحد الأخصائيين:“ بما أن فكرة نوم القيلولة في مكان العمل أصبحت معروفة في الآونة الأخيرة فلن يكون لديك أي عذر يمنعك من النوم خاصة عندما تعلم أن للقيلولة فوائد صحية كثيرة”.

نهار للنشاط وليل للنوم

الكثير ينظر إلى القيلولة باستهجان

يقول طبيب مختص “لا ننصح من يعانون من الأرق الشديد وانقطاع التنفس أثناء النوم بالقيلولة، لأنها ببساطة ستزيد الأمر سوءا”. ويضيف أن الأشخاص الذين يعانون الأرق ينصحون بالنوم أثناء النهار، لأن القيلولة لوقت طويل أو في ساعة متأخرة قد تعيق قدرتهم على النوم ليلا.

هل النوم الأطول له نتائج أفضل؟ هذه الفرضية ليست صحيحة في نظر العلم، فالقيلولة إذا طالت مدتها تؤدي إلى الكسل والقصور، ويعود السبب في ذلك إلى أن الشخص يصل إلى مرحلة النوم العميق بعد نصف ساعة من النوم، وإذا ما استيقظ من هذا النوم العميق قبل حصوله على مقدار كاف منه، فإنه قد يظهر لديه ما يعرف لدى أهل الاختصاص بأعراض كسل النوم.

كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية النقاب عن أضرار نوم القيلولة، حيث أفادت بأن النوم لأكثر من 40 دقيقة خلال النهار يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والوفاة المبكرة. وحذر الباحثون من الانغماس في قيلولة النهار وزيادة وقت النوم بها لأنها يمكن أن تزيد من خطر الوفاة المبكرة، وكشفت النتائج، التى قدمت في الجلسة العلمية السنوية الـ65 بالكلية الأميركية للقلب، أن القيلولة لأكثر من 40 دقيقة يوميا كانت مرتبطة بزيادة خطر التعرض لمتلازمة التمثيل الغذائي والسمنة وارتفاع الكولسترول وأمراض القلب.

وقال الدكتور تيموهايد تامادا، من جامعة طوكيو، والمؤلف الرئيسي للدراسة، إن القيلولة منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، لذلك يجب توضيح العلاقة بين الغفوات وأمراض التمثيل الغذائي. وتوصل الباحثون إلى نتائجهم بعد تقييم بيانات أكثر من 21 دراسة تنطوي على أكثر من 300 ألف شخص. ولاحظ الباحثون أن القيلولة لمدة 90 دقيقة تزيد من خطر متلازمة الأيض “التمثيل الغذائي” بنسبة تصل إلى 50 في المئة، وهو نفس تأثير التعب المفرط أثناء النهار، ووجدت دراسة سابقة أن القيلولة لمدة أطول من ساعة والتعب المفرط أثناء النهار يرفعان خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني”.

خبراء في جامعة كامبريدج البريطانية أكدوا بعد دراسة أجروها على 16000 رجل وامرأة أنّ خطر الموت يزيد بنسبة 32 بالمئة لدى الذين استمرت قيلولتهم أكثر من ساعة، مقارنة مع الذين ينامون لفترة أقل وقت الظهيرة، كما أنّ هناك أطباء أكدوا أن عادة القيلولة ترافقت مع ظهور أمراض الرئة والتهاب الشعب الهوائية وانتفاخ والتهاب الرئتين، وقال بروفيسور من مركز أبحاث النوم في جامعة لوبرو “يمكن أن تكون القيلولة القصيرة خير معين، لكن النوم الطويل في النهار له انعكاسات سلبية على جسم الإنسان”.

القيلولة تعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم مهما كانت نوعية المهمة التي يقوم بها الإنسان

يقول صابر وهو مدرّس لمادة التربية الإسلامية في التعليم الثانوي “أنا من ألدّ أعداء القيلولة، لأسباب صحية”، ويدعّم صابر رأيه عبر الاستشهاد بالعديد من السير والمقولات الواردة في كتب التراث فيتابع وهو يقرأ من كتاب “نوم النهار رديء يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون، ويورث الطحال، ويرخي العصب، ويكسل، ويضعف الشهوة إلاّ في الصيف وقت الهاجرة، وأردأه نوم أول النهار، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر”. ويضيف صابر متباهيا بما يحفظه من سير ومقولات “من نام بعد العصر، فاختلس عقله، فلا يلومنّ إلا نفسه”.

وتقول هاجر وهي تدير مركزا للمعالجة بالطاقة إن القيلولة عادة سيئة ولا تفيد الجسم البشري وقواه الروحية في شيء، فلقد تعودنا نتيجة العمل الطويل خلال اليوم أن تكون قيلولة النهار أو فترة النوم بعد الغداء أو بعد العصر، وإذا علمنا أن بين العصر والمغيب فترة نشاط الغدد والاستقلاب في علم الطاقات الخمس، فإننا يجب أن نكون مستيقظين في هذه الفترة من النهار. ويقول زميل هاجر في نفس المركز إن النوم في هذا الوقت من النهار يؤدي إلى الكسل وبطء الاستقلاب والسمنة، كما يزيد نسبة تراكم الكولسترول والشحوم لمن عنده استعداد، كما يؤثر على المزاج بقية اليوم.

“النصيحة بعدم الركون إلى النوم، سمعناها من أسلافنا”، تقول اختصاصية تربية، وتضيف “إذا كان لا بد من هذه العادة السيئة، يكفي أن ننام ساعة واحدة فقط صيفا ونلغي النوم بعد الغداء شتاء نتيجة قصر النهار و طول الليل”. وتتدخل هاجر اختصاصية المعالجة بالطاقة في نفس المركز قائلة “نعم لنتذكر دوما أننا كائنات منظمة ودقيقة ومرتبطة بالكون الذي حولنا ونتأثر بدرجات ميل الشمس خلال اليوم وخلال الفصول الأربعة، والإنسان هو هذا الكائن المبدع العبقري المتصل والمتواصل مع الكون والأفلاك والمجرات”.

12