فنان فرنسي من طينة الكبار سلاحه ممنوع الهزيمة

عندما تحبس الأنفاس ويركن الجميع للمتابعة وتتعالى الأصوات من هنا وهناك، تطالعك النظرات العاشقة من كل صوب.. نظرات عاشقة للسحر وصنع المستحيل على المستطيل الأخضر، عاشقة لكل ثانية وكل دقيقة يمضيها ساحر عظيم قادر على فعل كل شيء منذ كان لاعبا. وتمضي الأيام والسنون ومباشرة بعد تسلمه المقاليد التي لم يمض عليها سوى بضعة أشهر يأتي الحصاد وفيرا، لا بل هو حصاد عذّب كبار المدربين وسهّرهم ليالي دون أن يتذوقوا حتى مرارته.
ليس من باب المداعبة أو من قبيل الصدفة أن يولد الإنسان بطلا أو نجما يشع في السماء منذ أن تطال قدماه الكرة الأرضية لا بل عالم كرة القدم. ولكنّ الأبطال الحقيقيين هم من دون شك أناس اشتغلوا وناضلوا وتعبوا، فتفجرت مواهبهم وبلل عرقهم أرضيات ملاعب كثيرة جالتها أقدامهم.
إن المتصفح لفهارس الكتب المهتمة بالعمالقة وكبار لعبة كرة القدم في العالم يطالعه ركن خصص للفرنسي زين الدين زيدان يطرح العديد من الأسئلة عن بداياته كلاعب كيف كانت؟ وما هي أبرز محطات رحلته الكروية وكيف كان تاريخه مع الألقاب؟
بداية الفتى الموهوب
ولد النجم الفرنسي زين الدين زيدان بتاريخ 23-06-1972 في مدينة مرسيليا الفرنسية، هاجر والده ووالدته إلى فرنسا في العام 1953 أي قبل انطلاق حرب التحرير الجزائرية، حيث استقر والد زيدان في مدينة مرسيليا بدءا من منتصف ستينات القرن العشرين. الوالد كان يعمل كأمين مستودع والوالدة كانت ربة منزل ترعى زيدان وإخوانه الثلاثة وشقيقته.
وفي سن الخامسة بدأ زين الدين ممارسة لعبة كرة القدم مع أطفال الحي الذي كان يقطنه وفي سن العاشرة بدأ باللعب للفرق المحلية الصغيرة مفجرا طاقاته الكروية. وفي سن الرابعة عشرة انضم لفريق “كان” الفرنسي في أول تجربة احترافية حقيقية في مسيرة الفتى الجزائري.
وحقق زيدان ظهوره الأول في الدوري الفرنسي مع فريق كان في العام 1989 أمام فريق نانت وأحرز هدفه الأول في الدوري الفرنسي في العام 1991 ضد فريق نانت أيضا. وفي موسم 1992 انتقل زيدان إلى بوردو الفرنسي، حيث قدم أداء جيدا ووصل إلى المباراة النهائية لكأس الاتحاد الأوروبي في العام 1996.
لاعبو الملكي يتفقون على أن مدربهم شخص متواضع يتقن فن الإصغاء، ما يسهل الأمور ويذلل عقبات بحجم الجبال، فيما يجاهر رونالدو بمؤازرته متمنيا أن تبقى القيادة معقودة له
وفي العام 1996 انتقل زيدان إلى نادي يوفنتوس الإيطالي ولعب للسيدة العجوز خمسة مواسم كانت مثمرة. وفي العام 2001 انتقل “زيزو” إلى النادي الملكي ولمدة أربعة مواسم حقق خلالها الكثير ولا أحد ينسى هدفه الأسطوري في نهائي دوري الأبطال الأوروبي أمام بايرن ليفركوزن الألماني والذي أهدى به اللقب الغالي إلى النادي الملكي.
سجل يا تاريخ
سجل الفرنسي زين الدين زيدان اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ كرة القدم بعدما قاد فريقه ريال مدريد إلى التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الحادية عشرة في تاريخه.
وتوج النادي الملكي بلقب دوري أبطال أوروبا عقب الفوز على أتلتيكو مدريد 5-3 بركلات الجزاء الترجيحية بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي من المباراة النهائية التي جمعت بينهما على ملعب سان سيرو بمدينة ميلانو الإيطالية السبت الماضي بالتعادل.
وبعد مسيرة حافلة كلاعب شهدت تتويجه بلقب دوري أبطال أوروبا وكأس العالم، بدأ زيدان مسيرته التدريبية بإنجاز أوروبي من العيار الثقيل. وانطلقت المسيرة التدريبية لزيدان عبر بوابة ريال مدريد الذي صنع اسمه كواحد من أفضل لاعبي خط الوسط على مر العصور.
وبعد أقل من ستة أشهر على تعيينه مدربا للنادي الملكي، نجح زيدان في الصعود إلى منصة التتويج الأوروبية في بداية مذهلة لمسيرته التدريبية. وقال زيدان “في النهاية عليك أن تقاتل، لقد حققنا ما أردنا. عملنا كثيرا، وعندما تتوج بلقب كبير مثل دوري أبطال أوروبا، فهذا يعني الكثير بالنسبة إلى اللاعبين والجهاز الفني والمشجعين أيضا”.
وفاز زيدان بلقب دوري الأبطال كلاعب مع ريال مدريد في 2002 عبر الفوز على باير ليفركوزن الألماني 2-1 في المباراة النهائية ليصبح السابع في قائمة المتوجين بلقب البطولة كلاعب ومدرب.
|
وانضم زيدان إلى ميجيل مونوز وجيوفاني تراباتوني ويوهان كرويف وكارلو أنشيلوتي وفرانك ريكارد وبيب غوارديولا، في الفوز بلقب دوري الأبطال كلاعب ومدرب. وقال زيدان “كارلو أنشيلوتي قال لي، إذا سنحت لك فرصة الفوز بلقب دوري الأبطال كمدير فني ستنعم بمذاق خاص، الأمر لا يقارن بالفوز بلقب دوري الأبطال كلاعب، لذا أشعر بسعادة فائقة للفوز بلقب البطولة كلاعب ومساعد مدرب والآن كمدير فني”.
وأوضح زيدان “أشعر بحالة من الإيجابية، عندما يمنحك مجلس الإدارة هذه الفرصة، عندما منحني الرئيس هذه الفرصة، لتدريب مثل هذا النادي العظيم، فهو شيء أشعر نحوه بإيجابية شديدة”. وبشأن الأثر الذي أحدثه في ريال مدريد منذ توليه تدريب الفريق خلفا لرافاييل بينيتيز في وقت سابق من الموسم، قال زيدان “ما جئت به إلى ريال مدريد هو السلوك الإيجابي، لقد نجحنا في تحقيق إنجاز رائع لأنني أثق في العمل الدؤوب، لدينا الإمكانيات اللازمة بالفعل، ولكني أعتقد أن العمل ربما أهم من الكفاءة، وأعتقد أن جميعنا عمل بالشكل الصحيح”.
ولكن العمل الشاق والإيجابية ليسا بالأمر الكافي للتتويج بلقب دوري الأبطال، ولو أن ركلات الجزاء الترجيحية سارت بشكل مغاير لكانت أسهم النقد ستتجه صوب زيدان بسبب قراراته المتعلقة بسحب كريم بنزيمة وتوني كروس والإبقاء على كريستيانو رونالدو رغم أنه لم يظهر بشكله المعهود.
وشدد زيدان على أن رونالدو لم يشارك وهو يعاني من الإصابة، ولكن الانتصارات تمحو أيّ خطأ. وأشار زيدان “لن أقول إنه أفضل انتصار على أتلتيكو، لأن كلا الفريقين نجح في الوصول إلى أبعد محطة ممكنة، لقد ذهبا إلى ركلات الجزاء، كان من الممكن أن تصب النتيجة في أيّ اتجاه”.
اسم يضاف إلى اللائحة
جاء إنجاز زيدان ليجعل البعض يقارنه بالأسطورة ألفريدو دي ستيفانو، ولكن زيدان رد بالقول “دي ستيفانو هو دي ستيفانو، علينا ألا نخدع أنفسنا، إنه دي ستيفانو، وله مكانته في هذا النادي الرائع. إنه النادي الذي صنع نجوميتي، لقد كان وسيبقى ناديا عظيما، كوني جزءا من هذا المشروع هو مصدر فخر كبير بالنسبة إليّ”.
وأضاف الفرنسي زين الدين زيدان اسمه إلى لائحة المتوجين بلقب مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم. وبات زيدان سابع شخص يحقق هذا الإنجاز بعد الأسباني ميغيل مونوز الذي لعب في صفوف ريال مدريد عامي 1956 و1957 وقاد الفريق الملكي بين عامي 1960 و1966، والإيطالي جوفاني تراباتوني الذي لعب في صفوف ميلان بين أعوام 1963 و1969 وقاد فريق يوفنتوس في العام 1985، والهولندي يوهان كرويف لاعب أياكس ثلاث مرات أعوام 1971 و1972 و1973 وقائد برشلونة في العام 1992، والإيطالي كارلو أنشيلوتي كلاعب في صفوف ميلان بين أعوام 1989 و1990 ثم مدربا لميلان بين عامي 2003 و2007 ومدربا لريال مدريد أيضا في العام 2014، والهولندي فرانك رايكارد لاعب ميلان بين أعوام 1989 و1990 وأياكس في العام 1985 ومدربا لبرشلونة في العام 2006، وأخيرا الأسباني بيب غوارديولا الذي كان لاعبا في صفوف برشلونة في العام 1992 ومدربا للفريق الكاتالوني بين أعوام 2009 و2011.
غير أن مقربين من نجم منتخب فرنسا السابق، أكدوا أنه اكتسب حجما مختلفا، لا سيما بعد الدور نصف النهائي من المسابقة الأوروبية، مبرهنا أنه “مدرب حقيقي”، ومثبتا نضوجه التصاعدي منذ أن اعتزل اللعب قبل 10 أعوام عقب نهائي مونديال ألمانيا (9 يوليو 2006)، علما وأنه اختتم مسيرته المظفرة بنطحه الإيطالي ماركو ماتيراتزي، وخروجه مطرودا.
وحملت الأشهر الخمسة للطرفين نتائج جيدة، وسجل الفريق خلالها نسبة انتصارات مرتفعة، وأنهى موسمه في المركز الثاني في الدوري بفارق نقطة عن برشلونة (90 نقطة في مقابل 91).
زيدان انضم إلى ميجيل مونوز وجيوفاني تراباتوني ويوهان كرويف وكارلو أنشيلوتي وفرانك ريكارد وبيب غوارديولا، في الفوز بلقب دوري الأبطال كلاعب ومدرب
وكشف محيط زيزو أنه بداية تردد في أن يخلف الأسباني رافاييل بينيتيز، كما تطلب اقتناع بعض الأعضاء في إدارة ريال بشخصه وقتا، على الرغم من الاقتناع بأنه مشروع مدرب للمستقبل. لذا، بقي الشك في الرهان الحالي عليه من منطلق المعادلة “ليس كل لاعب ناجح مدربا ناجحا”.
وعموما، لم يظهر زيدان يوما أنه يفضل السلطة، بل أن يلعب الدور المؤثر. طباع لازمته منذ أن كان في صفوف “منتخب الديوك”، فحين أراد المدرب جاك سانتيني أن تعهد إليه شارة القائد، فضل أن تمنح لمارسيل ديسايي من منطلق الأقدمية.
وخلال الصيف الماضي، نصح بعضهم رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز بأن يبحث عن مدرب من ذوي الخبرة. وعهدت الإدارة إلى زيدان دور “الرجل الثاني” في ظل بينيتيز وتحديدا الإشراف على الفريق الرديف في النادي. غير أن مسيرة بينيتيز مع الفريق الملكي توقفت باكرا. وكان الخيار بزج ابن الـ43 سنة في “معمودية النار”، والرهان على شخصيته وخياراته التكتيكية.
ومنذ اليوم الأول، سعى صانع ألعاب منتخب فرنسا السابق إلى فرض توازن في تحركات الفريق، وأوكل إلى المهاجمين مهمات دفاعية على سبيل المؤازرة، فكان التأهل إلى نهائي دور الأبطال للمرة الـ14، على حساب مانشستر سيتي، من خلال إيلاء هذه الناحية أهمية قصوى.
كما أن من فصول هذه “المعمودية” وحسن خياراتها، الفوز على برشلونة (2-1) في “الكلاسيكو” ضمن الأسبوع الـ30 من الـ”ليغا”، ويومها كان ريال على بعد 13 نقطة من البارسا.
وينسج زيدان علاقة صريحة مع لاعبيه قوامها التواصل السلس والمباشر. وخلال حواراته معهم، يتجنب التفاصيل حتى في ما يتعلق بشؤون الكرة، مصوبا البوصلة دائما نحو التطلعات والأهداف الجماعية، حتى أنه حاصر “الأنا” والاعتداد بالنفس اللتين يشتهر بهما نجم الفريق البرتغالي كريستيانو رونالدو.
ويتفق أفراد الفريق على أن مدربهم شخص متواضع يتقن الإصغاء، ما يسهّل الأمور ويذلل عقبات بحجم الجبال. ويجاهر رونالدو بمؤازرته متمنيّا أن تبقى القيادة معقودة له. ويثني البرازيلي مارسيلو على تصرفاته التي تتصف بالوضوح، ويضيف “نحن مخلصون له لأنه يمقت المواربة”.
وعزز زيدان بتتويجه بالنهائي الأوروبي أمام أتلتيكو مدريد، الطرف الذي واجهه زيزو كمساعد لأنشيلوتي في المسابقة ذاتها قبل موسمين، أسطورته داخل النادي الملكي.
كاتب من تونس