حكاية سلطان عاشق لتدوين اسمه في كتابه "أنا زلاتان"

الدنيا تجارب وقصص مثيرة وفي النهاية هي مغامرة، فقد تنجح أحيانا وقد يؤول بعضها إلى الفشل في أحيان أخرى. ولكن مقياس الفشل والنجاح يحدد انطلاقا من تجربة الشخص الفردية في خوض مغامرته والبناء عليها، فهناك من يعتبر من تجاربه ويتعلم منها فيرسم لنفسه مسارا خاصا لا يحيد عنه وهناك المتنكر لمساوئه، على كثرتها أحيانا، فتراه هائما تتقاذفه رياح الفشل وتنتهي به إنسانا مهزوما لا حول له ولا قوة.
العالم تغير اليوم وأضحت حياة النجوم فيه تُقدم وفق نماذج وأعمال مختلفة يتناولها البشر ويطلعون عليها حتى أنها في بعض الأحيان تكون مادة خصبة للتدريس، فهناك من يخط لنفسه سيرة ذاتية يعرّف الناس من خلالها على أعماله ومنجزاته وهناك من يستنجد بالعمل السينمائي فيخرج لنفسه فيلما يلخص فيه تجربته، وهناك نوع آخر اختار الكتابة وخط بريشته تجربة محترف عانق الحلم ففاق الحلم وعانق النجومية فكان نجما وعانق الأبطال فصار منهم وتربى على حصد الألقاب فترصّعت خزائنه بها. من يخال الحديث عن فيلسوف فهو واهم ومن يظن أن البطل هو من عالم الكتابة فهو ضال طريقه ومن يرى أن محور النقاش هو سياسي فليتمهل قليلا ولا يشغل من حواسه سوى حاسة الشم.
بطل المغامرة رياضي ولاعب موهوب لا بل هو سلطان، كما اسمه الحقيقي باللغة البوسنية وباللغة السويدية زلاتان إبراهيموفيتش ويعني اسم زلاتان في اللغة البوسنية "الذهبي". هو قناص الجوائز بامتياز وكان آخرها الأحد الماضي بنيله جائزة أفضل لاعب في دوري الدرجة الأولى الفرنسي لكرة القدم للمرة الثالثة في آخر أربع سنوات. وأصبح المهاجم السويدي البالغ من العمر 34 عاما، أول لاعب يحصل على هذه الجائزة ثلاث مرات بعد موسم آخر رائع تصدر خلاله نجم باريس سان جيرمان قائمة هدافي الدوري بعدما سجل 35 هدفا في 29 مباراة.
من المهد انطلق
بدأت مسيرته زلاتان إبراهيموفيتش الاحترافية مع عالم لعبة كرة القدم سنة 1999 وتحديدا بنادي مالمو مسقط رأس اللاعب.
كان من أفقر التلاميذ الموجودين بمدرسته وقال عنه أحد مدرسيه إنه كان من أسوأ خمسة طلاب، ولكن إبراهيموفيتش كان يتميز بقوته الجسمانية وهو يمارس لعبة كرة القدم. كانت بداية إبرا مع كرة القدم في سن الخامسة عندما امتلك زوجا من الأحذية الرياضية وكان يلعب في الطرق وبين المنازل ثم بدأ اللاعب بالتنقل بين أندية الناشئين في السويد مثل نادي روزينغراد ونادي “إف. بي. كي” بلقان ومالمو وعدة أندية أخرى.
|
أراد إبراهيموفيتش أن يضع حدا لمشواره الكروي مبكرا عندما قرّر أن يترك نادي مالمو للعمل في ميناء المدينة الصغيرة وذلك عندما كان عمره في الخامسة عشرة، ولكن مدربه أقنعه بالبقاء في النادي لأنه كان يعتبر من الركائز الهامة في الفريق. أنهى إبرا سنوات الدراسة الإعدادية بنجاح، وبالرغم من قبوله في مدرسة مالمو بورغاسكولا وعلاماته كانت أفضل من المعدل، إلا أنه ترك المدرسة الثانوية للتركيز على مسيرته الرياضية لتبدأ الرحلة من هناك.
بدايته كانت عندما كان عمره 10 سنوات مع نادي بالكان وفي سن الثالثة عشرة انتقل إلى نادي مالمو. وقرر في عمر الـ15 عاما العودة مرة ثانية إلى ناديه القديم بالكان وكانت البداية الحقيقة من هناك، حيث تألق اللاعب مع نادية بشكل ملحوظ وبدأ يلفت أنظار الصحافيين فبدأوا يكتبون عن مهاراته وقوته ومن تلك الصحف صحيفة “Sydsvenskan” السويدية الشهيرة التي كتبت مقالا تتحدث فيه عن مهارته وبراعته في التسجيل وكان ذلك في العام 2000 تقريبا.
وبصفقة قدرها 7.8 مليون يورو بالعملة السويدية انتقل اللاعب إبراهيموفيتش صاحب الـ19 عاما إلى نادي أياكس أمستردام الهولندي وذلك في صيف العام 2001. ولعب مع فريق الشباب بالنادي الهولندي فترة وبدأت تظهر إبداعاته سريعا بعد قدوم المدرب رونالد كومن إلى النادي.
تألق إبرا أيضا في دوري أبطال أوروبا موسم 2002-2003، حيث لعب أولى مبارياته أمام نادي ليون الفرنسي وأحرز هدفين ولعب أيضا أمام نادي إنتر ميلان الإيطالي وكان خطيرا جدا وقاد إبرا نادي أياكس لعبور الدور الأول وأيضا تخطي دوري المجموعات والصعود على حساب فرق كبيرة مثل فالنسيا، أرسنال وروما.
المنعرج الحقيقي
بعد ظهور إبرا بشكل رائع في دوري الأبطال وأيضا إحرازه أهدافا رائعة في الدوري الهولندي اتجهت عيون الأندية الأوروبية الكبيرة لضم اللاعب. وفي شهر أغسطس من العام 2004 نجح نادي السيدة العجوز في ضم إبراهيموفيتش وأعلن الموقع الرسمي لنادي أياكس عن انتقاله إلى نادي يوفنتوس الإيطالي وبذلك أنهى إبراهيموفتش مشواره مع نادي أياكس، حيث أنه لعب معه 110 مباراة سجل خلالها 47 هدفا. ومع أول موسم لإبراهيموفيتش مع نادي يوفنتوس في الدوري الإيطالي تألق اللاعب وأحرز 16 هدفا مساهما بشكل كبير في إحراز ناديه للقب الدوري. وقبل نهاية الموسم راجت أخبار عن رغبة ريال مدريد في ضم اللاعب مقابل 70 مليون يورو ولكن نادي يوفنتوس رفض التفريط في اللاعب وأصر على بقائه لموسم آخر.
|
ولم يكن الموسم الثاني لإبراهيموفيتش مع فريق يوفنتوس جيدا، فقد كانت هناك العديد من المشاكل مع الصحافيين وأيضا داخل الملعب، حيث لم يحرز سوى 7 أهداف فقط، مما جعل الكثير من مشجعي ومحبي نادي يوفنتوس يفضلون اللاعب ديل بيرو عليه. وفي نهاية هذا الموسم حدثت قضية التلاعب الشهيرة في نتائج المباريات بالدوري الإيطالي مما جعل الاتحاد الإيطالي يتخذ عدة قرارات حاسمة منها منح الدوري الإيطالي لنادي إنتر ميلان وهبوط نادي يوفنتوس إلى القسم الثاني وخصم 30 نقطة من نادي لاتسيو ومثلها من ناديي فيورنتينا وميلان. وبعد هبوط اليوفي إلى القسم الثاني قرر الكثير من لاعبي النادي الرحيل ومنهم إبراهيموفيتش وحاول النادي الاحتفاظ باللاعب ولكن إصراره على الرحيل حسم الأمر لصالحه، خاصة بعد تقدم نادي إنتر بعرض يقدر بـ24.8 مليون يورو وبراتب سنوي 4.5 مليون يورو لضم إبرا. وبضغط من اللاعب قبل يوفنتوس العرض لتنتهي بذلك مسيرة إبرا مع السيدة العجوز.
وواصل إبرا تألقه مع إنتر خلال الموسم الأول له مع النادي (2006 -2007) وأحرز 15 هدفا محققا لقب هداف الدوري ولم يجد نادي إنتر ميلان صعوبة في إحراز الدوري الإيطالي الممتاز، مستفيدا من قرار الاتحاد الإيطالي بمعاقبة بعض الأندية التي اتهمت بالتلاعب. وتمكن إنتر ميلان من إحراز لقب الدوري للمرة الثالثة على التوالي وأحرز إبرا في الموسم الثاني له (2007-2008) مع النادي 17 هدفا بالرغم من غيابة عن عدة مباريات بداعي الإصابة. وخلال الموسم الأخير له مع العملاق الإيطالي (2008-2009) تألق إبرا بشكل حاسم وأحرز 25 هدفا محققا لقب هداف الدوري ومساهما بشكل كبير في إحراز ناديه للقب الدوري للمرة الرابعة على التوالي.
حقبة غورديولا المتوترة
في يوليو 2009 انتقل إبراهيموفيتش إلى نادي برشلونة الأسبانى بعد تقدم البارسا بعرض قدره 45 مليون يورو برفقة المهاجم الكاميروني صامويل إيتو في صفقة تعد ثاني أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم بعد كريستيانو رونالدو لمدة 5 سنوات. وقدم نادي برشلونة إبرا للجمهور في حفل حضرة أكثر من 50 ألف مشجع بملعب الكامب نو معقل نادي برشلونة. ويقول إبراهيموفيتش عن هذا الانتقال "إنني سعيد للغاية بالتوقيع لبرشلونة وسأكون أسعد شخص في العالم عند اكتمال كل شيء".
وخاض إبراهيموفيتش موسما واحدا مع نادي برشلونة (2009-2010) وكانت بدايته جيدة جدا، حيث سجل 7 أهداف في أول ثماني مراحل من الدوري، ولكن سرعان ما تبدلت الأحوال بعد مرور فترة صغيرة وبدأت تظهر المشاكل والتوترات في العلاقة بين إبراهيموفيتش ومدرب برشلونة في ذلك الوقت بيب غوارديولا. واتهم اللاعب مدربه غوارديولا بأنه يفضل ميسي عليه ووصف نفسه بسيارة “الفراري” التي يقودها غوارديولا، أي أنه لا يستغل قدراته على الوجه الأمثل. هذا ما قاله إبراهيموفيتش في سيرته الذاتية “أنا زلاتان”، مضيفا قوله “في فترة من الفترات فكرت حتى باعتزال اللعب” ويذكر أن إبرا شارك مع البارسا في 29 مباراة فقط وسجل خلالها 16 هدفا.
ورغم التجربة القصيرة التي قضاها إبرا في نادي برشلونة إلا أن ذلك لم يمنعه من الحصول على عدة ألقاب، فقد حقق اللاعب مع نادي برشلونة لقب الدوري الأسباني وكأس السوبر الأسباني وكأس السوبر الأوروبي ولقب كأس العالم للأندية، ولكنه لم يظفر باللقب الحلم بالنسبة إليه وهو لقب دوري أبطال أوروبا مع البارسا.
وكان خروج زلاتان من البارسا حتميا وفي 28 أغسطس 2010 انتقل إلى صفوف نادي ميلان الإيطالي بصفقة قدرها 24 مليون يورو لمدة أربع سنوات وفي أول موسم له مع ميلان سجل إبرا 23 هدفا وحصل اللاعب مع النادي على لقب بطولة الدوري في موسم (2010-2011). وفي الموسم الثاني له سجل 28 هدفا ليحصل على لقب هداف الدوري لموسم (2011-2012) وثالث هداف في تاريخ نادي الميلان. وفي يوليو 2012 وقع عقدا مدته 3 سنوات لنادي باريس سان جيرمان.
جاء ملكا وغادر أسطورة
كان أول موسم لإبراهيموفيتش مع باريس سان جيرمان الفرنسي هو 2012-2013، حيث لعب معه 34 مباراة بالدوري الفرنسي أحرز خلالها 30 هدفا وصنع 8 أهداف ولعب 9 مباريات في دوري أبطال أوروبا أحرز خلالها 3 أهداف وصنع 7 أخرى لفريقه. ونال اللاعب مع ناديه الفرنسي لقب الدوري وكأس الأبطال.
وتأقلم زلاتان سريعا مع النادي الفرنسي ومع الدوري الفرنسي وتألق اللاعب مع الفريق للموسم الثاني على التوالي وحصل معه على درع الدوري الفرنسي وكأس الأبطال الفرنسي 2014 واحتل اللاعب مكانة هامة في التشكيلة الرسمية للدوري الفرنسي كما حصل على لقب هداف الدوري الفرنسي بعدد 26 هدفا في 33 مباراة وأحرز اللاعب في الدوري الأوروبي 10 أهداف من 7 مباريات.
وأكد النجم السويدي رحيله عن نادي باريس سان جرمان في تغريدة بثها على حسابه الخاص على تويتر الجمعة. وقال إبراهيموفيتش "مباراتي الأخيرة على ملعب بارك دي برانس ستكون السبت. جئت ملكا وأرحل أسطورة".
وأشاد رئيس نادي باريس سان جرمان القطري ناصر الخليفي بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، معتبرا أنه "كتب صفحة مجيدة في تاريخ باريس سان جرمان". وقال الخليفي "كتب زلاتان صفحة مجيدة في التاريخ العريق لنادينا بفضل جميع الألقاب التي حصدها.. أرقامه القياسية وشعبية الهائلة التي يتمتع بها لدى أنصار النادي. إبرا ساهم في منحنا إشعاعا عظيما في مختلف أنحاء العالم".
كاتب من تونس