تقليد الأطفال للآباء والأمهات لا يخلو من مخاطر

الثلاثاء 2016/03/22
نهوى محاكاة عالم الكبار

تقليد الطفل لأبويه أو للقدوة القريبة منه أو لمربيته يبدأ في سن مبكرة، فما إن يبلغ عمره السنة والنصف حتى يبدو بوضوح أنه يحاول تقليد حركات هؤلاء القريبين منه وأصواتهم، بما يسميه علم النفس “المحاكاة”.

والتقليد لدى الطفل غير محصور بمجتمع أو بطبقة أو بدولة معينة بل هو سمة من سمات الطفولة. وبسبب تقليد الأطفال لآبائهم أو أمهاتهم أو أخوتهم الكبار فقدت عائلات عديدة أطفالها في سن مبكرة أو أصيبوا بعاهات دائمة.

وفي هذا الإطار تقول كوثر الفيلالي ممرضة في جمعية للعمل الاستعجالي لمساعدة المرضى في المغرب “لا يمرّ يوم من دون أن تأتينا أمهات مع أطفالهن، وقد تعرضوا إثر حوادث مختلفة إلى إصابات مؤذية. قبل يومين جاءتنا أم تعرض ابنها وهو في العاشرة من عمره لحروق متوسطة في يديه، ووجهه بسبب محاولته إشعال النار في “أرجيلة” والده”. وتتابع حكايتها “أم أخرى جاءتنا قبل أسبوع مصطحبة ابنتها وهي في السنة التاسعة من عمرها مُصابة في إحدى عينيها بالتهاب شديد بسبب استخدامها المرود بشكل خاطئ وهيَّ تقلد أمها في تكحيل عينيها”.

وتقول الدكتورة ليلى القجيري، أستاذة في جامعة محمد الخامس بالرباط، ولها بحوث ومؤلفات حول الطفل والمخاطر المحدقة به في سن مبكرة “للآباء مسؤولية مزدوجة تجاه أبنائهم. وهي مسؤولية ممارسة سلطتهم الأبوية، كما يضطلعون بمهمة تربوية مشتركة. تتلخص، في نقل المعارف والقيم وأعمال آليات بيداغوجية تهدف إلى تزويد الأجيال الصاعدة بالمعارف والممارسات المتعارف عليها في المجتمع”.

وتضيف الدكتورة القجيري “المسؤولية التربوية تجاه الأطفال، والتي كانت مهمة مشتركة بين الأهل والمدرسة أصبحت اليوم تشمل عددا متزايدا من الهيئات الاجتماعية والثقافية. وتلعب وسائل الإعلام دورا تربويا هاما. ويجهل الآباء للأسف الممارسات اليومية لأبنائهم وبالخصوص الجانب التفاعلي منها في الكثير من الأحيان”.

ويقول الدكتور عبدالكريم عطا، معالج نفسي عن هذا الموضوع، “إن اتجاهات الفرد هي نتاج للتفاعل الداخلي على وجه الخصوص مع مجال الخبرة الاجتماعية. إدراك الطفل لذاته لا يصل إلى درجة من الوضوح إلا في السنة الثالثة، ويرجع ذلك إلى ضعف الذاكرة لديه، وقلة الخبرات، وعجزه لغويا. وفي نهاية السنة الخامسة تبدو على الطفل صلابة الذات التي تلاحظ حدودها، كما أنه في هذا العمر يستطيع توجيه النقد إلى ذاته. وهذا دليل على تطور شعوره بذاته، وتزايد كثافته في ما بين سن الثامنة والثانية عشرة. وفي هذه السن لا يشعر الطفل بقيمة شكله الخارجي، ولذلك فهو لا يهتم كثيرا عندما يضع المكياج على وجهه محاولا تقليد من هم أكبر سنا منه. وهو يفعل ذلك لمجرد محاولته محاكاة عالم الكبار”.

ويضيف عطا “على الأب والأم متابعة طفلهم وإرضاء غرائزه الطبيعية في التقليد، كأن توفر الأم لابنتها الصغيرة التي تريد أن تقلدها، وهي في المطبخ، عدة وأوعية بلاستيكية خفيفة في غرفة ألعابها، لتعدّ هي بدورها مائدتها، وأن يحاول الأب إرضاء غريزة الابن في قيادة سيارة العائلة كأن يصحبه إلى أمكنة ألعاب الأطفال ليقود سيارة لعبة، وأن تبعد الأم عن طفلها الآلات المؤذية أثناء تجواله في المسكن وهو يحاول اكتشاف ما يقع تحت يديه”.

21