وسيم الشرقي: ليست مهمة الأدب إشعال الحرائق

حتى وإن تميز المسرح عن الأدب بكونه مادة فرجوية، فإنه ينطلق بداية وضرورة من النص المكتوب، لذا تبقى العلاقة بين المسرح والأدب متينة وضرورية، إذ يتنافذ كلا الفنين ليتكاملا في ما بينهما. “العرب” التقت بالروائي الشاب وسيم الشرقي، خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، فكان لنا معـه هـذا الحـديث حـول روايته الأولى والمسرح.
الأربعاء 2016/03/16
مازلت في بداية الطريق

الروائي السوري الشاب وسيم الشرقي يروي في باكورة أعماله الروائية الموسومة بـ“الحاجب”، والتي صدرت مؤخرا عن دار الساقي في بيروت، فصولا من سيرة عائلته ذات الأصول الجزائرية التي اختارت سوريا مقرا لإقامتها، ويرصد ضمنها مشاهد مسكوتا عنها من حاضر البلاد.

يسرد الشرقي في روايته “الحاجب”، التي أنجزت من قبل الصندوق العربي للثقافة والفنون “آفاق” بالشراكة مع “محترف نجوى بركات”، كيف اعتقل الجد المؤسس لتخلّفه عن الخدمة العسكرية وتم نقله إلى بلاد الشام للالتحاق بجيش الشرق الفرنسي، ولـم يكـن الطيب يدرك أن قدميه لن تطآ ثانية أرض الجزائر. بعد تقـاعده، يستعيـد الطيـب شـريط حياته؛ زواجه من سمية وطرده لابنـه أحمـد من البيت، عودة ابنه مروان خائبا من السعودية، طلاق ابنته سحر، وعودته إلى الخدمة. أما قريته الجزائرية فلا يعرف عن أخبارها سوى ما يقرأه في رسائل أخيه الحسن التي يحتفظ بها في درج ويقلبها كلما استبدّ به الحنين.

من الجزائر إلى دمشق

يقدّم الروائي الشرقي نفسه لقراء “العرب” بالقول “أنا من مواليد مدينة طرابلس الليبية عام 1989 عشت سنواتي الأولى هناك، ثم انتقلت للعيش في سوريا التي أحمل جنسيتها على الرغم من أن أصولي جزائرية. درست في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، والحاجب هي روايتي الأولى التي أتمنى أن تنال إعجاب من يجد سبيلا إلى قراءتها. هذا النص أنجزته ضمن محترف الروائية اللبنانية نجوى بركات في دورته الثالثة، بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون، وقد كنت ضمن مجموعة من ثمانية كتاب من دول عربية مختلفة، أنجزنا رواياتنا خلال عام تقريبا، تخللته ثلاث ورش عمل مع نجوى بركات. وخلال هذه الفترة كتبت الرواية في بيتنا الواقع في المدينة القتيقة شرق العاصمة دمشق”.

المسرح هو مجال تخصص وسيم الشرقي ومتعته، إلا أنّ مشروع الرواية هو مساحة حريته ولذته الشخصية

وأما عن ولادة فكرة الرواية واختياره قصة من الحياة الجزائرية موضوعا لها، فلا بدّ من التوضيح بأن معظم أحداث الرواية تدور في سوريا، والشخصية الرئيسية في الرواية انتقلت من موطنها الرئيسي الجزائر للعيش في سوريا وتأسيس عائلة بها. وعن قراره معالجة هذه الحكاية فلأنها تتقاطع إلى حدّ ما مع سيرة حياة عائلته، التي كان مؤسسها جزائريا آثر البقاء في سوريا على العودة إلى بلده الأم.

وعن انعكاس الحالة السياسية على كتابته، يؤكد وسيم الشرقي أن ما نعيشه اليوم في الواقع السوري والعربي قد غيّر كل طرق تفكيره قبل العام 2011، يقول “إن وعيي الحالي قد تبلور خلال هذه السنوات الأخيرة، وقد حاولت التعبير عن هذا الواقع بشكل جزئي من خلال نصي المسرحي “طرق فرعية للنجاة”، والذي أتمنى أن يرى قريبا طريقه إلى النشر”.

وبالتطرق إلى الجديد الذي حققه في عمله الروائي الأول “الحاجب”، يشير ضيفنا إلى أنه باستثناء نوع قصة الشخصية الرئيسية في الرواية، فهو لا يدّعي أنه حاول تقديم طرح جديد كليا على مستوى شكل الرواية في سوريا، أو المنطقة. لكن يبقى مضمون الرواية جديدا حسب رأيه، لأنه يشابه شخصيته واللغة التي يحب أن يعبر بها.

وسيم الشرقي اختار قصة من الحياة الجزائرية موضوع لروايته

وعمّا إذا استطاع -من خلال نتاجه الأدبي- التعبير عن كل ما يشعر به بكل حرية؟ يجيبنا الشرقي “أستطيع حاليا أن أجيب بنعم، أي أنني لم أضع لنفسي أي خطوط حمراء بخصوص التفاصيل التي أردت معالجتها في الرواية، لكن بالتأكيد يوجد لديّ البعض من الحواجز الشخصية للوصول إلى أماكن أكثر تحررا بالعلاقة مع الكتابة. أتمنى أن أتوصل إليها في الأعمال القادمة”.

المسرح والأدب

عن رأيه في ما إذا كان يعتقد أنه من المبكر كتابة رواية عما يحدث في سوريا؟ يقول الكاتب “لو سألتني هذا السؤال قبل بضعة أشهر لكنت اتفقت معك بكل ثقة، لكنني اليوم أشعر بأن عمر المعاناة السورية الحالية قد طال لدرجة أصبح معها انتظار ما ستؤول إليه الأمور مسألة صعبة على بعض الكتاب. إلا أنني شخصيا لم أتطرق إلى الأحداث السورية الراهنة بشكل مباشر، حيث أن أحداث الرواية تنتهي في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، إلا أنني مؤمن بأن كل بحث شخصي أو أدبي في المراحل المختلفة من تاريخ سوريا المعاصر هو كتابة مرتبطة باللحظة السورية الحالية، والتي حصلت نتيجة تراكم عمره عشرات السنين”.

كتب وسيم الشرقي نصا مسرحيا بعنوان “طرق فرعية للنجاة” وقام في بداية العام 2014 بإخراج عمل مسرحي عنوانه “على الطريق”، عن تجربته المسرحية هذه يقول لـ“العرب” مبيّنا “المسرح هو مجال عملي الرئيسي، تخرجت من قسم الدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وعملت بعد التخرج كدراماتورج في عدد من العروض المسرحية بسوريا والتي حققت صدى جيدا، بالإضافة إلى كتابة النص الذي ذكرته في العام الماضي، لذلك أعتبر أن المسرح هو مجال تخصصي ومتعتي، إلا أنّ مشروع الرواية هو مساحة حرّيتي ولذّتي الشخصية على هامش العمل المسرحي”.

يتابع “يوم قدمت مسرحيتي “على الطريق” في دمشق قلت إن المسرح في سوريا هذه الأيام، يكاد يكون بديلا لحياة مفقودة في نسيج المجتمع، والعمل المسرحي اليوم، أو أي عمل مدني في دمشق أو أي مدينة سورية أخرى هو مسؤوليتنا الشخصية لأنه فعل يحافظ على تركيبة المجتمع المدني السوري قبل تفتته. وكلامي هذا يأتي انطلاقا من أن لظاهرة المسرح بعدا اجتماعيا إضافة لفسحتها الجمالية، هذا البعد الاجتماعي يقرب بين البشر في مساحة المسرح ويخلق طقسا مدنيا لا أظن أنه في حال حمل الرسالة الصحيحة سيسرّ أي نوع من الاستبداد”.

كل بحث شخصي أو أدبي في المراحل المختلفة من تاريخ سوريا المعاصر هو كتابة مرتبطة باللحظة السورية

ويضيف وسيم الشرقي “أمّا بالنسبة إلى الأدب فأظن أن الأمر مختلف نسبيا، وهنا أقتبس جملة أحبها للكاتب زكريّا تامر “ليست مهمة الأدب إشعال الحرائق في العالم العفن، إنّما خلق رغبة في النفس للتخلص من هذا العالم العفن” وهـذه هي الـرؤية التي أتبنـاها حاليا”.

وعن رأيه في ما إذا مازالت هناك إمكانية للحديث عن “ثورة شعب” في بلد تحول إلى مقاطعات مسلحة؟ يقول ضيفنا “بالتأكيد، شخصيا لا أرى انتفاضة الشعب السوري منفصلة عما جرى في كامل المنطقة العربية من انتفاضات لشباب في مصر وتونس واليمن وليبيا والبحرين، وكل الدول الأخرى، على الرغم من قتامة المشهد التي نعيشها حاليا والتي أتمنى أن تنتهي بأسرع صورة ممكنة، إلا أن فئة ا لشباب العربي قد انتزعت حق التعبير بنفسها سواء في الفضاء المدني العام، أو عبر السبل الأخرى البديلة، وهذه قيمة أنا متفائل بأنها ستكون ذات دور هام في الأيّام القادمة”.

وأما عن مدى شعوره بالرضا عما أنجزه حتى الآن، يرى وسيم الشرقي أن السؤال صعب، لكنه يعتقد أنه مازال في بداية الطريق ويطالب نفسه بالمزيد دائما. فبعد عمله الروائي هذا، فهو مستغرق حاليا في عمل بحثي عن الموسيقى السورية المستقلة، ويتمنى عقب الانتهاء منه أن يتفرّغ لكتابة رواية جديدة بات البدء فيها عبئا يحرمه من التركيز.

15