"الحلال" اجتهاد مسرحي مصري يوجه بالإبداع رسالة إلى الإرهاب

بين الرغبة في طاعة الأوامر، والصراع بين الحلال والحرام، تدور أحداث العرض المسرحي المصري “الحلال” للمخرج محمد إبراهيم ومن تأليف أشرف حسني، والذي عرض مؤخرا على مسرح الطليعة بالقاهرة، حول فكرة الإرهاب الديني التي انتشرت في العديد من المجتمعات العربية مؤخرا.
أهمية العرض الذي يقدمه مسرح الدولة نابعة من توقيته الذي يتزامن مع مرحلة زمنية تحاول فيها الدولة المصرية التخلص من تراث القداسة الدينية، والذي أفسح مجالا رحبا في السياسة والاقتصاد لكثير من التنظيمات المتطرفة، التي تتخفى وراء ستار الإيمان لتحقيق مآرب دنيوية.
ويتزامن توقيت العرض أيضا مع دعوات متكررة لتجديد الخطاب الديني، وتنقيته من التفسيرات العنيفة لمعاني الجهاد في القرآن والسنة، وهي التفسيرات التي تسيطر بها التنظيمات المتشددة، وجماعات الإسلام السياسي على عقول عشرات الآلاف من الشباب، خاصة ممّن تعرضوا بأنفسهم أو تعرض ذووهم أو بعض ممن حولهم لمظالم من أجهزة تعمل ضمن مؤسسات الدولة، وهو ما يشير إليه العرض.
البطل الذي يجسد دوره الفنان محمد صلاح، والذي يحمل بداخله طاقة كبيرة من الانتقام، يروي كيف تمّ إدراجه في هذه الجماعات، ويقول إن والده كان يعمل مع الجيش الذي يستقر به الآن كملجأ لتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية، وأن والده قد تم اتهامه بالتواطؤ في أحد التفجيرات، فوقع حبسه وسجنه إلى أن توفي.
المؤلف لم يستخدم الإرهاب كرمز أو عنوان يناقش من خلاله الكثير من القضايا والمواضيع المحيطة
وتعتقل في ما بعد قوات الأمن الابن الذي يدرس في كلية الطب، وتتهمه بتحريض زملائه على هدم الدولة، ومن هنا ينشأ عداؤه مع النظام. يقدّم العرض الذي ألفه أشرف حسني، شابين ينشأ بينهما صراع في الرؤى والأفكار، أحدهما يعتقد أن تنفيذ العمليات الإرهابية انتقام مشروع من الحكومات والدول، أعداء الله، وآخر يحاول التخلص من هذا العالم الذي تفوح منه رائحة الدماء، بعدما حاصرته لدرجة زيارته في أحلامه وهو نائم.
يحاول الصديق المسالم إقناع صديقه بأن ضحايا العمليات الإرهابية أبرياء لا ذنب لهم، ما يفقد العمل جانبا من مشروعيته الأخلاقية والدينية من الأساس، لكن الأول يتمسك بشراسته في الدفاع عن منطق الانتقام.
الحلال والحرام
المشهد الاستهلالي للمسرحية يبدأ بمقطع صوتي للداعية المصري الراحل محمد متولي الشعراوي يتحدث فيه عن الحلال والحرام، كان له أثره في جذب الاهتمام بالعرض من الوهلة الأولى، وكشف عن ذكاء المؤلف، خاصة بعدما استعان بمقاطع أخرى للشعراوي خلال أحداث العرض، بالنظر إلى مكانة الداعية الراحل ورصانة أفكاره وانتشارها عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية، وما يتمتع به من محبة الناس.
ورغم هذا التأثير المبدئي الإيجابي فالمؤلف عاد ليفسد حماس التواصل مع الأحداث بدمجه غير المبرر بين الفصحى والعامية في الحوار، وكان من الممكن أن يقدم العرض باللغة العامية، خصوصا أن النص غير مترجم، كما أنه لم يستخدم اللهجة البدوية التي اشتهر بها أبناء بدو سيناء التي عرفت بالعمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة، ولجوء أعداد كبيرة من المتطرفين للاستقرار بها، وهو أمر كان من الضروري الاهتمام به.
أما مشهد النهاية والذي يأتي بعد ساعة، وهي مدة أحداث العرض، فيشير إلى أسلوب ومنهجية تنظيم داعش الإرهابي، فبعد رفض الشاب الجهادي الذي يجسد دوره محمد صلاح الاستمرار في الأعمال الإرهابية، يمسك زميله في التنظيم برقبته في يد ويحمل سكينا في الأخرى استعدادا لذبحه، وهي طريقة الإعدام التي اشتهر بها داعش.
جمود نسبي
من المآخذ على المسرحية تعرضها لقضية جهاد النكاح، التي اشتهرت إعلاميا خلال الأزمة السورية، لكنها ليست معروفة حتى الآن لدى إرهابيي سيناء، ما يسبب ارتباكا لدى المشاهد، ولا سيما أن المؤلف لم يستخدم الإرهاب كرمز أو عنوان يناقش من خلاله الكثير من القضايا والمواضيع المحيطة، وإنما تعامل مع الفكرة بشكل مباشر عبر قضية شاب تعرض للتعذيب والظلم من قبل قوات الأمن المصري هو وأهله، ما دفعه للانتقام.
عرض “الحلال” يتضمن نصا واقعيا كان من الممكن أن يصبح على درجة كبيرة من التميز لو تمّ تلافي بعض الأخطاء
عانى الأبطال في العرض من الجمود النسبي في التفاعل مع الحضور في قاعة المسرح، رغم أن مخرج العمل محمد إبراهيم ذكر في نهاية العرض أنهم تدربوا طوال 7 أشهر كاملة، هذا باستثناء الفنان محمد صلاح الذي قدم دور الإرهابي المجاهد لنفسه، والذي يعلن رفضه الاستمرار في هذا العالم الوحشي، فقد كان الأكثر التزاما بالحفاظ على اللغة العربية في الحوار، إضافة إلى انفعاله في مشاهد صراعه مع النفس ومع صديقه الذي يحاول تغيير فكره.
أما البطل الآخر مجدي رشوان الذي شارك في العرض بعدما عاد إلى مصر من هوليوود، حيث شارك في عدد من الأعمال هناك، فقد بدت عليه الثقة الشديدة في ذاته بما يملكه من خبرة عالمية، ورغم أن أحدا لم ينكر اجتهاده الفني، إلا أنه أخفق في توصيل انفعالاته في بعض المشاهد المهمة، وكان أداؤه في مشاهد أخرى يحمل قدرا من الافتعال أو الغرور، نظرا لثقته الزائدة في موهبته على خلفية مشاركته في أعمال فنية هوليوودية.
وبخصوص الإضاءة في هذا العمل، فقد كانت جزءا مهمّا من العمل، وتمّ توظيفها بصورة جيدة، وقد وضعها المهندس محمد محمود، إذ حملت قدرا كبيرا من التميز ترجم جميع عناصر العمل بين مشاهد الاضطراب النفسي وأحلام النوم واليقظة، بتدرجات في إضاءة الديكور، والتركيز على انفعالات وجوه الأبطال في المشاهد التي جمعت بينهم.
في المقابل، فإن الموسيقى لم تكن مبهرة، لكن التأثير والفعالية الأكبر في الأحداث كانتا للمقاطع الصوتية التي استعان بها المخرج ضمن أحداث العمل، إضافة إلى البعض من الأغاني التي تمّت الاستعانة بها.
عرض “الحلال” يتضمن نصا واقعيا كان من الممكن أن يصبح على درجة كبيرة من التميز لو تمّ تلافي بعض الأخطاء، والابتعاد عن المباشرة الكاملة في الأحداث، والخروج من القالب الضيق إلى ما هو أوسع وأكثر عمقا لقضية الإرهاب.