فسيفساء عالم السماحة

الاثنين 2015/10/26

في أيّ عالم نعيش اليوم، وفي أيّ عالم نريد أن نعيش غدا مع أولادنا؟ هل يسود المتطرّفون القلائل عالمنا، لأن الأكثرية صامتة تميل بنظرها عن الواقع؟ أيّ القيم الأخلاقية علينا أن نبلغها لأولادنا؟ وكيف يمكننا أن نورثهم عالما أفضل تزداد فيه السماحة والاحترام والمحبة؟ هل من الممكن أن نجد قاعدة مشتركة بأخلاقيات عالمية بين أتباع مختلف الأديان؟ كيف يمكننا أن نتجنّب اصطدام الأديان والثقافات المختلفة؟ ما الذي ينبغي للمواطن الفرد أن يفعله وكيف؟

أسئلة استهلّ بها الألماني هوبرتس هوفمان كتابه “قانون التسامح” الذي أراد أن يكون دليلا للساعين إلى تحسين أوضاع العالم وللمتشائمين والمؤمنين الثابتين والمفكرين الأحرار، وتحدث فيه عن الأفكار والأفعال التي من شأنها التقاطع للسير بالبشر نحو السعادة والرخاء بدلا من الحروب الوحشية التي تنتشر وتستعر في عدد من البقاع في العالم.

لفت هوفمان إلى أن شرائع السماحة هي جوابنا الإنساني كمواطنين عالميين ضد دعاة البغض. كما لفت الانتباه إلى أنه لا يجدر بنا أن نشكو من وجود المتشددين الذين يثيرون البغيضة ضدّ أتباع الأديان والأقليات والأعراق الأخرى، كما جرى ذلك في كل زمان وفي جميع أنحاء العالم. تراه يقول إن علينا أن نخجل من أننا بسبب ركوننا إلى الصمت نفسح لهم المجال حرّا لتوسيع نطاق الشر.

أوصى هوفمان بضرورة بدء المواطنين بأنشطتهم التسامحية وعدم انتظار مبادرة الأمم المتحدة أو أصحاب السياسة، وتبيين أنه من الممكن إرساء عالم أفضل بنشاطهم، ووجوب التعلم من الأديان العالمية القواعد الذهبية للسماحة، وفتح فصل جديد شخصي في كتاب السماحة بمزيد من الاحترام والحب بين البشر في قريتنا العالمية، واحتلال العالم بالمحبة والاحترام وبقدر أكبر من السماحة واستعادته من قبضة المتشددين، ووجّه الدعوة إلى القارئ ليساهم في المشروع، ويضع بدوره قطعته في فسيفساء عالم السماحة.

يشار إلى أن مفهوم التسامح متموّج يحتوي على معانٍ عدة، منها الصبر والانفتاح وغياب الأحكام المسبقة، والرحابة وسعة الصدر والإنسانية. لذا فإنّ أيّ تشدّد أو تطرّف يفتك بإنسانيّة الإنسان قبل غيره، ويخرجه عن إطاره الإيجابيّ المفترَض ليغدو مركز الشرور ومصنع الأحقاد.

حين التمعّن في واقع الحروب المنتشرة هنا وهناك في عالمنا المعاصر، ندرك ضرورة اللجوء إلى شرائع السماحة لتقليص الفجوات التي تخلّفها الضغائن الناتجة جرّاء هذا الواقع الكارثيّ. ومن هنا يكون الإيمان بالتعدّد والقبول بالتنوّع من الأسس التي ينهض عليها أيّ صرح إنسانيّ، ولابدّ من الشعور بالمسؤولية تجاه العالم، وعدم التعاطي معه على أساس العداء والاستعداء، والتضييق على الأشرار ليقلّصوا من عبثهم به.

كاتب من سوريا

15