"المناظرة الوطنية للسينما" تستشرف حلولا عاجلة للسينما المغربية

أدركت السلطات العمومية المغربية أن قطاع السينما مهم للغاية، ولا يمكن أن يظل بعيدا عن التنظيم، لذلك ارتأت أن تكون المناظرة الوطنية للسينما مناسبة لجمع مهنيي القطاع بغرض التداول حول قضايا هذا الفن.. ومن هنا كان لأصداء اليوم الوطني للسينما الذي تنظمه وزارة الاتصال المغربية كل سنة في السادس عشر من أكتوبر رجعها لدى المسؤولين، فصارت المناظرة الوطنية للسينما التي عرفت خلال السنوات الأخيرة انتظاما في المواعيد فرصة لالتئام المهنيين والتقائهم في ورشات تعنى بتدبير الشأن السينمائي بالمغرب.
الثلاثاء 2015/10/20
لعنة الإغلاق تطارد دور السينما بالمغرب

انعقدت الدورة الأخيرة من المناظرة الوطنية للسينما المغربية خلال أيام 16 و17 و18 من أكتوبر الجاري، تحت إشراف مباشر لوزارة الاتصال المغربية والمركز السينمائي المغربي وبمشاركة مجموع الهيئات المهنية، وقد كان شعار الدورة الأخيرة “السينما المغربية: التحديات والآفاق”.

وناقشت ورشات المناظرة الإنتاج الوطني والتكنولوجيات الحديثة وآفاق التطور التكنولوجي، والبنية التحتية والتوزيع والاستغلال والاستثمار، والتقنيين والمهن الموازية، والتكوين والتأهيل، فضلا عن السينما ووسائل الاتصال السمعي البصري وقضايا الترويج والتسويق، والمهرجانات والإشعاع السينمائي وتشجيع الجمعيات والنوادي السينمائية، وحقوق المؤلف والملكية الفكرية ومحاربة القرصنة، وتقنين وتنظيم القطاع.

تشير أوراق المناظرة إلى أن ورشاتها تروم في مجملها معالجة القضايا والإشكالات التي تدور في رحاها عجلة الإنتاج والتوزيع والاستغلال الكفيلة برفع الحواجز والعقبات التي تعيق النهوض بصناعة سينمائية حقيقية بالمغرب، وتؤكد أنها تهدف إلى وضع عناصر إستراتيجية وطنية مندمجة للنهوض والارتقاء بكل مكونات قطاع السينما بالبلاد، وذلك من خلال اتخاذ تدابير وإجراءات عملية تروم إرساء صناعة سينمائية حقيقية، وكذلك توصيات تسعى في مجملها النهوض بالمركز السينمائي المغربي.

المهنيون يشتكون والنقاد والمتتبعون يسجلون أن توصيات المناظرات الوطنية المغربية تظل حبرا على ورق

الكتاب الأبيض

يشتكي المهنيون ويسجل النقاد والمتتبعون أن توصيات المناظرات الوطنية تظل حبرا على ورق، وأن بعض المناظرات لم تسهم إلاّ بالنزر القليل في لفت أنظار الدولة إلى معالجة القضايا العميقة للسينما المغربية، كإشكالات الحرية والديمقراطية والإشعاع والفاعلية. ومع ذلك ساهمت بقدر معين في إثارة الانتباه إلى شساعة الميادين التي تتدخل فيها الدولة في هذا القطاع، بالرغم من أنه قطاع غير مدرّ للربح لأن الدولة تدعمه بشكل كلي تقريبا، وهو مجال للإبداع والخيال، وهو الأمر الذي يدعو إلى أكثر من سؤال.

يمكن القول بأن التقنين والتنظيم من سمات الدول الحديثة، وأن الدعم تتويج لنضال المهنيين، ولكن ما يقبل، وما يرفض من لدن لجنة دعم الأفلام يدعو إلى الريبة والشك، فلا يسمح إلاّ بحلول ظريفة لقضايا مزمنة.

على إثر النقاشات التي عرفتها الساحة السينمائية المغربية إبان التسعينات وما تلاها، بادرت الدولة إلى تشكيل لجنة أُوكِلَت لها مهمة إصدار “الكتاب الأبيض للسينما المغربية” الذي صدر في أكتوبر 2013، والذي تتضمن محتوياته مدخلا تحت عنوان “السينما المغربية: نحو فعالية مجتمعية جديدة”.

الكتاب الأبيض للسينما المغربية يحيل على ضده

هذا إلى جانب ستة محاور أخرى هي “الإنتاج السينمائي بالمغرب: الحصيلة والرهانات المستقبلية”، و“التوزيع والاستغلال: أزمة هيكلية في حاجة إلى حلول”، و“مهن السينما: الموارد البشرية والتكوين”، و“حماية حقوق الملكية الفكرية في المجال السينمائي الوطني”، و“نحو إشعاع فعال للسينما الوطنية”، و“المداخل المؤسساتية والقانونية الأساسية للإصلاح”، كما تضمن الكتاب، أيضا، خاتمة وجردا لتوصيات الكتاب الأبيض وملاحق أخرى تهم اللجان التنظيمية والعلمية والمناظرة الوطنية.

يلاحظ أن الفهرس العام للكتاب يتضمن في عناوينه الرئيسية أو الفرعية مصطلحات تهمّ المجال العمومي، من قبيل السياسات العمومية للسينما والفاعلية المجتمعية، والمجال السينمائي والتواصل والإعلام والدبلوماسية السينمائية والمؤسسة، كما تطرق إلى أدوار تدخل الدولة في القطاع رابطا ذلك بتفعيل الآليات الدستورية الجديدة لتدبير شأنه، فلا يجب أن تبقى هذه الفعاليات الأساسية في المجالات الثقافية غائبة عن النقاش العمومي.

كما عني الفهرس بالمؤسسات المزمع إنشاؤها مثل “المجلس الأعلى للغات والثقافة”، بل على السينمائيين كذلك التفكير في ملامحه، وفي طريقة العمل داخله، لتنظيم الشأن السينمائي المغربي، إذ الجلي أن القطاع لا يمكن أن يستمرّ دون تدخل الدولة من الناحية التمويلية والمراقبة والإشراف؛ وهو ما يعني طابع الهشاشة الذي يعتريه.

إذا ما حاولنا ربط الصلة بين المناظرة والكتاب الأبيض، فإننا سنجد أصداء الأولى بين تضاعيف الثاني، فمن المعروف أن التناظر يقوم على أساس الاختلاف المنبني على جدال وحوار ونقاش علميّ يجمع بين فريقين خصمين يتبادلان وجهات النّظر المختلفة، إذ يقوم فيه فريقان خصمان بالدّفاع عن قضيّة ما أو مهاجمتها اعتمادا على مبادئ الاحترام والجرأة التي من شأنها الدفع بالقضية موضوع النقاش نحو التوضيح والمعالجة والإغناء.

والحال كذلك، فالكتاب الأبيض يحيل على ضدّه، وهو ما يشير إلى النقط العالقة أو السوداء في مجال معين مما يستدعي العمل على إصلاحها. فهل حدث الإصلاح الذي نادت به المناظرة وجاء بالخط الأسود على صفحات الكتاب الأبيض؟

المغرب لا يحمي تقنييه وفنييه قانونيا من صيادي الفرص الضائعـة أو الباحثيـن عـن الـربح السريع والتقاعد المريح

دخلاء مدعومون

يشتكي المهنيون، ويلاحظ النقاد، بأن المشاكل العويصة حاضرة بقوة وأهمها إغلاق القاعات السينمائية، وارتفاع نسبة رداءة الأفلام التي ينتجها أناس وجدوا أنفسهم يمارسون مهن الإنتاج والإخراج في آخر العمر، أو شباب ضعيف التكوين، أو أناس تحولوا من مهن لا علاقة لها بالمجال كالجزارة والخياطة والبناء همهم الجانب المادي، وهو ما تنجلي نتائجه بوضوح، فحتى أولئك الذين يدعون القراءة والكتابة والمعرفة بالفنون أثبتت التجربة فشلهم، بعد أن وصل بعضهم إلى إنجاز ثلاثة أفلام روائية طويلة.

ترى عمـا يبحث هـؤلاء؟ أليـس الدعـم هو محركهم الأول والأخير؟ إنهم ينسلون إلى الغرف المهنية المُبلقنة، وتجد جزءا منهم في الصفوف الأولى والورشات خلال المناظرة للـدفاع عـن المهنـة التي يدعـي الانتمـاء إليهـا.

هكذا صار الحال، وما على المناظرة الوطنية القادمة إلاّ أن تطرح مشكـل الكفـاءة والشهادات العلميـة التـي تتطلبهـا ممـارسـة بعض المهـن التي يتسلل إليها البعـض، بدعـوى أنهم مستثمرون خـواص أو أن الموهبة لا تتطلب الدراسة، بل هي هبة وملكة.

يحدث هذا بالرغم مـن أن المغرب يكـوّن أطرا وتقنيين وفنيـين سواء في المدارس العمومية أم الخاصة، ولا يحميهم قانونيا من صيادي الفرص الضائعـة أو الباحثين عن الربح السريع والتقـاعد المريح فـي السينمـا.

16