الأزمة الأخلاقية وافتعال الحروب
يتجدّد الحديث في مختلف الأوساط عن أزمات تجتاح هذا المجال أو ذاك، وتكون لكلّ أزمة تداعياتها، تأثيراتها، وضحاياها، وأيضا تجّارها والمستفيدون منها. وحديث الأزمات يحمل في طيّاته هموم المعانين منها، أو الدائرين في فلكها، بحيث تشكّل نقطة ارتكاز وانطلاق في الوقت نفسه، بغية البحث عن حلول أو مخارج لها.
تمتاز الأزمات بقدرتها على تجييش المساندين والمناوئين والدفع إلى رصّ الصفوف وتمتين الاصطفافات، في محاولة لتبديدها أو تجديدها، وذلك تبعا للجهة التي تمثّلها، أو التي تسعى إلى رفعها وتقديمها على غيرها. وتكون الأزمات متمتّعة بمرونة التحرّك في محيط راكد، تسبّب القلاقل وتبدّد السكون المتخيّل.
تتشعّب الأزمات في كلّ الاتّجاهات والمجالات، ولا تنفكّ تبتكر أساليب تحديثها وآليات تفعيلها، تحمل في طيّاتها أحيانا دروب الخروج من متاهاتها، والدفع إلى مهاوٍ جديدة بحجّة الخلاص المنشود. لكن ألا يثير تعميم الأزمات تساؤلات من قبيل: مَن المستفيد من التأزيم؟ ألا يكون ذلك على حساب الناس ولصالح فئة قليلة تنتهزها، وقد تكون وراء خلقها وإطلاقها؟ ما الذي يمكن أن تنتجه الأزمات سوى مسوخ تتناسل وتشوّهات تستطيل بمرور الزمن..؟
أشار البرتغالي جوزيه ساراماغو (1922- 2010)، الحائز على جائزة نوبل (1998) في مذكراته “المفكرة” إلى الأزمة الأخلاقية التي يعيشها عالمنا المعاصر. يعتقد أنّه بالإضافة إلى الأزمة المالية، الأزمة الاقتصادية، الأزمة السياسية، الأزمة الدينية، الأزمة البيئية، أزمة الطاقة، هناك أزمة أخرى ناقصة هي حسب رأيه كبيرة الأهمية. إنّه يشير إلى الأزمة الأخلاقية التي تخرب العالم.
يؤكّد كذلك أنّه مدرك جيدا أنّ الحديث عن الأخلاق والأخلاقية في هذه الأيام يستدعي سخرية الكلبيين والانتهازيين، وأولئك الأذكياء تماما. لكنّه قال ما قاله، متأكدا من أنه يجب أن يوجد بعض المنطق مبررا ما في كلماته. ويقول “لندع كل إنسان يضع يده على قلبه ويخبرنا عما يجد هناك”.
النسبة إلى الأزمة الأخلاقيّة واستغلال الحروب أو إشعالها، يلفت ساراماغو إلى أنّ تعبئة البشر من أجل الحرب أسهل من التعبئة لأجل السلام. فعلى مدى التاريخ، تربى البشر على اعتبار الحرب هي الوسيلة الأكثر فعالية لحل النزاعات، واستفاد الذين في السلطة دوما من أية فترة فاصلة قصيرة من السلام للاستعداد لحروب المستقبل. لكن الحروب كانت تعلن باسم السلام. أبناء الوطن يضحَّى بهم دائما اليوم كي يؤمنوا السلام من أجل الغد.
لا غرابة أن تبقى الأزمات التي نوقع في براثنها واقعيّا لعبة الهزائم وخدعة الانتصارات، تحمل بذور التحدّيات والمواجهات، وتكون مثقلة بمفارقات الجنون راحلة في مسالك الخيبة.
كاتب من سوريا