ريا الحسن لـ"العرب": الاقتصاد اللبناني يسير في اتجاه التأزم

تعرض وزيرة المال السابقة في لبنان، ريا الحسن، في حوار مع “العرب” واقع الحال الاقتصادي في لبنان وتشرح مفهوم المنطقة الاقتصادية. كما تسبر أغوار أزمة النفايات وتعلق على اتهام مصارف لبنانية بتبييض الأموال. وتقوم بتحليل أبعاد الاستثمار في النفظ ومعوقاته وتفصّل وضع إيران الاقتصادي بعد الاتفاق النووي وتقرأ في ختام حديثها مصير لبنان كما تراه.
الجمعة 2015/08/07
ريا الحسن: الاقتصاد صانع للسياسة وليس العكس

*تردد وزيرة المال السابقة في لبنان ريا الحسن مقولة مفادها أنّ الحديث في السياسة لا يقود إلى أي مكان. ترى أن المواطنون ينتظرون إقرار الموازنات والتوصل إلى حلول للأزمات، بينما تقوم وظيفة السياسة في لبنان على خلق الأزمات وتمكينها.

لا ترى نفسها سياسية بل اقتصادية، معتبرة أنّ الاقتصاد صانع للسياسة وليس العكس. ترى أن تحليل أبعاد المشهد الاقتصادي والإضاءة على العميق والخفي فيه من شأنه أن يعري السياسة اللبنانية التي استقالت من وظيفتها لتتحول من فن إدارة الوقائع إلى فن تأسيس الأوهام من قبيل الوهم الذي أطلقه، مؤخرا، بعض السياسيين، والذي يقول إنّه لا وجود لأزمة اقتصادية في لبنان.

المنطقة الاقتصادية الخاصة

* مفهوم المنطقة الاقتصادية لا يزال غامضا عند عموم اللبنانيين؟ ماذا يعني هذا المصطلح، وكيف يمكن أن تصنف أي منطقة كمنطقة اقتصادية؟ وكيف سينعكس هذا التصنيف عليها وعلى المناطق المحاذية لها وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام؟

هذا المفهوم لم نصنعه نحن في لبنان، بل هو مفهوم عالمي سائد في الكثير من البلدان الكبرى. هناك كذلك بعض المدن العربية التي تعتمده. المفهوم بشكل دقيق هو المنطقة الاقتصادية الخاصة، وهو عبارة عن منطقة حرة تحظى بتسهيلات وإعفاءات ضريبية أكثر من المنطقة الحرّة في المطار. وتقام المنطقة الاقتصادية الخاصة عادة في منطقة معينة لأهداف إنمائية، حيث تقدم تسهيلات وإعفاءات ضريبية معينة من أجل تشجيع الاستثمارات وجذب المشاريع التنموية إليها.

حين يصار إلى تأسيس شركات في هذه المنطقة، فإنّ ذلك يؤدي إلى نشوء نوع من التواصل الاقتصادي بين هذه المنطقة والاقتصاد المحلي المجاور لها لناحية استخدام الموارد البشرية، إيجاد فرص عمل أو استقدام المواد الأولية. وقد كان الهدف من إعلان طرابلس منطقة اقتصادية هو السعي إلى إنماء الشمال، وإيجاد فرص عمل من خلال الشركات التي يمكن أن تُؤسّس في هذه المنطقة.

التأخر في إنجاز اتفاقات النفط ربما قد يتسبب إذا طالت المدة في انعدام الجدوى الاقتصادية لاستخراجه

أزمة اقتصادية

* يروّج حاليا لمقولات تعلن ألاّ وجود فعليا لأزمة اقتصادية في لبنان، ولكن ربما يكون هناك أزمة معيشية؟ هل تنطلق هذه المقولات من معطيات واقعية وجدية؟ وكيف يمكن التفريق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المعيشية؟

* من يقول بعدم وجود أزمة اقتصادية هو مخطئ تماما. وبعض السياسيين هم من يروجون لمثل هذه المقولات. وحين ننظر إلى الاقتصاد الكلي فإننا ننظر إليه من عدة جوانب أهمها الجانب المالي المتعلق بمالية الدولة، وهناك الجانب الاقتصادي الحقيقي، وهناك جانب يتعلق بالوضع النقدي والتحويلات بين لبنان والخارج ثم الوضع الاجتماعي.

*الوضع المالي حاليا في حالة تراجع في ما يتعلق بالعجز العام الذي يزيد، وفي ما يتعلق بخدمة الدين قياسا إلى الناتج المحلي. كل المؤشرات الخاصة بالإيرادات تعاني من تراجع في حين أن النفقات تزيد. وكل المؤشرات تقول، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، إن الوضع الاقتصادي يسير بشكل عام في اتجاه التأزم.

ولا أريد أن أقول إننا وصلنا إلى مرحلة دق ناقوس الخطر، ولكنّنا وصلنا مع هذا العام إلى مرحلة صعبة وخاصة في ما يتعلق بديمومة الدين، أي الفترة التي يمكن لنا فيها الاستمرار في اعتماد منطق الاستدانة، والأثر الناتج عن زيادة الفوائد التي تلتهم النفقات والتي كان من الممكن استثمارها في مكان آخر.

أمّا وضع الاقتصاد الحقيقي فهو كارثي، وهو الاقتصاد الذي يتشكل من كل القطاعات المنتجة التي كانت تساهم في نمو الاقتصاد من الصناعة والسياحة والتجارة والقطاع العقاري والقطاعات التي تعتمد على السياحة من قبيل شركات تأجير السيارات والمطاعم وغيرها، إضافة إلى ما يسمى قطاع البيع بالتجزئة. كل هذه القطاعات هي اليوم غير منتجة، وتعاني من تراجع حاد، وما من قطاع منها إلا ويعاني من ضغوط كبيرة تتجلى انعكاساتها في تراجع الضريبة على الدخل وفي الضريبة على القيمة المضافة وفي العدد الكبير من إعلانات الإفلاس والتسريحات الجماعية للموظفين.

وعدد كبير من الناس باتوا بلا وظائف ما أدى إلى نشوء أزمة اجتماعية حادة نظرا لغياب المداخيل أو شحها. يضاف إلى كل هذا تداعيات أزمة النزوح السوري إلى لبنان الذي خلق منافسة كبيرة لليد العاملة اللبنانية، وخاصة بالنسبة لأصحاب المهن والحرفيين، مثل الحلاقين وصانعي الحلويات وغيرهم.

المواطنون ينتظرون إقرار الموازنات والتوصل إلى حلول للأزمات، بينما تقوم وظيفة السياسة في لبنان على خلق الأزمات وتمكينها

ثبات وضع الليرة

* ماذا سيحدث في حال توقفت تحويلات اللّبنانيين من الخارج أو تراجعت الودائع بشكل تفقد معه المصارف قدرتها على تمويل دين الدولة؟

* لا نريد أن نتحدث عن كارثة لا تزال بعيدة وغير ممكنة. التمويل يأتي من تحويلات اللبنانيين في الخارج. ربما انخفضت نسبة التحويلات والودائع ولكن نسبتها لازالت تنمو وإن بشكل منخفض عن النسب السابقة التي كانت تبلغ حدود الـ 9 بالمئة أحيانا، ولكن النمو لا يزال يسجل حسب مدير مصرف لبنان نسبة 6 بالمئة على أساس سنوي.

وهذه النسبة مبنية على قاعدة مالية كبيرة فقد بلغت نسبة الودائع في لبنان الـ140 مليار دولار، لذا فإن نسبة النمو ما زالت أكثر من كافية لمنح القطاع المصرفي السيولة الكافية لتمويل الدين العام اللبناني، كما أنّ لدى مصرف لبنان مخزونا كبيرا من العملات الأجنبية يبلغ الـ39 مليار دولار تقريبا. ومثل هذا المخزون الضخم كفيل بدعم الليرة اللبنانية في حال حدوث أي مشكل.

حاليا لا أجد أنّ هناك ما يدعو للقلق في هذا الصدد، ولكن إذا ما شهدنا بعد فترة تراجعا كبيرا وسريعا في نسبة التحويلات فإننا سنكون آنذاك أمام مشكلة جدية وخطيرة.

قوانين مكافحة تبييض الأموال

* ما مدى خطورة الرقابة على المصارف اللبنانية بسبب قوانين الإرهاب ومكافحة تبييض الأموال؟

* هذا الموضوع سياسي. إذا شئنا استمرار القطاع المصرفي اللبناني متمتعا بمصداقية عالية في التعامل مع البنوك الدولية، فإن هناك حزمة من القوانين التي يجب إقرارها ومن أبرزها قانون مكافحة تبييض الأموال وقانون يتعلق بالنقل عبر الحدود.

لدينا فرصة حتى شهر أيلول القادم، ولكن لا أعتقد أن الخزينة الأميركية حين تنظر إلى واقع الحال في لبنان لناحية عدم انعقاد جلسات المجلس النيابي، ستحاسبنا على عدم وجود هذه القوانين. لا يعني ذلك أنه لا يجب إقرارها ولكن كما يقال لا حول ولا قوة.

هناك حسب علمي قرار أميركي يقضي بعدم المس بالقطاع المصرفي وحمايته، لأنه العمود الفقري الذي يقوم عليه الاقتصاد في لبنان، ما يعني أنه في حال أصيب بضرر ما فإن هذا من شأنه تدمير الاقتصاد اللبناني.

بيروت كانت إبان مرحلة الرئيس الحريري، وباعتراف الجميع، واحدة من أنظف المدن في العالم

إجراءات مصرفية داخلية

* تم مؤخرا تداول الكثير من الأخبار التي تقول إن لبنان تحول إلى منطقة تبييض أموال مرتبطة بالوضع السوري والعراقي بشكل خاص، هل هذا صحيح؟ وفي حال كان صحيحا كيف يمكن معالجة تداعياته والحد منها؟

* المصارف اللبنانية تعمد بنفسها عند ظهور أي إشارة تتعلق بتبييض الأموال إلى تطويق الأمر ومعالجته بطريقة جذرية داخل المصرف نفسه. وكيفية معالجة قضية البنك اللبناني الكندي على سبيل المثال أثارت إعجاب الأميركيين والفرنسيين حيث تم “فرط” البنك من أساسه وجاء مستثمر جديد واشتراه، كما تم وضع كل الحسابات المشبوهة في إطار خاص بها وجُمدت.

الرقابة المفروضة على المصارف اللبنانية لا تسمح بتبييض الأموال بحجم كبير كما يشاع. إذا أفلتت بعض الأموال من عيون الرقابة، فإن حجمها لن يكون ضخما ومؤثرا. وهناك حالات ضبطت وتم التعامل معها بحزم شديد وتسببت بفرض إجراءات وقيود إضافية على حركة الأموال. القطاع المصرفي لا يزال يحظى بمصداقية كبيرة، ولا أحد من البنوك الكبرى المراسلة توقف عن التعامل مع أحد البنوك اللبنانية.

رواتب القطاع العام

* يقال إن الأزمة المالية ستتسبب بالتوقف عن دفع رواتب القطاع العام في لبنان، هل هذا صحيح وماذا يعني في حال حدوثه؟

* الاعتماد الذي بين يدي وزير المالية تحت بند الرواتب، بات لا يكفي لدفع الأجور نظرا لزيادة عدد الموظفين، وزيادة غلاء المعيشة. غالبا كانت هذه المشكلة تحدث فيقوم الوزير بتقديم طلب لنقل اعتمادات من الاحتياطي لتغطية الرواتب، ولكن في ظل التعطيل القائم في مجلس الوزراء تكون المشكلة مطروحة بجدية. ولا أعتقد أننا سنصل إلى هذه المرحلة على الرغم من كل شيء.

الاستثمار في النفط

* كيف يمكن للبنان استثمار النفط؟ وما هو حجم الخسائر الناجمة عن التأخر في استخراجه والاستفادة منه؟

* هناك اتفاقيتان عالقتان هما اتفاقية استخراج النفط واتفاقية “تلزيم البلوكات”، ولم يتم إقرارهما بعد، لأن هناك عقبات سياسية تحول دون إنجازهما. يضاف إلى ذلك ضرورة إنجازعمليات ترسيم الحدود بين قبرص و إسرائيل، وترسيم الحدود البحرية مع سوريا وإقرار قانون الضريبة على النفط.

التأخر في إنجاز هذه الاتفاقات يحرمنا من فرصة الاستفادة من النفط، وربما قد يتسبب إذا طالت المدة في انعدام الجدوى الاقتصادية لاستخراج النفط والغاز.

المصارف اللبنانية تعمد بنفسها عند ظهور أي إشارة تتعلق بتبييض الأموال إلى تطويق الأمر ومعالجته

كذلك لو افترضنا أننا استخرجنا النفط واستعملنا جزءا منه لتغطية حاجة الاستهلاك المحلي، يبقى السؤال كيف سنبيعه ولمن؟ الدول المستهلكة للنفط في المنطقة عمدت إلى عقد اتفاقات استيراد مع الدول المنتجة، وسوف لن يبقى هناك مجال لتصريف النفط اللبناني إذا استمر التأخير لأكثر من ثلاث سنوات.

تيار المستقبل وأزمة النفايات

* لماذا يتم ربط موضوع أزمة النفايات بتيار المستقبل لدرجة أنه تم الربط بين مشهد غرق بيروت في النفايات ونهاية الحريرية؟ ما سرّ هذا الربط ومن يتحمل مسؤولية أزمة النفايات عمليا؟

* كانت بيروت إبان مرحلة الرئيس الحريري، وباعتراف الجميع، واحدة من أنظف المدن في العالم. المشكلة التي انفجرت مؤخرا لا تتعلق بشركة سوكلين ولكن المسؤولية تقع على عاتق الحكومات المتعاقبة. مطمَرُ الناعمة أغلق سياسيا فأين تستطيع شركة سوكلين أن تذهب بالنفايات. دفتر الشروط الذي تم إعداده من أجل دفع الشركات إلى تقديم عروض جمع النفايات لم يكن مناسبا لأنه يشترط على الشركة إيجاد مطمر جديد.

ومدير شركة سوكلين ميسرة سكر يقول إنه مستعد للانسحاب في حال قدمت أي شركة عرضاً لجمع النفايات. الرجل ليس بحاجة إلى السوق اللبناني في ظل شبكة أعماله التي تشمل دولا كبيرة وعديدة.

قيل الكثير عن فساد وهدر يتعلق بهذه الشركة وعملها. لا أعلم، حاليا هناك تحقيق بهذا الصدد يقوده المدير العام المالي، وفي حال اتضح أن هناك فسادا وهدرا فلا أحد من تيار المستقبل مستعد أن يغطيه.

الوضع اللبناني ليس على نار حامية

* تقاسم النفوذ بدأ يتم في سوريا حيث يسود انطباع يعلن أن الاهتمام الدولي ينصب عليها في حين يترك لبنان لمصيره؟ هل ترين أن لبنان أصبح خارج دائرة الاهتمام الدولية وماذا يترتب عن ذلك في رأيك؟

* لبنان ليس موضوعا على نار حامية ولكنه ليس متروكا لمصيره. هناك خطوط حمر دولية لازالت قائمة وهي الجيش الذي لازالت المعونات الدولية تصله، والاستقرار الذي نتج عنه استمرار الحوار بين المستقبل وحزب الله، الذي على الرغم من عدم جدواه، ولكنه يعني ألّا أحد يستطيع تحمل عواقب تفجير الأمور، وكذلك هناك خط أحمر يتعلق بثبات الليرة اللبنانية والوضع النقدي.

المصارف اللبنانية تعمد بنفسها عند ظهور أي إشارة تتعلق بتبييض الأموال إلى تطويق الأمر ومعالجته

لبنان العيش المشترك

* في ظل كل هذه الأزمات كيف تنظرين إلى مصير لبنان ومستقبله؟

* لبنان يمثل آخر نموذج للعيش المشترك في المنطقة. وهذا المزيج من الطوائف والنسيج الموجود في لبنان، قد يشكل حماية لنا إذا نجحنا في المحافظة عليه.

واقع القنبلة الاقتصادية الإيرانية

* تردد كثيرا في الآونة الأخيرة أن إيران بعد الاتفاق النووي ستتحول إلى قنبلة اقتصادية؟ ما رأيك بهذا الطرح من الزاوية الاقتصادية؟

* لا شك أن قدرات إيران الاقتصادية كبيرة وهي تشتمل على العامل البشري والنفط والغاز وغير ذلك، لكنها تحتاج إلى استثمارات ضخمة في العديد من القطاعات حتى يصار إلى إطلاق هذه الإمكانيات.

تحتاج إيران على سبيل المثال إلى استثمارات بقيمة 100 مليار دولار كي يتم تفعيل القطاع النفطي، كما تحتاج إلى استثمارات هائلة في مجال التكنولوجيا.

عمليا تحتاج إيران إلى سنوات طويلة حتى تحقق نموا اقتصاديا فعالا. لا أعلم كيف ستستثمر هذا النمو. هل ستستعمله من أجل بناء اقصاد وطني يرفع مستوى عيش المواطن الإيراني الذي يعلم الجميع حجم البؤس الذي يعاني منه، أم في زيادة دعم مشاريعها التوسعية في المنطقة.

12