الشاعر الإماراتي عبدالله السبب يدون مشاعره تجاه صحبة رحلت

تتوزع نصوص كتاب “صلاة” لعبدالله السبب على قسمين: الصهيل ذو الرئة الرمادية، والطواف حول الذاكرة، وفيهما يتخذ السبب من مناسبات الرحيل -رحيل الشعراء الأصدقاء- مادة للتأمل في قضايا الإبداع، والجمال، والصداقة، والحب، والحياة، والموت، والحضور، والغياب. يقع «صلاة» في الترتيب الـ11 في قائمة إصدارات السبب التي تراوحت بين الشعر، والقصة، والدراسة النقدية.
الحنين والذكرى
“صلاة” كتاب في الشعر وللشعر. وفضلا عن كونه نصوصا شعرية مركزة، اجتهد فيها السبب ليقدم تجربة جديدة تغني رصيده الشخصي، كما تغني الرصيد الإماراتي عموما، فإنه مُهدى إلى الشعراء ممثلين بأربعة من رموزه في الإمارات وهم: خليفة محمد خليفة، وجمعة الفيروز، وعلي العندل، وأحمد راشد ثاني.
هو كتاب للحنين والذكرى، يختصر غياب الأصحاب ويعيد حضورهم عبر الكلمة. قد تتنفس بين صفحاته رائحة من رحلوا، ممزوجة بمياه الخليج العربي ومعجونة بنكهة موائد الإماراتيين. فـ”صلاة” للشاعر الإماراتي عبدالله السبب، يطوف حول من سافر بعيدا، يستحضر وجوده ويكتبه قصائد من شعر، ونصوصا من نثر وسرد.
ينقسم الكتاب شكلا ومضمونا إلى قسمين، الأول يحمل عنوان “الصهيل ذو الرئة الرمادية”، ويتضمن مجموعة من النصوص تسبقها أو تتبعها إضاءات للإشارة إلى ما تتخلله من دلالات وأماكن وعلامات. بينما يحمل القسم الثاني عنوان “الطواف حول الذاكرة” ويحوي إلى جانب النصوص، كتابات يسردها السبب مستعيدا لقاءاته القديمة مع أصدقائه الراحلين إلى الأبد: الشاعر خليفة محمد خليفة، الشاعر جمعة الفيروز، الشاعر علي العندل، والشاعر أحمد راشد ثاني.
تكرار المفردة
يقول عبدالله السبب في حديثه إلى “العرب” عن الكتاب: أردت أن أركز من خلال التنويع الحاصل في صفحات “صلاة” على إستراتيجية الإهداء. ففي حين كنت أقدّم عملي لأربعة شعراء رحلوا، كان من الضروري أن أعرّف بهم أمام القارئ العربي، ناقلا مقتطفات من قصائدهم مع إشارة إلى المصدر. وحسب رأيي فإن هذه الطريقة كنت سأعتمدها حتى لو لم يكن المهدى إليهم شعراء أو كتّاب.
|
ويضيف “في الفصل الثاني من الكتاب، تجدون أكثر من جنس أدبي. فبين الشعر وأدب التراجم والسيرة الذاتية، دوّنت مشاعري تجاه صحبة رحلوا، مستعينا بالقصيدة والسرد. الأمر الذي أعطاني مجالا واسعا للبوح والحب والرثاء وغير ذلك”.
يعتمد السبب في نصوص هذا الكتاب، على تكرار المفردة أكثر من مرة. ليؤكد وقعها على روحه أولا وعلى اللحظة الحالية ثانيا. وكأنه يرددها ليسمع صداها مدويا في أنحاء المكان. وتراه ينحت منها معاني أخرى ومفردات على ذات الوزن والنسق سواء في المعنى أو حتى في اللحن الموسيقي. الأمر الذي ينطبق على عنوان معظم نصوصه. فقد جاء في نص “قبورنا.. قرارنا”. يقول عبدالله السبب “نافلة أوراقنا/ أرزاقنا/ وأعناقنا/ نافلة أسرارنا/ أسفارنا/ وإسرافنا”.
أسلوب البوح
يقترب أسلوب الشاعر عبدالله السبب إلى البوح والاعتراف أكثر منه إلى النمط الشعري. فكل ما يكتبه هنا هو مراثٍ للوقت الذي جمعه بأولئك الشخوص. لذا يذهب إلى عدد من المفاهيم الثقافية وعدد من الأماكن التي احتضنت حضورهم السابق ويناجيها ويعلن حزنه لها. ويضعنا أمام أسماء وعناوين كثيرة نعرفها وأخرى لا نعرفها. ففي نصه يا “جمعة”، يبدأ السبب بالقول “ماذا لو../ أن رأس الخيمة/ أن المسرح/ أن “شؤون ثقافية”/ أن “شؤون أدبية”/ أن اتحاد الكتاب”.
وهكذا يسرد عشرات المفردات الدالة على المشهد الثقافي في المجتمع الإماراتي، والذي كان فضاء أصدقائه المثالي وخاصة الراحل جمعة الفيروز، ليوضح أنه أضحى وحيدا خاليا من ضحكته، معلنا حزنه الكبير عبر السطور.
تأخذ العلاقة بين السبب ورفاقه طابع الروحانية في تفاصيلها. فقال في القسم الثاني من الكتاب: لم أكن ألتقيه كثيرا، بل لقاءات نادرة، واتصالات غير متصلة وغير متواصلة، لكنها لقاءات مشحونة بالحب والمودة والعتابات الصادقة الصائبة، لقاءات تشيع بالطمأنينة والمرح، طمأنينة الحوار ومرح الكلام، كيف لا، وهو القائل الزبدي: “السبب، مشكلته في اسمه؟!” ويعرج بالقول إلى الهمس الضحوك: “إذا كنت أنت السبب عبدالله محمد، فمن المؤكد أن النتيجة اسم لامرأة!”.