نهاية دور الذهب كملاذ آمن للمستثمرين في أوقات الأزمات

الاثنين 2015/08/03

طوال تاريخ أسواق المال العالمية كانت أسعار الذهب مرآة تعكس فورا جميع انفعالات وتقلبات التفاؤل والتشاؤم في الاقتصاد العالمي وكذلك تحركات أسواق الأسهم وأسعار الفائدة العالمية.

وكان على الدوام الملاذ الآمن الرئيسي لمعظم المستثمرين، حين ترتجف قلوبهم خلال الأزمات الاقتصادية فيفضلون الابتعاد عن المخاطرة العالية.

الانحسار الكبير في حساسية الذهب للتقلبات الاقتصادية، بدأ بشكل جدي وعميق في عام 2013، حين فقد خلال ذلك العام نحو 28 بالمئة من قيمته، مسجلا أكبر خسارة سنوية منذ 32 عاما.

وأسدل الذهب في ذلك العام، الستار على موجة صعود دامت 12 عاما، مع إعلان مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي (البنك المركزي) عن عزمه تقليص سياسة التيسير النقدي، والتي أوقفها تماما في نهاية العام الماضي. بل إن الذهب يستعد لتلقي ضربة جديدة إذا ما تم رفع أسعار الفائدة الأميركية في الأشهر المقبلة.

وكشفت الأزمات المالية الأخيرة أن الذهب، لم يعد قادرا على الاستجابة للأزمات، ولم يعد المستثمرون يلجأون إليه كملاذ آمن، بل تحول إلى سلعة مجردة تخضع للعرض والطلب من قبل المنتجين والمستهلكين، في ظل ارتفاع كبير في الإنتاج العالمي يغطي الطلب بيسر وسهولة.

ففي ذروة غموض الأزمة اليونانية والحديث عن أزمة مالية عالمية كبيرة، لم يتمكن الذهب من الارتفاع باعتباره ملاذا للهاربين من السيناريوهات الكارثية للأزمة، كما أنه لم يتفاعل مع معظم التقلبات الكبيرة في أسواق المال العالمية خلال السنوات الثلاث الماضية.

أشد الضربات التي تلقاها الذهب، جاءت من تراجع مكانته في احتياطات المصارف المركزية، التي لجأ بعضها مرارا إلى بيع جانب من احتياطاته من الذهب خلال السنوات الماضية، ليفقد تدريجيا بريقه ومكانته كأداة مالية للتحوط.

وكانت آخر الضربات رفض السويسريين في استفتاء أجري في نهاية نوفمبر الماضي زيادة احتياطات البنك المركزي من الذهب.

وتعكس الأسعار الحالية، التي بلغت أدنى مستوياتها منذ بداية عام 2010، بعد أطول موجة هبوط منذ عام 1999، موقف المتعاملين وتوقعاتهم المتشائمة بشأن مستقبل أسعار الذهب، الذي بلغ نهاية الأسبوع الماضي نحو 1080 دولارا للأونصة.

وأصبح معظم المحللين يرجحون أن يتجه إلى الانحدار نحو حاجز ألف دولار، خاصة إذا تم رفع أسعار الفائدة الأميركية، وهو أمر مرجح في سبتمبر المقبل، حسب إشارات محضر الاجتماع الأخير للبنك المركزي الأميركي.

وفقد الذهب في الأعوام الأخيرة نحو نصف مكاسبه خلال موجة الصعود التاريخية في الفترة من عام 1999 إلى 2011، والتي انتقل خلالها من نحو 252 دولارا إلى المستويات القياسية البالغة 1920 دولارا للأونصة المسجل في سبتمبر 2011.

كان الذهب يرتفع دائما حين تنخفض أسعار الأسهم في الأسواق الرئيسية، لأنه أداة تحوط المستثمرين في أوقات القلق والغموض والتشاؤم، وينخفض حين ترتفع الأسهم، بسبب ارتفاع شهية المستثمرين للمخاطرة.

كما كان يرتفع حين يتم خفض أسعار الفائدة على العملات الرئيسية، حيث يلجأ إليه المستثمرون بسبب انخفاض العوائد على الادخار والسندات الحكومية. وفي المقابل يتأثر سلبا حين يتم رفع أسعار الفائدة، لأنه من الأصول التي تدر عوائد.

وتظهر المستويات المتدنية لأسعار الذهب والأفق المتشائم، الذي يرجح مزيدا من الانخفاض، حجم محنة أسعار الذهب وقلة تفاعلها مع أسعار الفائدة، رغم أنها قريبة من الصفر في جميع البلدان المتقدمة، بل إن أسعار الفائدة سلبية في بلدان مثل النرويج وسويسرا.

وإذا كان الذهب لم يحقق أي مكاسب من اشتداد الأزمات المالية في السنوات الأخيرة، فمن المؤكد أنه سيتلقى ضربات قاسية، إذا ما تعزز نمو الاقتصاد العالمي، وبدأت موجة جديدة من رفع أسعار الفائدة العالمية.

كل ذلك يؤكد أن الذهب أصبح جثة هامدة، وأنه خرج أو يكاد يخرج نهائيا من موقعه كأداة مالية للتحوط، ولم يعد ملاذا آمنا للمستثمرين الهاربين من الأزمات المالية العالمية، ليصبح مجرد سلعة عادية تخضع بالكامل لعوامل العرض والطلب.

1