الاستقالة الممنوعة والحكم الممتنع

الأحد 2015/08/02

ممنوع على رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أن يستقيل وممنوع أن يحكم كذلك. المواقف من طرح موضوع الاستقالة كانت لافتة فقد برز حزب الله في واجهة المعارضين للاستقالة ووصل في رفضه لها إلى حدود التهديد، كما أطلق رسائل تحذيرية بالوكالة عبر مجموعات سرايا المقاومة التابعة له والتي ألقت أكياس النفايات على منزل الرئيس سلام.

الرئيس نبيه بري اعتبر بدوره أن مساعي إسقاط الحكومة لن تنجح وأعلن أنه سيقف مع من يمثلهم في وجهها. بدا الجنرال عون وحيدا في سعيه لإسقاط الحكومة لأنه لا يريد للتعيينات الأمنية والعسكرية أن تمر، وحتى يقطع الطريق أمام التمديد أو التجديد لقائد الجيش.

تيار المستقبل ظهر في ثوب المتهم إذ أن هناك ربطا مباشرا وعاما عند الرأي العام اللبناني بينه وبين شركة سوكلين التي تناط بها منذ فترة طويلة مهمة جمع النفايات في لبنان. انتهاء مدة عقدها دون أن يصار إلى الاتفاق على عقد جديد معها أو إيجاد بديل لها، تسبب بما يشهده لبنان حاليا من أزمة نفايات عامة لا تنفع معها الحلول الجزئية والمؤقتة.

أزمة النفايات عصفت بالحكومة التي يحسب رئيسها على تيار المستقبل فكان أن لوّح بنيّته في تقديم استقالته من منصبه، ولكن اتصالات عربية ودولية حالت بينه وبين تنفيذ ما كان ينوي القيام به. المشكلة تكمن في أن رفض استقالة الحكومة لم يستتبع بالسعي الجدي إلى إيجاد مخارج للأزمات المستعصية، بل بدا وكأنه مطلوب من الحكومة أن تبقى لكي تكون شاهداً على الأزمات ليس إلا.

حزب الله لا يريد أن يدخل البلد في أزمة فراغ تتطلب منه بذل جهود إضافية لمعالجة تداعياتها على بيئته الحاضنة، ما سيشتّت جهوده القتالية والحربية في سوريا ويدفعه إلى توزيعها، لذا يصر على بقاء الحكومة كي تقوم عنه بالمهمات اللوجستية. يريد من الحكومة أن تكون خط الدفاع الخلفي له والذي يجب أن يكون مؤمنا كي يمكن للمقاتلين الذاهبين إلى خارج الحدود العمل بأكبر قدر من الراحة والأمان.

تيار المستقبل يخشى أنه في حال سقطت الحكومة في ظل الفراغ الرئاسي ووجود سعد الحريري في الخارج فإن الأمر سيتخذ صيغة الخروج السياسي للسنّة من الدولة. مشروع الاعتدال سيبدو وكأنه انتهى تماما وسيتاح لحزب الله الإمساك بمفاصل البلد بشكل تام، وخاصة أنه يلوّح من حين الى آخر بأنه يستطيع أن يجد حليفا سنيا قويا ويسعى إلى إيصاله إلى سدة رئاسة الحكومة. غزل حزب الله الدائم بنهاد المشنوق يأتي في هذا السياق.

تكمن المفارقة الكبرى أن كل الجهات الدولية والعربية التي عملت على ثني الرئيس سلام عن استقالته لم تقدم أي مشروع أو طرح يمنح الحكومة القدرة على اتخاذ حد أدنى من القرارات. فكرة التوافق التي تسيطر على عمل الحكومة، والتي تجعل مرور أيّ قرار مستحيلا ما لم يحظ بالإجماع، تجعل الحكومة رهينة تعطيل دائم.

الاستقالة ممنوعة والحكم ممتنع. هذه هي المعادلة التي يدافع عنها الجميع. الكل ينتظر نضوج طبخات دولية قد تنتج انفراجات في ملف الفراغ الرئاسي اللبناني. خلال هذه الفترة تتراكم أزمات وأزمات تبدو عصية على الحل بشكل يقول إن الأطراف المهيمنة على الحياة السياسية في لبنان، مستعدة لفتح المجال أمام انتخاب رئيس توافقي للجمهورية، حين تكون متأكدة أن حال الرئاسة سيعيد إنتاج الحال الحكومي لناحية الحكم الممتنع.

هكذا تبنى المعادلة بشكل يكون فيه الفراغ قد سدّ في منصب الرئاسة والحكومة بقيت ولكن الشلل يبقى هو المتحكم الأبرز بالرئاسة والحكومة.

كاتب لبناني

6